يا لفرحتي المسيح قام!
تيلي لوميار/ نورسات
بفرح القيامة، اختار خادم وكاهن عائلة كنيسة الصّليب للرّوم الأرثوذكس في النّبعة الأب باسيليوس محفوض أن يبشّر في يوم الفصح هذا، فكتب:
“يقول القدّيس أثناسيوس: “إنّ المسيح القائم يجعل الحياة كلّها عيدًا مستمرًّا، عيدًا بلا نهاية”. تراتيل وأناشيد الفصح مليئة بالنّداءات الدّاعية إلى الفرح. إنّنا نسمع يسوع قائلًا لنا كما للنّسوة وللرّسل: “إفرحوا!” والقدّيس يوحنّا الدّمشقيّ يُهيب بنا قائلًا: “لتفرحِ السّماوات بحقٍّ ولتبتهج الأرض. وليعيِّد العالم كلُّه. ما يُرى وما لا يُرى. لأنَّ المسيح السّرور الأبديَّ قد قام!”. وتتردَّد عبارات الفرح والبهجة والسّرور: “فلتعيِّد الخليقة كلُّها لقيامة المسيح الّتي بها تشدّدت”. ومثل داود تدعونا الكنيسة لنرقص في العيد ونسرَّ سرورًا إلهيًّا “لأنَّ المسيح قام”. وحتّى الموتى المكبّلين بسلاسل الجحيم “هرعوا يوم القيامة نحو النّور راقصين على قدم السّرور مصفِّقين للفصح الأبديّ”. هذا هو جوّ الفرح! جوّ القيامة! جوّ العيد الكبير! إذًا المسيحيّة هي دين الفرح بامتياز. فرح في ما قام به الله، ويقوم به، وسوف يقوم به من أجلنا إلى أبد الآبدين. ومهما يحدث لنا في هذه الحياة، سوف يكون للفرح الكلمة الأخيرة، إن تشبّثنا بالسّيّد المسيح.
لذا حدث القيامة المجيدة الأهمّ في تاريخ المسيحيّة، “إن لم يكن المسيح قد قام، فباطل إيماننا.. إنّنا أشقى جميع النّاس” كما كتب القدّيس بولس (1 كونثوس 15: 17، 19). لذا نحن نفرح لأنّ الحياة ليست رحلة في حافلة إلى الموت، بل هي رحلة من الله إلى الله، رحلة لمكان مُعَّد خصيصًا لنا بواسطة المسيح القائم، الّذي قال: “أنا أمضي لأعدَّ لكم مكانًا وإن مضيت وأعددت لكم مكانًا آتي أيضًا وآخذكم إليَّ، حتّى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا” (يوحنّا 14: 2، 3).
المسيح قام، فكيف يمكن أن لا نبتهج؟ فتلميذ المسيح- كما أكّد القدّيس إسحق السّوريّ: “الّذي يحيا بدون فرح يرتكب خيانة كبيرة، فمعنى أن تكون في المسيح هو أن تثبت في الفرح. لو انتهت حياة ربّنا يسوع المسيح عند موته على الصّليب أو دفنه في القبر لانتهت رسالة يسوع بالفشل ولأصبحت حياة يسوع على الأرض مجرّد قصّة إنسانيّة ويكون الصّليب عارًا وخزيًا.
ولكن الحقّ وإن كانت القيامة أتت بعد الصّليب من جهة الحدوث الزّمنيّ، ولكن الصّليب كان يرافق القيامة، فالقيامة والصّليب أمران متلازمان غير منفصلين عن بعضهما ففي وقت الصّلب لم تفارق الرّبّ قوّة القيامة. لذلك وهو على الصّليب بينما يقول أنا عطشان يقول للصّ اليمين اليوم تكون معي في الفردوس معلنًا وهو على الصّليب أنّه ربّ الفردوس وصاحب الفردوس، فالقيامة كانت حاضرة فيه حتّى في لحظات الصّلب والموت. لذا دعاه الملاك بعد قيامته بالمصلوب.. مع أنّه قام، بقوله للمريمات من تطلبن يسوع المصلوب ليس هو ها هنا لكنّه قام.
ولذا نستطيع القول: إنّ القيامة في عقيدة كنيستنا هي أساس العمل الخلاصيّ الّذي كان في ذهن المسيح منذ الابتداء، الّذي كثيرًا ما عبّر عنه في بشارته، مثلًا عندما قال: إنّ ابن الإنسان سوف يسلّم إلى أيدي النّاس فيقتلونه وفي اليوم الثّالث يقوم (متّى 17: 22– 23). ومن ذلك فإنّ عمل الفداء لم يكن عند المسيح إذًا مجرّد أن يدفع غضب الله أو أن يدفع ثمن خطايانا أو أن يحرّرنا من سلطان إبليس، بل كان الفداء عند المسيح يعني أمرًا فوق الغفران، هو أن يدفع أو يرتفع الإنسان إلى مستوى الحبّ الإلهيّ والفرح في الحياة الأبديّة الّتي فقدها بالتّعدّي والانفصال عن الله، أيّ أعاد الإنسان إلى حياة الشّركة مع الله وهذا ما جعل بالرّسول بطرس أن يقول: أصبحتم شركاء الطّبيعة الإلهيّة. (2 بط 1: 3 – 4).
يقول القدّيس اسحق السّوريّ: “ليست هناك خطيئة أعظم من أن تكون عديم الحسّ تجاه فرح المسيح القائم”، إذًا القيامة هي حجر الزّاوية لإيماننا والأساس القويّ والثّابت لإيماننا وأفراحنا. فرح القيامة هو صفة مميّزة لنظرة العالم للكنيسة الأرثوذكسيّة، إذ يصف أحد الآباء (ليف جيليه) الكنيسة الأرثوذكسيّة هي الكنيسة الّتي لا يوجد مثلها في التّراتيل والإنشاد بأفراح القيامة.
سؤال لماذا نحن المسيحيّين نفرح بالقيامة ونعيش في أفراحها طوال السّنة، طوال حياتنا؟ لأنّ القيامة فرح من كلّ النّواحي: نفرح بالقيامة لأنّ قيامة بنفس الجسد الّذي مات فيه المسيح يبرهن عن كيفيّة الميلاد الثّاني للإنسان، كي يصبح خليقة جديدة. نفرح بالقيامة، لأنّ المسيح مات وقام بذات الجسد ممجّدًا، هكذا كلّ من يموت على رجائه سوف يقوم بجسد ممجّد للحياة الأبديّة. نفرح بالقيامة لأنّ المسيح انتصر بذلك الجسد الممجّد على الموت، وهكذا نحن أيضًا سوف يتوّج انتصارنا بجسد المعموديّة على الموت. نفرح بالقيامة لأنّ المسيح مات الموت وقام وكما قام هو سنقوم نحن أيضًا وننتصر على الموت في القيامة. نفرح بالقيامة لأنّها بداية الدّخول في النّعيم الأبديّ، في الخلود. نفرح بالقيامة لأنّنا سنحيا مع الله نفسه حسب وعده الصّادق “حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا” (يوحنّا 14: 3).
وبالتّالي ما أعظمها القيامة، هذه المنفعة الإلهيّة لأنّنا تزداد معرفتنا باللّه الآب كما قال له ربّنا يسوع المسيح “هذه الحياة الأبديّة أن يعرفوك أنت الإله الحقيقيّ وحدك” (يوحنّا 17: 3). وأن نكون مع الله “وجهًا لوجه” كما قال الرّسول بولس (1 كورنثوس 13: 12).
يا بهجتي وسروري المسيح حقًّا قام. آمين.”