الإدمان على الإنترنت .. ملاحظات
الدكتور أحمد فخري استشاري علم النفس وعلاج الإدمان
نحن نعيش حالياً فى عصر التقنية الحديثة .. وهي من منتجات الحضارة الغربية وهي تؤثر بالتالي على هويتنا وثقافتنا العربية بأشكال عديدة سلبية وإيجابية .
ونلاحظ أنه لايكاد يخلو منزل من منازلنا العربية إلا وبه أدوات التقنية الحديثة من الفضائيات ومحطاتها المتنوعة، وأجهزة التليفزيون، والمذياع، وأجهزة الكمبيوتر وشبكاتها العنكبوتية الانترنت التى تلتف حول عقول أبنائنا كالأخطبوط، و أصبح الكبار والصغار يصطحبون معهم أجهزة الكمبيوتر المحمول فى كل مكان يذهبون اليه، فأصبح جهاز الكمبيوتر المحمول بمثابة الخل الوفى الذي يخلل صاحبه أينما ذهب، بل أصبح يغنيه عن الأهل والخلان بل والزوجة ورفيقة العمر فى مرات عديدة.
وهنا نتوقف وقفة هامة حسب أهمية الموضوع ونتسائل بعض الأسئلة عن مدى خطورة وقوع أبنائنا وبناتنا في شراك الشبكة العنكبوتية أي ما يطلق عليها شبكة الانترنت؟
هل الجلوس لساعات طوال للتعامل مع شبكة الانترنت يعد سلوكاً إدمانياً وإذا افترضنا أنه سلوك إدماني، فما هي أضرار الإدمان على الانترنت وإذا تبينا أن هناك اعتماد وسوء استخدام للانترنت، فما هي سبل العلاج منه.
وللإجابة على هذة التساؤلات:
نبدأ أولاً بتعريف ما هو إدمان الانترنت؟
وما هي أشكال الادمانات المتعددة ؟
فالإدمان كتعبير لغوي يشير إلى شكل من أشكال فقد السيطرة على السلوك، مما يعجز أمامه المرء عن إيقاف هذا السلوك غير المرغوب، بالرغم من عواقب هذا السلوك على الفرد من حيث القلق والتوتر وتغير المزاج للاسوأ وغيرها من أعراض الانسحاب سواء على المستوى النفسي أو البدني أو الاجتماعي.
وإذا ما نظرنا نظرة فاحصة وجادة على الأشكال المتنوعة من الإدمان( غير الدوائي ) نجد منها: إدمان العمل، إدمان التسوق وهوس الشراء، إدمان المخاطرة سواء بالرياضات الخطرة كالدرجات البخارية والتزحلق على الجليد فى اماكن خطرة وغيرها من إدمانات الخطر، وإدمان الطعام، وإدمان التدريبات البدنية، إدمان المضاربة فى الاوراق المالية، إدمان المراهنات والمقامرة، وإدمان شاشة جهاز الكمبيوتر، وإدمان مواقع وشبكة الانترنت .
والحقيقة أننا سنجد أناساً لايفشلون فحسب فى الوصول إلى إمكاناتهم وإنما يعانون فى سبيل ذلك معاناة شديدة وقاسية، ولكن نظراً لأن المخدر الذي يتعاطاه اصحاب تلك الأشكال من الإدمانات يعد مقبولا من الناحية الاجتماعية، فإن الأمر لايشكل ضغوطا ملحة على أولئك المدمنين تستوجب مساعدتهم من وجهة نظرهم هم فقط وهنا يكمن الخطر الذى يلحق بهم ويجعلهم فيما بعد متورطين فى إدمان تلك السلوكيات وما تنعكس عليهم من سلبيات من خلال تماديهم فى تلك الأشكال المتعددة من الإدمانات المقبولة اجتماعياً.
