“في جنةٍ انكسرت البراءة”
في البدءِ، في النسيمِ العابرِ، كانتِ الجنةُ تنبضُ باللهِ، وكانَ الإنسانُ عاريًا من الخوفِ، ملتحفًا بالنورِ، لا بالخجلِ.
لكنَّ الحيَّةَ همستْ في الأذنِ: “كوني مثلَ اللهِ!” فانكسرَ القلبُ، وتبدّدتِ الطفولةُ من العيونِ.
يا ليتَ الأُذنَ أُغلِقتْ، وياليتَ القلبَ لم يُصغِ، ويا ليتَ اليدَ لم تمتدَّ لشجرةٍ لم تُزرَع للحصاد، بل للطاعة!
وسمعَ الإنسانُ صوتَكَ يا ربُّ، يمشي في الجنةِ عند هبوبِ النهار، فماذا فعل؟ اختبأَ…!
وا أسفاهُ، يا صورةَ اللهِ! أينَ أنتَ؟ صوتُ الربِّ يسألُ، ولا يَجهلُ، بل يُعاتبُ بحنانٍ.
سقطَ تاجُ المجدِ عن الجبينِ، وانفتحَت عينا الإنسانِ لا للنورِ، بل للعارِ، فخاطَ لنفسِه ورقَ التينِ،
وظنَّ أنهُ يُغطّي خيبتهُ!
واللهُ نادى: “من أعلمكَ أنكَ عارٍ؟ هل أكلتَ من الشجرةِ؟” فقالَ الإنسانُ: “المرأةُ…” وقالتِ المرأةُ: “الحيةُ…”
وهكذا بدأتِ التبريراتُ، وولدتِ الخطيئةُ من الكبرياءِ، وماتَ الاعترافُ عند بوابةِ الفردوسِ.
فَلُعِنَتِ الحيةُ، ولُعِنَتِ الأرضُ، وابتدأ التاريخُ بالتنينِ والزفراتِ، والخروجِ من جنةِ النعمةِ.
لكنكَ، يا ربُّ، نسجتَ لهم أقمصةً من جلدٍ، كسوتَ عُريهم بالرأفةِ، وأعلنتَ وعدَ الخلاصِ وسطَ الدينونةِ: “نسلُ المرأةِ يسحقُ رأسَ الحيةِ…”
آهٍ، يا وعدَ الرجاءِ المخبوءِ في الجراحِ، آهٍ، يا آدمَ الجديدَ المُنتظر، تعالَ وارجعْ بنا إلى شجرةِ الحياةِ، فقد ذُقنا مرارةَ الثمرةِ، ونشتاقُ إلى الخلاص!
يا من خرجتَ آدمَ من الجنةِ لكي تُمهّدَ له طريقَ العودةِ بالصليبِ، ارحمنا، نحنَ الساقطين، ولا تَدَعْ الحيةَ تَقتنصْنا من جديد.
يا آدمَ، لا تيأسْ! صوتُ اللهِ لا يزالُ يُنادي: “أينَ أنت؟” والربُّ لا يزالُ يخيطُ لنا أقمصةَ النعمةِ، ويزرعُ وسطَ الشوكِ وردةَ الفداء!