الظهور المنسي الذي تنفّس عطر الرحمة
سيدة لاوس
اعترفت الكنيسة رسميًا بالظهورات في 4 مايو 2008
في قلب جبال الألب الفرنسية، وتحديدًا في بلدة صغيرة تُدعى Laus (لاوس)، وقع أحد أطول ظهورات السيدة العذراء في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، لكنه ظلّ مغمورًا لقرون. هذا الظهور الذي دام من عام 1664 إلى 1718، لم يُعترف به رسميًا إلا في عام 2008، رغم عمقه الروحي وكثافة الرسائل السماوية التي حملها. وفي زمن تعطش فيه العالم إلى الرجاء، تعود سيدة لاوس لتهمس في أعماق قلوبنا: “تعالوا إلى الرحمة، تعالوا إلى المصالحة”.
تقع بلدة لاوس في إقليم الألب العليا بجنوب شرق فرنسا، وهي بلدة جبلية بسيطة سكنها الفلاحون والمتنسكون. في القرن السابع عشر، وفي ظل أجواء ما بعد الإصلاح وصرعات دينية وسياسية، كانت فرنسا تبحث عن توازن روحي.
وفي هذه البقعة النائية، اختارت العذراء فتاة متواضعة لتكون شاهدة لحضورها العجائبي.
من هي بينوا رانكل Benoîte Rencurel؟
وُلدت بينوا رانكل عام 1647، فتاة فقيرة يتيمة الأب، لم تتلقَ تعليمًا رسميًا وكانت تعمل راعية للغنم في تلال لاوس. كانت صلاتها بسيطة وعميقة، وتغذّت على إيمان شعبها وتعلقها بالعذراء مريم.
في عام 1664، كانت تبلغ من العمر 17 عامًا، عندما اختبرت أول ظهور مريمي في مغارة صغيرة على تلّ قرب قرية سانت إتيان، وهو المكان الذي صار يُعرف لاحقًا باسم “مزار سيدة لاوس”.
الظهورات المريمية:
امتدّت ظهورات السيدة العذراء لبينوا رانكل على مدى 54 عامًا، ما يُعدّ من أطول فترات الظهور المسجّلة. كانت الظهورات تحدث بشكل متكرر، خاصة في السنوات الأولى، وكانت العذراء تظهر لبيْنوا بثياب بيضاء، وجهها مملوء نعمة، وتحيط بها هالة نورانية، غالبًا وهي تحمل يسوع أو تُظهره في قلبها.
مضمون الرسائل:
دعوة إلى التوبة والرجوع إلى الله
كانت العذراء تدعو الخطأة إلى التوبة وتكرّس ظهورها لمساعدة النفوس على المصالحة.
قوة سرّ التوبة (الاعتراف)
شدّدت العذراء على أهمية سرّ المصالحة، ودعت إلى إرسال الكهنة لمزار لاوس ليخدموا النفوس.
عطر لاوس المعجزي
من العلامات الخاصة بهذا الظهور هو عطر سماوي يعبق في المزار ويشتمّه الناس عند اقترابهم من التوبة أو الصلاة بعمق. هذا العطر لا يُفسَّر علميًا، ورافق بينوا طوال حياتها.
زيت الشفاء
ظهرت العذراء لبينوا وأشارت إلى استخدام زيت من مصباح المزار لتكريس المرضى، وقد سُجّلت شفاءات عديدة جسدية ونفسية عبر استعمال هذا الزيت بإيمان.
رؤية آلام المسيح
بينوا لم تشهد فقط ظهور العذراء، بل اختبرت رؤى لآلام المسيح، تأملات قوية في الجلجلة والصلب، ما عمّق رسالتها كمرافقة للنفوس التائبة.
ثمار الظهور:
- تكوّن مزار شعبي في لاوس، أصبح مقصداً للحجاج.
- تأسس مجتمع نسكي وكهنوتي في الموقع، خدم التائبين والمرضى.
- آلاف الشهادات عن شفاءات وتحوّلات داخلية.
- حياة بينوا نفسها كانت مليئة بالألم، الصبر، الخدمة، ومحبة الله.
اعتراف الكنيسة الرسمي:
اعترفت الكنيسة رسميًا بالظهورات في 4 مايو 2008، عندما أعلن أسقف منطقة Gap وEmbrun الاعتراف الرسمي بالظهورات المريمية في لاوس، مؤكّدًا عمقها اللاهوتي وموافقتها على روح الإنجيل.
هذا الإعلان جعل من سيدة لاوس أول ظهور مريمي يُعترف به رسميًا في فرنسا.
رسالة لاوس اليوم:
في عالم تسوده الحروب والقلق، تأتي سيدة لاوس برسالة لا تزال حيّة:
“لا تخافوا من الرجوع إليّ. أريد أن أقودكم إلى ابني يسوع، طبيب القلوب. تعالوا إليّ، أيها المتعبون من ثقل الخطيئة، وسأرشدكم إلى السلام.”
هي أم المصالحة، أم التوبة، التي لا تملّ من انتظار أولادها عند باب الرحمة.
ظهور لاوس ليس حدثًا منسيًا، بل نبع رحمة ما زال يتدفّق.
هو صمت العذراء المضيء في كهف جبلي، يلمس القلوب، يعطرها بندى النعمة، ويقودها إلى منبع الغفران.
وفي زمن الضجيج والقلق، من ينصت لنداء “سيدة لاوس” سيجد في قلبها ملجأ، وفي كلماتها دواء، وفي حضورها نورًا يمهّد درب التوبة.