
أيقونة القيامة والجِدّة
يمكن أن يتكلّم المرء طويلاً على أيقونة القيامة لِما فيها من معان هي بمثابة تعليم عميق لنا. سنتوقّف، في ما يلي، عند بعض هذه الأوجه وعند ما تعنيه، إذا ما قرأنا الصورة على ضوء الكلام الوارد في نصوص الخدم التي نشارك بها لِمناسبة الفصح المجيد.
أوّل ما يلفت النظر هو أنّ الأيقونة لا تقدّم لنا صورة قبرٍ، والمسيح لا يظهر خارجًا منه. فالقيامة حصلت على الصليب لأنّ الموت لا يتغلّب على عنصر الحياة، والمسيح دخل الموت ليفجّره فورًا. وكما أنّ الموت لا يتسلّط على ألوهة السيّد بل يَمَّحِي أمامها، كذلك القبر لا يمكنه أن يضبط الجسد الناهض. فَدَفْن السيّد كان المرحلة الأخيرة من تجسّده لأنّه كان لا بدّ من أن يزرع هذا الجسد الترابيّ ليُعْلن لنا الجسد الناهض منتصرًا على اللحميّة التي أخرجنا منها بفعل الخلاص.
وهذا ما يفسّر ما نراه في النظرة الأولى للأيقونة. يسوع، في مجده، يتوسّط الأيقونة ويُخْرِج آدم وحوّاء من القبر، أي أنّه يُعتِقُ الجنس البشريّ بأكمله من سجن الخطيئة. قوّة القيامة ليست بانتصار الكلمة -وهو الإله الأزليّ- على الموت، بل بانتصار الإنسان على الخطيئة، لأنّ الأقنوم الثاني من الثالوث قال للبشريّة جمعاء ما قاله للمخلّع: “قم، احمل سريرك وامشِ!”.
ولا بدّ من الإشارة، هنا، إلى تفصيل آخر، أَلا وهو ثياب الشخصيّات الثلاث الأساسيّة في الأيقونة. فالربّ يسوع يظهر مكلّلاً بالمجد الإلهيّ. تسمّي طقوسنا الحَدَث المصوّر في الأيقونة “النزول إلى الجحيم” الذي تمّ قبل إعلان القيامة للنسوة. فالمسيح بمجده، كضابط الكلّ، مدّ هذا الخلاص ليس فقط إلى المستقبل، بل افتدى به الماضي أيضًا، لأنّه بهذا الشكل الأيقونيّ هو خارج الزمن المادّيّ، وهو يرفع الإنسان إلى حالة جديدة. أمّا آدم، فهو يلبس الحلّة البيضاء التي تدلّ على أنّه عاد إلى براءة الجبلة الأولى وقد مسحت عنه القيامة كلّ خطيئة وأصبح قادرًا، من جديد، على أن يكون جليس الله كما في الفردوس، ويتنعّم بطاقة التألّه. أمّا حوّاء فهي تلبس الرداء الأرجوانيّ الخاصّ بالملوك لأنّها تستعيد وضع الإنسان الذي ملّكه الله على الطبيعة ليدخل في مصالحة جديدة معها.
يذكّرنا كلّ هذا بالجِدّة التي تتكلّم عليها نصوص عيد الفصح. هذا العيد مفصليّ في حياة الإنسانيّة، ولذلك تُولِيه كنيستنا أهمّيّة خاصّة. ما قبل القيامة ليس كما بعدها. “ها أنذا أصنع كلّ شيء جديدًا” يقول الجالس على العرش في سفر الرؤيا. ليس هذا الكلام شعرًا بل هو محور إيماننا. ألم يقل بولس الرسول إنّه لو لم تكن القيامة حقيقيّة فإيماننا كلّه باطل؟
لكن ليس إيمانٌ من دون حياة. وإن كنا نعي تمامًا أنّ الله صادق في كلامه وفي وعده، فهذا يعني أنّنا بالمعموديّة والميرون دخلنا مرحلة جديدة في حياتنا نجدّد قوّتها في كلّ اشتراك لنا في سرّ الشكر: بذلك، نحن غالبون للخطيئة حتمًا، ومتألّهون حتمًا، وقائمون في حضرة الله حتمًا! كلّ كلام يشدّنا إلى الوراء ولا يصرّ على استمرار الفرح في وسطنا هو كلام “عهد عتيق”. نحن أبناء الجِدّة، نحن أبناء الملكوت، نحن شركاء المسيح في انتصاره على الموت. لا يعني ذلك أنّ انتصارنا على اللحميّة لن يكلّفنا عناء، ولا يعني أنّ الخطأ ما عاد يتربّص بنا، ولا يعني أنّ النموّ في المسيح لا يتطلّب منّا استمرارًا في الجهد. لكنْ هذا كلُّه يَتمُّ في جوّ قياميّ لأنّ العريس معنا.
خرجنا من العهد العتيق، ودخلنا “العهد الجديد”، العهد الذي دُشِّن على الصليب، وانتصر كما ظهر في أيقونة القيامة. فلنبشّر بهذا الفرح، لأنّ الله هو الذي يسدّد خطانا، ويقوّي ضعفاتنا. كلّ منّا هو سبب فرح للآخرين، لأنّه يعطيهم الفرصة ليكتشفوا عطايا الله المسكوبة عليه. أيقونة القيامة حدث يوميّ في حياتنا تردّده طقوسنا باستمرار.
المسيح قام! وكنيستنا كنيسة فصحيّة تؤمن بأنّها جديدة كلّ يوم بسبب عريسها. لذلك نقول “حقًّا قام!” ونشكّل سويّة هذا الشعب الجديد الذي أخرجه الربّ من عتمة الخطيئة. حقًّا قام! أي أنّنا لا نخشى وطأة الخطأ لأنّنا بالمسيح يسوع نتجاوز كلّ لحميّة فينا إلى جديد الفرح الذي ألبسنا إيّاه.
No Result
View All Result