أنينُ اللهِ وسطَ الطوفان
“فَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ… فَحَزِنَ الرَّبُّ فِي قَلْبِهِ” (تكوين 6:5–6)
يا إلهَ القلبِ النقيّ، ها شرُّ الإنسانِ يرتفعُ كدخانِ البُركان، يُظلمُ وجهَ الخليقةِ التي نحتَّها بيديك،
حتى ملأَ الشرُّ الأرضَ التي باركتَها، وصارَ كلُّ فكرِ قلبِ الإنسانِ شريرًا في كلِّ حين.
فحزنتَ أنت، يا من لا يتغيّر، وحزنكَ ليس كبكاءِ البشر، بل وجعُ المحبةِ التي خُذلت، وصمتُ القلبِ الذي قُتل فيه النقاء.
يا ربُّ، ليس الطوفانُ دينونةً فقط، بل دموعُ قلبِكَ المنكسِر، صرختُك في وجهِ الخليقةِ التي انحرفت،
وصوتُك الذي لا يزالُ يهمس: “هل من بارٍّ أُقيمُ به رجائي؟”
وسطَ العاصفة، وجدتَ نوحًا، رجلاً يمشي معكَ، رجلاً يَبني فلكًا لا بالعقلِ فقط، بل بالإيمانِ في الظلمةِ، وبالرجاءِ في زمنِ السقوط. هو ظلُّك، يا ربُّ، في زمنٍ رفضَ فيه الكلُّ وجهَكَ، هو نَفَسٌ من الطهرِ، حين خنقَ الفسادُ كلَّ نفسٍ.
يا من أحزنهُ شرُّنا، إرحمني! لا تسمح أن يكثرَ في قلبي ما يُحزنك، ولا أن أكونَ من الذين يمشون حسبَ أهوائهم، بل اجعلني مثل نوح، أبني فُلكي بالصمتِ، بالصلاة، بطاعةٍ لا تفهمُها الأرضُ،
ولكنها تفتحُ بابَ السماء.
يا ربّ، حين يأتي الطوفان، اجعل فلكي أنتَ، واجعل حياتنا بداخلِ محبتِكَ، كي تعبرَ بنا إلى أرضٍ جديدة، وحياةٍ تُسرُّ بها، حيث لا يعود الحزنُ إلى قلبِك.
آمين.