
القديس المجيد والرسول الحبيب يوحنا الإنجيليّ وميزة كتاباته
أولاً – سنكسار الرسول:
وُلِد يوحنا (ومعنى إسمه “الله تحنّن”) وترعرع في قرية “بيت صيدا” الجليليّة، على ضفاف بُحيرة طبريّا، وهو إبن زبدى وصالومي. إمتهن صيد السمك، مع أبيه وأخيه يعقوب. وتتلمذ على يد يوحنا المعمدان، ثم دعاه يسوع إلى إتّباعه، فترك أباه زبدى والشباك، وتبع الربّ مع أخيه يعقوب، على دروب الكرازة الإنجيليّة (متى 4: 21-22). وقد أطلق الربّ يسوع عليه وعلى أخيه، لقب “إبنَي الرعد” (مر 3: 17)، لكثرة حماسهما وإندفاعهما، ولطباعهما الناريّة… شكّل مع أخيه يعقوب ومع بطرس، ثلاثيّاً خاصّاً كان يُرافق الربّ يسوع، لكي يشهدوا على بعض الآيات أو الأحداث الخاصة جداً، ك”إحياء إبنة يائيروس” (لو 8: 51)، و”تجلّيه أمامهم على الجبل” (متى 17: 1)، حيث طلب إليهم بعدها ألا يُخبروا أحداً بالحدث إلا بعد قيامته من بين الأموات، و”نزاعه في بستان الزيتون” (متى 26: 37)… أصبح يوحنا “التلميذ الذي كان يسوع يُحبّه”، وقد إتكأ على صدر مُعلّمه أثناء العشاء الفصحيّ الأخير. وهو أيضاً أحبّ مُعلّمه للغاية، إلى درجة اللحاق به في أصعب الأوقات من حياته الأرضيّة. فحين هرب باقي التلاميذ خوفاً على حياتهم، كان هو حاضراً، بدءاً من القبض على يسوع إلى المحاكمة وصولاً إلى الصلب على جبل الجلجلة، حيث إستودعه الربّ والدته الحبيبة. في صباح “اليوم الثالث” (يوم قيامة الربّ)، تلقّى خبر “القبر الفارغ” من مريم المجدليّة، وإنطلق سريعاً برفقة بطرس إلى القبر، فرآه فارغاً بالفعل، “والأكفان موضوعة، ومنديل الرأس ملفوفاً جانباً، فرأى وآمن” (يو 20: 6-8).
بعد قيامة الربّ يسوع وحلول الروح القدس على التلاميذ يوم “العنصرة”، إنطلق يوحنا للبشارة في العالم اليونانيّ، لا سيّما في آسيا الصغرى (تركيا حاليّاً)، حيث عانى ما عاناه من إضطهادات وصعوبات لأجل “إسم يسوع”. ولنا منه في تلك المرحلة، إنجيل وثلاث رسائل، هي عُصارة إختباره ل”الكلمة المتجسّد” وشهادته له، كُتبت كلّها من قبل “الجماعة اليوحنويّة” أي تلاميذه (ولا سيّما “بروخورس” أحد الشمامسة السبعة الأُول). ما يجدر ذكره هو أن إنجيله كُتب بعد الأناجيل “الإزائيّة” بسنوات عدة، ولكن بنفس المقصد، أي أن الأناجيل كُتبت حين بدأ الشهود المُباشرون الأولون يغيبون الواحد تلو الآخر… وفي المرحلة الأخيرة من عمره، نُفي إلى جزيرة “باتموس” اليونانيّة المُطلّة على بحر إيجه، وكانت الإضطهادات قد إشتدّت على “أبناء الملكوت”، فكتب السفر المعروف ب”رؤيا يوحنا” المليء بالرموز، وهو بإختصار كلّيّ كتاب تعزية وتشجيع على الصمود في الشدائد والمحن، يصف المخاض الكبير الذي تُعانيه الكنيسة ويُعانيه “الذين هم في هذا العالم، لكنهم ليسوا من هذا العالم”، وصولاً إلى الإنتصار النهائيّ “للحمل” وغلبته على الشرير. وينتهي بدُعاء “تعال أيها الربّ يسوع”، مؤكّداً بذلك المجيء الثاني الرهيب في آخر الأزمنة.
بعدها، رقد يوحنا بالربّ في “باتموس”، وقد أصبح شيخاً طاعناً في السن (ربما أكثر من 90 عاماً)، وذلك في نهاية القرن الأول الميلاديّ، ودُفن هناك. واللافت أنه الوحيد بين الرسل الإثني عشر الذي لم يقضِ إستشهاداً، بل مات بشكل طبيعي بفعل الشيخوخة، رغم تحمّله إضطهادات وضيقات شتّى. وهناك تقليد يذكر أن قبره وُجد فارغاً بعد بضعة أيام على رقاده، معتبراً أنه “إنتقل بالروح والجسد” إلى المجد السماويّ، على غرار الربّ يسوع والعذراء مريم، ومُستنداً إلى قول الربّ لبطرس في آخر الإنجيل “إن أردتُ أن يبقى إلى أن أجيء، فماذا لك؟” (يو 21: 22-23). وتُقيم له الكنيسة المقدّسة تذكار رقاده في اليوم السادس والعشرين من شهر أيلول.
