العلاج يتوقف على المدمن نفسه
من أشدّ التصوّرات الخاطئة عن المخدرات ضررا أنها مشكلة مستديمة. ففي حقيقة الأمر، يمكن أن يكون العلاج من تعاطي المخدرات ناجعا الى حد كبير، فيعيد للمتعاطي كرامته السليبة ويعيد لحياته قيمتها المفقودة.
وعلاج الإدمان متعدد الأوجه فهو جسمي ونفسي واجتماعي معا بحيث يتعذر أن يتخلص الشخص من الإدمان اذا اقتصر على علاج الجسم دون النفس أو النفس دون الجسم أو تغاضى عن الدور الذي يقوم به المجتمع في العلاج.
ثمة ملايين من الناس في العالم تأثّروا مباشرة بمشاكل المخدرات، هم المرتهنون أنفسهم وكذلك أُسرهم. ويتمثّل هذا التأثّر في اضطراب حياتهم وتضرّر صحتهم وانقطاعهم عن الدراسة وفقدان وظائفهم وتمزّق أُسرهم. ويجدر بمن لديهم مشاكل مرتبطة بالمخدرات وكذلك لأفراد أُسرهم وأصدقائهم، أن يعلموا أن هناك مخرجا وأنه تتوافر لهم مساعدة فعّالة في أشكال مختلفة، تبعا لاحتياجات وظروف كل فرد منهم.
إن لدينا الآن فهما أفضل لآلية الارتهان. ونحن نعلم أن الارتهان هو اضطراب سلوكي مزمن وكثيرا ما يتّسم بالنكوص بعد العلاج. كما نعلم أن هناك، مثلما في الكثير من الاضطرابات المزمنة الأخرى، تدخّلات ناجعة يمكن أن تساعد المصابين بذلك الاضطراب على اتّباع أساليب معيشية منتجة، وتفادي المشاكل الصحية البدنية والعقلية أو تقليلها، وتحسين العلاقات الأُسرية، واستعادة الحق في حضانة الأطفال والاحتفاظ به، وإيجاد مسكن أنسب وفرص عمل أفضل. ونعلم أيضا أن العلاج من تعاطي المخدرات يساعد المجتمعات بتقليله معدّلات الإجرام ومخاطر إنتقال الأمراض المعدية المحمولة عن طريق الدم، وخصوصا الأيدز وفيروسه، وتمكينه تلك المجتمعات من الانتفاع بمساهمات أفراد وأُسر أحسن صحة وأكثر انتاجا واندماجا في المجتمع.
ويجدر بمقرّري السياسات أن يضعوا في اعتبارهم أن العلاج وسيلة فعّالة من حيث التكلفة، لا لتدارك العواقب الصحية والاجتماعية لتعاطي المخدرات فحسب بل ولتقليل ما يقترن بها من تكاليف في مجال العناية الصحية والرعاية الاجتماعية وتدخّلات العدالة الجنائية. وتوجد لدى مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة مجموعة منوّعة الأدوات، يمكن الاطلاع عليها في موقعه على الويب www.unodc.org، تساعد على إيضاح الحقائق المتعلقة بعلاج تعاطي المخدرات.
من أين يبدأ العلاج
ويبدأ العلاج في اللحظة التي يقرر فيها الشخص التوقف عن تعاطي المخدرات. ومن الأهمية بمكان أن يكون هو الذي اتخذ القرار بالتوقف ولم يفرض عليه وإلا فإنه لن يلبث أن يعود إلى التعاطي في أول فرصة تسنح له. وهنا يثور تساؤل حول القرار الذي يصدره القاضي بإيداع الشخص الذى قدم إلى المحكمة، وثبت لها أنه مدمن، لإحدى المصحات ليعالج فيه لمدة معينة والذي يبدو بجلاء أنه ليس هو الذي اتخذه وبإرادته وإنما فرضته عليه المحكمة وهل يرجح ألا يستجيب للعلاج ولا يلبث أن يعود إلى التعاطي؟ نعم من المرجح أن يحدث ذلك، وهو ما أكدته الدراسات التي أجريت على عينة من المدمنين الذين تم ايداعهم المصحات لتلقي العلاج وتبين أنهم استمروا في تعاطي المخدرات أثناء وجودهم فيها وبعد خروجهم منها.
كذلك المدمنون الذين تلح عليهم أسرهم ليدخلوا المصحات لتلقي العلاج فلا يملكون إلا الموافقة يعد طول رفض، فإنهم لا يتوقفون عن التعاطي أثناء إقامتهم بالمصحات وإلى أن يغادروها وقد فشل العلاج ولم تجن أسرهم غير الخسارة المالية الفادحة والمتمثلة في ما أنفقته على علاج غير حقيقي بالإضافة إلى المبالغ الكبيرة التى حصل عليها المدمن لإنفاقها على المخدر الذى أدمن تعاطيه.
وبالمقابل نرى المدمن الذي اتخذ قراره بالتوقف عن التعاطي، من تلقاء نفسه ودون ضغط من أحد، يقاوم بإصرار حالة الانسحاب التي تعتريه ويتحمل ما تسببه له من آلام مستعينا بما يعتقد أنه يساعده على المضي فيما قرره كالصلاة والصوم وضروب العبادة الأخرى فضلا عن وسائل العلاج البدني والنفسي. وهو ما لاحظناه في الحالات التي حالفها التوفيق.
لذلك لم يكن غريبا أن تكون نسبة الذين لم يفلح معهم العلاج وعادوا إلى الإدمان 64% من العدد الإجمالي لمن دخلوا المصحات للعلاج.
بعد أن يلمس الطبيب رغبة المدمن في العلاج وسعيه إليه يبدأ في البحث عما إذا كان قد سبق له أن تلقى علاجا أم لا، لاحتمال أن يكون للعلاج الذي تلقاه أثر ولكنه لا يظهر إلا متأخرا، وهو ما يجب أن يأخذه بعين الاعتبار، خاصة بعد ما تبين من أن أطول البرامج العلاجية وأحسنها تنظيما أسفرت عن نتائج لم يكن من الممكن التنبؤ بها.
Discussion about this post