
بين السبت الحاضر والسبت الآتي…
في هذا السبت الحاضر ترتعد الجحيم خوفاً ورُعباً من صوتِ المسيح المنادي ميتاً قد أنتَنَ وله في القبر أربعة أيام، مُقيماً إياهُ من اللَّحدِ، ومُحرِّراً نفسه من رباطات الموت، وآمِراً بصوتهِ الإلهي: “يا لعازر هلمَّ خارجاً”!
اليوم تتذوّق الجحيم شيئاً يسيراً من مرارة الهزيمة الكبرى التي تنتظرها في السبت الآتي، بنزول المسيح إليها بعد موته الطوعيّ على الصليب، مُحطّماً اقتدار الموت، ومُلاشياً عِزَّتهُ ومُعتِقاً من قبضة الجحيم نفوس الذين تملَّكت عليهم منذ الدهر، مُطلِقاً إياهم من أسرِ الظُلمات بنعمة الفداء العظيم…
اليوم أدركَ الموت تماماً حتميّة إضمحلاله القريب، وانكسار شوكته المنغرسة في طبيعتنا، والذي بات وشيكاً على الأبواب، لأنَّ صوت المسيح الفادي قد أعتقَ لعازر الميّت من نتانة الموت والفساد، فخرج من قبرهِ حيّاً ليلاقي معطي الحياة في انتظاره…
في هذا السبت، أيقَنّا بالإيمان واثقين، أنّ الرب الذي أقام لعازر من قبرهِ، بعدما بدأ التحلُّل والفسادُ يدُبّانِ في جسده، هو نفسُهُ “القيامة والحياة” الذي سيقوم من القبر بذات سُلطانه، وهو الذي له ملءُ القدرة وكمال القوّة على إقامة أجسادنا نحن أيضاً في مجيئه الثاني الرهيب، لنشاركه في مجد قيامته وفرح ملكوته…
إقامة المسيح لصديقه لعازر، بعدما أنتن، هو تحقيقٌ مسبقٌ للقيامة العامّة، وخِتمٌ أكيد على ما سيصنعه المسيح فينا أيضاً، نحن الذين آمنّا به، ولبسناهُ في المعمودية، واتَّحدنا معه بشبه موته وقيامته، وثبتنا فيه وثَبَتَ فينا في شِركة جسدهِ ودمه المقدّسين، فنِلنا عربون قيامة أجسادنا وانعتاقنا من فساد الموت بموته.
ما أبهى السبت الحاضر ويا لعظمة وجلالِ السبت الآتي
الأب رومانوس الكريتي
No Result
View All Result