ونحاول الآن استعراض شكل من أشكال السلوك الادماني الذى ينتشر حالياً كظاهرة خطيرة فى مجتمعاتنا العربية ، ألا وهو الإدمان على الانترنت:
إن الشخص الذى يستعمل الانترنت فى بداية الامر قد يكتفى بساعة أو يزيد قليلا، ويصاحب ذلك الشعور بالمتعة والغبطة فى بادىء الأمر ومع تكرار محاولات الاستعمال واكتشاف المواقع المختلفة والمتنوعة والانفتاح على العالم الخارجى بأسرة واكتشاف ما يدور بة والاطلاع على ثقافات واجناس مختلفة يبدأ التحول من حب الاستطلاع والفضول إلى تولد شعور ملح بالحاجة الى المزيد والمزيد ومن ثم فقد القدرة على السيطرة النفس وعدم التحكم فى التوقف على حب الاستطلاع والفضول أملاً فى الوصول الى نفس المتعة السابقة والشعور بالراحة والحالة المزاجية المنبسطة التى كان يحققها فى بداية تعامله مع الانترنت ويجد المستعمل نفسه اذا توقف عن الدخول الى شبكة الانترنت فى حالة من الأعراض الانسحابية.. وهو يعاني من القلق والتوتر وحدة المزاج والعصبية الزائدة وأحيانا أخرى من الخمول وقلة النشاط ناهيك عن الانسحاب الاجتماعي وتقطع التواصل الاجتماعي الواقعي.
وإذا تأملنا ما سبق نجد أن الإدمان على الانترنت يمر بنفس مراحل الإدمان على المخدرات، بل أيضاً يمر المستعمل بأعراض الانسحاب كما يمر بها المدمن على المخدرات وان اختلفت من حيث شدة الأعراض البدنية أما الأعراض النفسية والحنين النفسى للإدمان فهو يتشابه لحد كبير.
لذا نجد أن الانسياق للجلوس ساعات طوال أمام شاشة الكمبيوتر والاستخدام غير المحدد لشبكة الانترنت ، أو لعب ألعاب الفيديو، إنما يعد من أخطر السلوكيات على أبنائنا من الناحية الصحية، والنفسية، وايضا الاجتماعية، وهو يؤثر سلبياً على هوية وانتماء شبابنا تجاه ثقافتهم وقوميتهم وعروبتهم.
حيث أشارت العديد من الدراسات أن ألعاب الفيديو بصفة خاصة تعد من أخطر الأشياء على صحة الإنسان خاصة الأطفال إذا طالت فترة استخدامها، وهي أيضا يمكن أن تسبب نوعا من الإدمان فالإنسان يشعر من خلال ممارستها بنوع من الهروب وشغل الذهن بعيداُ عما يفكر فيه ويشغله، وبالتالى يتولد رد فعل ومنعكس شرطي عند الشخص، وذلك يربطه باستخدام هذه الالعاب بشكل متكرر.
وعلى الرغم من ان مثل هذه الالعاب قد ترفع من مستوى ذكاء الطفل وتجعله يستمتع بوقته، إلا أنها إذا أسيىء استخدامها وطالت مدة الجلوس امامها، فإن الانسان يقوم من أمامها منهك القوى، مستنفذاً طاقته، ولدية احساس بالتعب ، وربما يشعر ببعض الأعراض الجسمية مثل الدوخة او الصداع او فقد التوازن.
وفى عام 1997 تم رصد أكبر عدد من الحالات المرضية التي سببتها هذه الالعاب فى اليابان، فقد اصيب ما يقرب من سبعمائة من الاطفال، وهرع بهم اهليهم الى المستشفيات وهم يعانون من نوع من الصرع الذى يأتى نتيجة لمنبه بصري، وذلك لتعرضهم للفلاشات المتلاحقةمن الضوء عند ممارستهم للعبة”البوكيمان” فى ألعاب الفيديو، والتى نزلت الى الأسواق انذاك.
