
رمز البَجَعَة في التراث الأرثوذكسي

ترِد في القسم الثاني من تقاريظ جناز السيد المسيح واحدة من أكثر القطع الغنية بمعانيها اللاهوتية العميقة:
“مِثلَ البَجَعَة، جُرِحِتَ في جَنبِكِ أيها الكلمة، وأحييتَ أبناءَكَ المائتين، مُنقِّطاً عليهم قطراتٍ مُحيِية” {أنظر كتاب التريوذي ص 403}
وهي في أصلها اليوناني كالتالي:
<span;>«’Ώσπερ πελεκάν την πλευράν Σου τετρωμένος, Λόγε, σούς θανόντας παίδας εζώωσας, επιστάξας ζωτικούς αυτοίς κρουνούς».
فما معنى هذا الكلام، وما العلاقة الرمزية بين طائر البَجَع وبين الرب يسوع المسيح؟
يتغذَّى طائر البجع على الأفاعي، بالإضافة إلى أشياء أخرى. وبالتالي يصبح دمه ترياقاً مدهشاً مُضادَّاً للسموم. فماذا تفعل البَجَعَة عندما تتحقق أن أفعى سامّة لدغت صغارها وأصبحوا على وشك الموت؟
إنها بالفطرة التي وهبها إياها الخالق، تتصرف بطريقة تكشف عن مقدار حبها العظيم لفِراخها. تبدأ البجعة بِنَقرِ جنبها بمنقارها الحادّ، حتى يَنبَجِس منه الدم، وتَقطُر عليهم من الجُرح، فيرتشف الصغار قطرات الدم السائل من جنب الأم، والحامل الترياق المضادّ للسُمّ، فتنتعش الفِراخ وتنجو من الموت، ولسان حالها يشكر جنب الأُمّ المطعون والنازف دماً باختيارها، هي التي جلبتهم للحياة في البداية، والآن تمنحهم حياةً جديدة.
تُظهر هذه الصورة الجميلة للتضحية وبَذل الذات من أجل إنقاذ حياة الآخرين، عمل الرب يسوع المسيح من أجلنا نحن البشر الذين افتداهم على الصليب.
هكذا فعلت بنا “الحيّة القديمة” الذي هو الشيطان {رؤيا 9:12 و 2:20} عندما لَدَغَنا بلدغة الخطيئة القاتلة، عندما كنا بعد في الفردوس، فتسمَّمنا بسُمِّ الموت الأبدي الناتج عنها، وسرى فساد الموت في طبيعة آدم، وكلِّ ذريّته الخارجة من صُلبِه. ولكن الله لم يترك الإنسان ساقطاً في خطيئته وواقعاً أسير الموت، لذا تجسَّدَ الكلمة وصار إنساناً، وجاء ربنا ومُخلِّصنا يسوع المسيح إلى الآلام طوعاً باختياره، وارتضى بمحبّته أن يُسَمَّر على الصليب بالمسامير، ويُطعَن جَنبُه بالحربة، فسال دمه الثمين من جراحه وجنبه الإلهي على البشرية المسمومة بلدغة الخطيئة والموت، وهذا الدم الزكيّ المهراق من جنبه المُحيي صار لنا عربون القيامة ودواء الخلود، لأنه أحيانا وأنقذنا من الموت “مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ” {يو 54:6} ونحن بتناولنا هذا الدم المقدس في سرِّ الافخارستيا، ننال الغفران “هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا” {مت 28:26} وهذا الدم الطاهر هو أيضاً لشفائنا وتطهيرنا “وَدَمُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ ابْنِهِ يُطَهِّرُنَا مِنْ كُلِّ خَطِيَّة” {1يو 7:1} وبه تقدَّسنا واغتسلنا من آثامنا “الذي أَحَبَّنَا وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ” {رؤ 5:1} “فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يَكُونُ دَمُ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِرُوحٍ أَزَلِيٍّ قَدَّمَ نَفْسَهُ للهِ بِلاَ عَيْبٍ، يُطَهِّرُ ضَمَائِرَكُمْ مِنْ أَعْمَالٍ مَيِّتَةٍ لِتَخْدِمُوا اللهَ الْحَيَّ” {عب 14:9}.
بقلم الأب رومانوس الكريتي
No Result
View All Result