وَذَكَرَ ٱللهُ نُوحًا…
يا من لا ينسى في غمرةِ الغضب، ولا يتجاهلُ الذين يسكنون الخشبةَ وسطَ اللجج،
ها أنتَ تذكرُ نوحًا… لا كمن تذكّر بعد نسيان، بل كمن يُبقي العينَ عليه وسط الطوفان،
كمن يخبّئ البذرةَ في ظلمةِ التربة، لينهضَ بها حين يحينُ وقتُ الرجوع.
رياحُكَ تهبُّ، والمياهُ تهدأ، كأنك تقول للكون: “كفى!” وتأمر الفلك أن يستقرَّ فوقَ الرجاءِ،
على جبالٍ جديدة، على بدايةٍ لم تَعرف بعدُ الحسدَ ولا القتل.
طارتِ الحمامة، وفي فمِها غصنُ سلام، علامةُ عهدٍ أخضر، خرج من تحتِ المياهِ كما يخرج الرجاء من الموت.
يا ربُّ، كلّ مرةٍ أراك فيها تُعيدُ نسجَ الأرضِ من فُتاتِها، أفهم أن لا نهايةَ معك، بل تجديدٌ دائم،
وبدءٌ جديدٌ في قلبِ الألم.
يا مَن تذكرُ الذين يحتمونَ بك، أذكرني في فُلكِ نعمَتِكَ، وحين تنحسرُ مياهُ الضيق، إجعلني أخرجُ منكسرًا لكن مملوءًا شكرًا.
علّمني أن أبني لك مذبحًا، كما فعل نوح، لا بالكلام، بل ببخورِ القلب، وذبيحةِ الطاعة، وتقدمةِ الحياة.
أنتَ يا ربّ، لا تطلب محرقةً بل قلبًا جديدًا، ولا تغفر لذبيحةٍ، بل لعهدٍ تُقيمه بمحبّتك.
فارفع، أيها الحنون، قوسَكَ في سمائي، كعلامةِ عهدٍ لا يُمحى، واكتب على قلبي:
“وَذَكَرَ ٱللهُ…”
آمين.