وكانت نوبات الصرع وبعض المضاعفات الجانبية الاخرى حافزا لان يصاحب كل لعبة جديدة من” العاب الفيديو” تحذير بألا يجلس امامها المستخدم لمدة طويلة.
وقد اشتكى بعض الآباء من ان جلوس ابنائهم امام بعض هذة الالعاب لمدة 15- 30 دقيقة، يحدث لهم نوعا من الدوار والغثيان نتيجة للحركة السريعة على الشاشة التى تؤثر على التوازن البصري.
وقد قامت جمعية الاطباء النفسيين الامريكية بنشر دراسة اجريت على 500 من مستعملي الانترنت بإفراط ، كانت تصرفاتهم تقارن بالأعراض المعروفة فى تشخيص الإدمان على المقامرة، واعتمادا على الأعراض فإن 80% من الذين شاركوا فى هذه الدراسة والذين تم تصنيفهم على انهم مدمني انترنت ، اظهروا ادمانا واضحا فى سلوكهم النمطى وكانت النتيجة النهائية التى توصلت اليها هذه الدراسة” إن استعمال الانترنت بإفراط يؤدى بصورة مؤكدة إلى تدمير الحياة الأكاديمية والاجتماعية والمالية والمهنية بالطريقة نفسها التى تقوم بها أشكال الإدمان الأخرى الموثقة بصورة جيدة مثل المقامرة والكحول والمخدرات” .
وإذا استعرضنا الأسباب التى تدفع بمستعمل الانترنت إلى الوقوع فى براثن الإدمان على الانترنت سنجد بعضا منها يتمثل فيما يلي :
– عدم القدرة على التعامل مع الضغوط الحياتية اليومية
– عدم القدرة على مواجهة المشكلات
– عدم القدرة على شغل وقت الفراغ بهوايات متنوعة
– عدم القدرة على إقامة علاقات اجتماعية جيدة بسبب الخجل او الانطواء
– الشعور بالخواء النفسي والوحدة
– الهروب من الواقع بضرب من الخيال فى علاقات تفتقد فيها الحميمية مع الاخر
– تجنب مواجهة الاخر وجها لوجه سواء كان الآخر الأسرة أو الزوجة
– المعاناة من بعض الاضطرابات النفسية المتمثلة في الاكتئاب، القلق، اضطرابات النوم، التلعثم،الرهاب الاجتماعي، وغيرها من الاضطرابات والأمراض النفسية والهروب من مداوتها على يد متخصصين
– الافتقاد الى الحب والبحث عنه من خلال الانترنت
– الاغتراب النفسي
– الهروب من الواقع وما يحيط به من أعراف وتقاليد وقوانين منظمة تفرض ضروبا من القيود على الأفعال والكلام مما يدفع الشخص الى الانفصال عن خلجاته ونفسه والدخول فى شخصية أخرى من ضرب خياله ( تناقض وجداني) يعمل على عدم نضج الشخص ويعوق نموه النفسي
– وغيرذلك.. من المسببات التى تدفع بالفرد الى الادمان على الانترنت .
هذا وقد بينت الدراسات النفسية أن أكثر الأفراد تعرضا لخطر الإصابة بمرض إدمان الانترنت، هم الأفراد الذين يعانون من العزلة الاجتماعية، والفشل فى اقامة علاقات انسانية طبيعية مع الاخرين والذين يعانون من مخاوف غامضة اوقلة احترام الذات، والذين يخافون من ان يكونوا عرضة للاستهزاء او السخرية من قبل الاخرين، هؤلاء هم اكثر الناس تعرضا للإصابة بهذا المرض.. حيث قدم العالم الالكتروني لهم مجالا واسعا لتفريغ مخاوفهم وقلقهم وإقامة علاقات غامضة مع الآخرين تخلق لهم نوعا من الألفة المزيفة فيصبح هذا العالم الجديد الملاذ الآمن لهم من خشونة وقسوة عالم الحقيقة.. إلى أن يتحول عالمهم هذا إلى كابوس يهدد حياتهم الاجتماعية والشخصية بالخطر .
