
البشارة الحقيقية
أيّ بشارة غير مُضطهَدة ليست حقيقية¹. بشارة كهذه كاذبة. ليست مسيحيّة. الاضطهاد والبشارة يوجدان معاً. كذلك، أيّ تعليم مسيحيّ لا يعرض عنه الناس، بمعنى أنه يسبّب السخط والغضب للّذين يعبدون أهواءهم ويرفضون التوبة، ليس أصيلاً². فالتعليم الذي يرضي السامعين ويريح الضمير ويجعل الناس فرحين، مولّداً بذلك الانطباع بأنّ كلّ شيء على ما يرام، هو على الأرجح مزيّف. يستخدم القديس بولس الفعل اليونانيّ “knitho” ليشير إلى العظات التي ترضي الآذان وتسلّيها³. الناس الذين يتكلّمون على السلام (وهي عبارة تنتمي إلى الرب وليس إليّ) تفاجئهم الحرب ودمارها. “«فَاحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَثْقُلَ قُلُوبُكُمْ فِي خُمَارٍ وَسُكْرٍ وَهُمُومِ الْحَيَاةِ، فَيُصَادِفَكُمْ ذلِكَ الْيَوْمُ بَغْتَةً.” (لو 21: 34). لم يقل الأنبياء دوماً أموراً مستساغة. كلمات الربّ أيضاً ليست مستساغة، كما في قوله: “فَلِمَاذَا ارْتَدَّ هذَا الشَّعْبُ فِي أُورُشَلِيمَ ارْتِدَادًا دَائِمًا؟ تَمَسَّكُوا بِالْمَكْرِ. أَبَوْا أَنْ يَرْجِعُوا. صَغَيْتُ وَسَمِعْتُ. بِغَيْرِ الْمُسْتَقِيمِ يَتَكَلَّمُونَ. لَيْسَ أَحَدٌ يَتُوبُ عَنْ شَرِّهِ قَائِلًا: مَاذَا عَمِلْتُ؟ لِذلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لآخَرِينَ، وَحُقُولَهُمْ لِمَالِكِينَ، لأَنَّهُمْ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ. مِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ، كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ”(إرميا ٨). هذه كلمات رهيبة لا ترضي الناس، ولكنّها كانت وما زالت نبوءة حقيقية. وفوراً بعد أن لفظت النبوءة، أتى البابليّون ومعهم بدأت قرون أسر فيها الشعب الإسرائيليّ القديم.
في الوقت عينه، الاضطهاد هو عنصر اسخاتولوجيّ (أخرويّ). إنّه علامة نهاية الأزمنة. سوف يشتدّ الاضطهاد والاستشهاد قبيل نهاية الأزمنة⁴. لهذا السبب يقول الربّ، “حِينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي.” (مت 24: 9). عندما نشير إلى العنصر الأخرويّ، نعني أنّه في تلك الأيام الأخيرة، سوف يتكثّف الاستشهاد ويزداد. يكتب القديس كيرلّس الأورشليميّ: “مَن هو المغبوط؟ المغبوط هو الذي يستشهد في التقوى من أجل المسيح في تلك الأيام. ولعمري، إنّ أعظم الشهداء، هم شهداء تلك الأيام. فهؤلاء يحاربون أدوات الشيطان والمسيح الدجّال نفسه، الذي يأخذ وجه الشيطان”⁵. مع ذلك، سيكون تواتر الاستشهاد إحدى علامات آخر الأزمنة.
الاستشهاد المسيحيّ هو أحد موضوعات سفر الرؤيا الأساسيّة. إذا حذفتم عنصر الاستشهاد هذا من الكتاب، تفقدون سفر الرؤيا المقدس⁶. رغم ذلك، فلتعلموا أنّه مع كلّ خطوة نقوم بها، سنتعرّض للاستشهاد. والمسيحيون يتعرّضون للاستشهاد خلال نموّهم في الحياة المسيحية. وإذا أرادوا أن يرفعوا راية المسيح، ويحملوا الصليب، رمز المسيح، سيواجهون الاستشهاد في عالم يؤلّه الراحة والرفاهية والمتعة الجسدية. صليب المسيح هو رمز الاستشهاد ورمز كلّ مَن يرغب في أن يُدعى مسيحيّاً.
1_هكذا هي بشارة العصر الجديد، مسكونية وتوفيق بين الأديان والمعتقدات. يتبنّى الناس إلهاً مجرّداً يتوافق مع أهوائهم.
2_وفقاً لبعض اللاهوتيين الأرثوذكس المعاصرين، فهي “رأي يدّعي أنّ الحقيقة الوحيدة هي الإمبريالية”. لكن المسيح ربّنا أعلن الحقيقة الوحيدة! إنه الطريق! ليس أحد الطرق، أو إحدى الحقائق، أو إحدى الوسائل التي تقود إلى الحياة.
3_تتفادى هذه العظات عادة التطرّق للجهاد المسيحيّ، والزهد، والحرب ضدّ الأهواء والشياطين، واحتمال وجود الجحيم، وتشدّد على الإحسان والأخلاق الحميدة وتنظيم الدولة من دون الحاجة الدائمة إلى التوبة.
4_فقد تحضّر الإعلام الملحد والعلمانيّ لهذه المرحلة لعقود عدّة. كانت هناك حرب قاسية ضدّ الصلاة والوصايا العشر والميلاد والفصح والمسيحية والمسيح عموماً. لا يطالب الاتّحاد الأميركيّ للحرّيّات المدنية ومجموعات الحرّيّات المدنية التحرُّر من الدين، بل يريدون أن يتحرّروا من الإنجيل المسيحيّ.
5_القديس كيرلّس الأورشليميّ، محاضرة التعليم المسيحيّ ١٥، ١٧. “مَن هو الشخص المغبوط، الذي يشهد للمسيح بتقوى في ذلك الوقت؟ لأنّي أقول إنّ شهداء ذلك الوقت يفوقون كلّ الشهداء. لأنّ شهداء اليوم يصارعون ضدّ أناس فقط، أمّا في زمن المسيح الدجّال فَسيُحارِبون الشيطان بشخصه هو”.
6_هذا ما يتعهده أتباع بدعة عصر ما قبل الألفية (Pre-millennial). سوف ينقلهم المسيح جوّيّاً ليجنِّبهم المحنة العظيمة والمسيح الدجّال. لا يمكنهم تصوّر إنجيل يحتوي على الألم والمعاناة بما أنّهم تعلَّموا الإنجيل الخطأ من أنبياء هذا العصر الدجّالين الذين يدعون إلى الراحة والازدهار.
(الأرشمندريت أثناسيوس ميتيليناوس_سفر الرؤيا “الأختام السَّبعة” ج٢، ص١٣٢-١٣٣-١٣٤)
مجموعة مواضيع عقائدية وروحية
No Result
View All Result