
نظرة روحية على شفاء المولود أعمى من خلال الأيقونة

نلاحظ في غالبية الأيقونات الأرثوذكسية التي تكتب معجزة شفاء الأعمى منذ مولده (يوحنا ٩) أن بِركة سِلوام التي أمر السيد المسيح ذلك الإنسان المولود أعمى، أن يذهب إليها ويغتسل فيها، بعدما طلى عينيه بالطين، تُصَوَّر في الأيقونة على هيئة صليب، بشكل “جرن المعمودية”. وهذا الشيء له دلالة لاهوتية عميقة، ويعكس الرؤية الأرثوذكسية للحدث.
السيد المسيح بما أنه الإله الكليّ القدرة، كان باستطاعته طبعاً أن يشفيه ويفتح عينيه بمجرد كلمة منه، كما فعل مع بارتيماوس الأعمى قائلاً له: “إيمانك خَلَّصَك” (مرقس ٥٢:١٠) ودونما حاجة لأن يطلي عينيه بالطين، أو أن يُرسله إلى بِركة سلوام. ولكن الآباء القديسين المستنيرين بالروح القدس، يُظهرون لنا أن المسيح صنع من تَفلَتِه طيناً وطلى بها عينيّ الأعمى، مشيراً ومنبّهاً أذهاننا إلى نفس ما فعله في بدء التكوين، عندما جبل من تراب الأرض طيناً وخلق آدم الإنسان الأول (تكوين ٧:٢)
وها هو الآن معطي الحياة ذاته، بعد تجسّده إنساناً في ملء الزمان، يجبل طيناً من جديد ويخلق عينين للذي هو بالأصل مولودٌ أعمى وفاقدٌ للنور، ليُظهر بذلك أنه هو الإله نفسه خالق الإنسان وجابله ومُبدع النور، وهو وحده القادر على إعادة خلق وتجديد الطبيعة البشرية التي فَسَدت بالخطيئة. لذا فإنَّ بِركة سِلوام التي شُفي الأعمى بواسطة الإغتسال في مياهها، كانت رمزاً سابقاً لماء المعمودية المقدسة، التي بها يُجدِّدُ المسيح خَلقنا “إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا.” (2 كو 5: 17). “بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ” (تيطس 3: 5).
وكما أن الأعمى لمّا إغتسل فيها تخلَّصَ من العمى ونال موهبة البصر والرؤية، هكذا أيضاً الذين يعتمدون بإسم الثالوث القدوس، ينالون الإستنارة بإشراق النعمة الإلهية في نفوسهم، ويستضيؤون بنور الروح القدس في كيانهم، الذي يفتح ويُنير عينيّ القلب الداخليتين، ويُحرِّر ويشفي الإنسان من العَمَى الروحي وظُلمة الخطيئة
الأب رومانوس الكريتي
No Result
View All Result