في خميس الأسرار… لنسهر مع يسوع فنطهُر
هو خميس الأسرار المبارك الذي نتأمّل فيه كمؤمنين رموز مسيحيّة عدّة تحضّرنا بعزم للآلام والقيامة…
في هذا اليوم، نستذكر غسل المسيح أرجل الرّسل التّلاميذ، في إشارة إلى تواضع الرّبّ الإله تجاه شعبه. فهو العظيم المجيد الموقّر انحنى وغسل أرجل تلاميذه، جمعهم على مائدة العشاء السّرّيّ، كسر الخبز وأعطاهم جسده الحيّ، سكب الخبز وأشربهم دمه المقدّس.
وفي “خميس الأسرار” أيضًا، نزور سبع كنائس في علامة للكمال، حيث علينا أنّ نتّحد بالإيمان وعيش اللّقاء بالقربان وتمهيد التّأمل بآلام المسيح وتسليم الذّات لمشيئة الآب بالسّهر مع القربان في استذكار بأنّ يسوع بقي ساهرًا في تلك اللّيلة قبل الاتّحاد بآلامه.
لنتعلّم من يسوع المسيح في هذا اليوم، التّواضع، الطّاعة، الخدمة، التّسامح، الرّحمة، التّسليم لمسيئة الرّبّ، الثّقة بإرادته، التّأمّل بالفداء، العودة إلى أحضان الكنيسة، عيش عيد الإفخارستيّا وهو أساس كلّ الأسرار.
ليكن هذا اليوم، الذي يصادف عشيّة الجمعة العظيمة، فرصة أخيرة للخشوع والسّجود أمام صليب المسيح، للتّحضّر روحيًّا للموت وبعدها للقيامة.
لنسهر مع يسوع فنطهُر
في مثل هذا اليوم، أسّس يسوع لسرّيّ الإفخارستيّا والكهنوت في العشاء الأخير قبل الآلام. في مثل هذا اليوم، أحيا قدّاسه التّأسيسيّ الأوّل وقدّم أمثولة في الخدمة والتّواضع.
اليوم، وفيما تتحضّر الكنيسة لإحياء خميس الأسرار أو خميس الغسل، نتوقّف عند رموزه المقدّسة على ضوء الأناجيل الّتي تسرد وقائع العشاء السّرّيّ الّذي احتفل به يسوع مع تلاميذه في العلّيّة، فنكتشف روعة النّعمة الّتي عهدها الرّبّ إلينا عشيّة صلبه، ونشارك في الرّتبة المقدّسة بقلب منفتح على صوت الله.
في هذا العشاء، كان سرّ القربان. فيه أعلن الرّبّ حضوره الدّائم معنا في الذّبيحة الإلهيّة. فيه كانت وصيّته. فـ”بينما هم يأكلون، أخذ يسوع خبزًا وبارك ثمّ كسره وناوله لتلاميذه وقال: “خذوا كلوا، هذا هو جسدي”. ثمّ أخذ كأسًا وشكر وناولهم إيّاها قائلاً: “إشربوا منها كلّكم فهذا هو دمي، دم العهد يُراق من أجل جماعة النّاس لغفران الخطايا.” (متّى 26/ 26- 28). هكذا من على مائدة الرّبّ، مُنحنا سرّ الإفخارستيّا “منبع الحياة المسيحيّة كلّها وقمّتها”، هي ذكرى تجعل الذّبيحة الّتي قدّمها يسوع على الصّليب لأجل خلاصنا، تجعلها حاضرة معنا بشكل دائم وآنيّ، من خلالها، تمتلئ النّفس بالنّعمة وتُعطى عربون الحياة الأبديّة، فنعبر بالفصح من الموت إلى الحياة.
وفي أثناء العشاء أيضًا، “قام يسوع عن العشاء فخلع ثيابه وأخذ منديلاً فائتزر به، ثمّ صبّ ماء في مطهرة وأخذ يغسل أقدام التّلاميذ، ويمسحها بالمنديل الّذي ائتزر به.” (يوحنّا 13/ 4- 5)، فغسل هو “الرّبّ والمعلّم” خطاياهم وطهّرهم ونقّاهم ودعاهم إلى التّمثّل به وغسل بعضهم أقدام بعض، إذ “ما كان الخادم أعظم من سيّده ولا كان الرّسول أعظم من مرسله، وأمّا وقد علمتم به فطوبى لكم إذا عملتم به.” (يوحنّا 13/ 16- 17)، فمنح السّلطة معناها الحقيقيّ: خدمة غايتها بنيان الذّات والآخر.
في تلك اللّيلة، أنبأ يسوع بخيانة يهوذا الإسخريوطيّ له: “الحقّ الحقّ أقول لكم: إنّ واحدًا منكم سيسلّمني” (يوحنّا 13/ 21)، “”هو الّذي أناوله اللّقمة الّتي أغمسها”. فغمس اللّقمة ورفعها وناولها يهوذا بن سمعان الإسخريوطيّ. فما أن أخذ اللّقمة حتّى دخل فيه الشّيطان. فقال له يسوع: “إفعل ما أنت فاعل وعجّل”.” (يوحنّا 13/ 26- 27). وكما أنبأ بإنكار بطرس له ثلاث مرّات قبل صياح الدّيك. هو كان عالم بكلّ شيء، يعرف أنّ ساعته قد حانت وأنّ درب الآلام ليس ببعيد إلّا لساعات قليلة فقط.
اليوم، وفيما نشارك في رتبة الغسل لنفتح قلوبنا لله ولنسمح له أن يغسل قلوبنا ويطهّر أفكارنا وينقّي شفاهنا فنستحقّ أن نكون من بين تلاميذه ونعلن قيامته في كلّ حين وحال.
اليوم، وفيما نزور الكنائس السّبع، لنسجد أمام القربان المقدّس المصمود في كلّ منها، ونسهر مع يسوع ونصلِّ لئلّا نقع في التّجربة كما أوصى بطرس في بستان الزّيتون. لنعش وحدة الإيمان ولنسر مع يسوع من خلال سرّ الإفخارستيّا نحو الجلجلة فالصّليب فالقيامة.