سبل الوقاية والخروج من الإدمان على الانترنت :
هناك بعض المهارات المعرفية والسلوكية التي تمكن الفرد من كسر قيود السلوك الإدماني والتحرر منه ومثلاً :
– على الفرد أن يحرر نفسه من النمطية فى حياته وعليه أن يخلق لنفسه بعض الأنشطة والهوايات لخلق تناغم وتنوع في أسلوب حياته.
– على الفرد أن يدرب نفسه على أسلوب حياة صحي، حيث يكون لديه مواعيد للنوم والاستيقاظ، ومواعيد لتناول الوجبات دون إسقاط بعض الوجبات.
– تعلم المزيد والمزيد من المهارات المختلفة: لغة أجنبية ، رسم، عزف على آلة موسيقية ، تعلم حرفة من الحرف، أو أن يقوم بتعليم الآخرين مهارة يمتلكها، الاشتراك في الأعمال الخيرية أو التطوعية، أو الأنشطة الاجتماعية من خلال منظمات وجمعيات المجتمع الأهلي.
– أن يقوم الفرد بممارسة بعض التمرينات والتدريبات الرياضية، فى الهواء الطلق ويفضل في وسط مجموعة من الآخرين أو مع الأصدقاء أو أحد أفراد الأسرة.
– أن يخطط الفرد لممارسة مجموعة من الأنشطة المشتركة مع الأصدقاء أو أفراد الأسرة، مثل التخطيط لرحلة، أو زيارة الاقرباء المحببين إلى قلبه أو بعض الأصدقاء.
– أن يخطط الفرد لخلق نسيج اجتماعي من العلاقات مع الآخرين ويدعم العلاقة مع الآخر بشكل يوثرعلى الفرد ويخرجه من عزلته.
– أن يقاوم فكرة الجلوس امام شاشة الكمبيوتر بكل عزم وقوة لخلق ارادة قوية واعية من خلال الالهاء السلوكي والذهني فعندما يشعر الفرد بحاجة ملحة للجلوس امام شاشة الكمبيوتر يقوم ببعض الاعمال والانشطة اليدوية المختلفة مثل تنظيف المنزل، اجراء محادثة تليفونية مع شخص مقرب، اعداد اعمال مؤجلة للغد، الوضوء والصلاة وقراءة القرأن الكريم والدعاء، اعداد وجبة غذائية متكاملة لنفسك ولافراد اسرتك.
– أن يقوم الفرد بعملية غزو تعليمي معرفي، أي أن يقرأ عن إدمان الانترنت ومدى خطورته، بغرض تغيير معتقداته الخاطئة وتصحيحها.
– أن يتعلم الفرد ان يدرب نفسه على مهارات الاسترخاء البدني والذهني ، وممارسة رياضة التأمل لراحة الجهاز العصبى وتجديد الطاقة البدنية والذهنية.
– يفضل في النهاية أن يستعين مريض الإدمان على الانترنت بمساعدة من الاختصاصين النفسيين ولاسيما المدربين على علاج الإدمان للخروج من براثن هذا الإدمان والتعافي منه من خلال البرامج العلاجية المتنوعة وبرامج العلاج الجمعي ومنع الانتكاسة والتأهيل.
المراجع :
1)- ارنولد واشنطون واخرون (1990): ارادة الانسان فى علاج الادمان، ترجمة: صبرى محمد حسن، المشروع القومي للترجمة، المجلس الاعلى للثقافة، القاهرة .
2)- عبد الهادى مصباح (2004): الادمان، سلسلة الجينات والسلوكيات، الدرا المصرية اللبنانية، القاهرة.
3)- محمد مهدى الجميلى (2008): علوم: الادمان على الانترنت ميزةالحضارة الجديدة أم مرضها، جريدة الصباح، جريدة سياسية يومية عامة، شبكة الاعلام العراقي
Discussion about this post