ثانياً – كلمة سريعة عن ميزة كتاباته:
إن كتابات يوحنا الرسول (وبالأخص إنجيله كشهادة لكرازة يسوع وقيامته من بين الأموات) هي الأكثر لاهوتيّةً بين كتابات “العهد الجديد”. فقد تميّز إنجيله بفرادته المُلفتة، إذ إنه أورد روايات كثيرة جداً عن كرازة يسوع، لا نجدها عند باقي الإنجيليّين. وإن كانت الأناجيل الإزائيّة ركّزت على “الطابع البشريّ – الناسوتيّ” لإبن الله المتجسّد (بدءاً من روايات الميلاد إلى غيرها)، إلا أن الإنجيل “اليوحنويّ” ركّز بالمقابل على “الطابع الإلهيّ – اللاهوتيّ” للكلمة المتجسّد “الكائن منذ البدء” (قبل أن يكون إبراهيم). على سبيل المثال، إنجيله حافل بالروايات التي تهدف إلى إعطائنا تعليماً يُظهر لنا هويّة “الكلمة المُتجسّد”: “أنا هو نور العالم”، “أنا هو خبز الحياة”، “أنا هو القيامة والحياة”، “أنا هو الراعي الصالح”، “أنا هو الطريق والحقّ والحياة”، “أنا الكرمة الحقيقيّة”… كما يتميّز إنجيله (خصوصاً عشيّة آلام يسوع)، بكلام للمُعلّم يأخذ طابع “المونولوج” الطويل، ينقل يوحنا إلينا من خلاله إختباره اللصيق بالربّ… على صعيد آخر، وفيما يحصر الإنجيليّون الإزائيّون كرازة يسوع في الجليل مع صعود واحد (هو الأخير) إلى أورشليم، يروي لنا يوحنا عدّة “رحلات” ليسوع إلى أورشليم، وذلك بمُناسبات الأعياد “الناموسيّة” على سبيل المثال…
وكونه بشّر في العالم اليونانيّ، فقد إستخدم تعابير ومفاهيم من الثقافة اليونانيّة، لإيصال البشارة بلغة يفهمها سامعوه جيداً، هم المتشرّبون من الفلسفة اليونانيّة المنتشِرة آنذاك. وليس أدلّ على ذلك من “مقدّمة” الإنجيل الشهيرة، التي نقرأها في قداس “أحد القيامة المجيدة”، والتي تُعتبَر مُختصَراً لكل إنجيل يوحنا وفكره: “في البدء كان الكلمة…”. ويُعبّر فيها عن فكرة “الخلق الجديد في المسيح يسوع”، مُوازية لفكرة الخلق الأولى في سفر التكوين. وتتردّد هذه الفكرة في مقدّمة رسالته الأولى أيضاً “الذي كان من البدء…”.
إن الرسول يوحنا الإنجيليّ هو النسر المُحلّق في اللاهوت، لذلك أطلقت عليه الكنيسة لقب “اللاهوتيّ”. كذلك، هو إنجيليّ “المحبة”، التي إختبرها وعبّر عنها أفضل تعبير: فعلى لسان يسوع، “أحبّوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم…” (يو 13: 34-35)، وفي رسالته الأولى “إن الله محبّة…” (1يو 4: 7-21)…
أخيراً، شعاره هو “النسر”، لذا يظهر في الفنّ الإيقونوغرافيّ مع نسر قريب من رأسه، وهو ينصّ إنجيله على تلميذه “بروخورس”، كما نرى في الإيقونة أدناه.
طروباريّة الرسول:
أيها الرسول حبيبُ المسيح الإله، أسرِع لإنقاذ شعبٍ عديم الحجّة. لأن الذي قَبِلك متّكئاً على صدره يقبلك متضرّعاً. فإبتهل إليه، أيها اللاهوتيّ، أن يبدّد أيضاً سحابة الأمم المُعانِدة، طالباً لنا السلام وعظيم الرحمة.
قنداق الرسول:
من يصِف عظائمكَ، أيها الرسول؟ فإنكَ تُفيض العجائب وتُنبِع الأشفية، وتشفع في نفوسنا، بما أنكَ لاهوتيّ وحبيب المسيح.
مطرانية الروم الملكيين الكاثوليك – الجليل
No Result
View All Result