
يصوّر القديس متى الإنجيليّ المسيّا كمخلِّصٍ وديّانٍ معاً
يصوّر القديس متى الإنجيليّ المسيّا كمخلِّصٍ وديّانٍ معاً. “«وَمَتَى جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ الْمَلاَئِكَةِ الْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ الرَّاعِي الْخِرَافَ مِنَ الْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ.” (مت 25: 31-33). سيفصل بين الخطأة والصالحين، فيرث الذين عن يساره الجحيم الأبدية ويستقبل الذين عن يمينه في مملكته.
تظهر هذه الآيات أن المسيح ليس مخلِّصاً وحسب، بل ديّان أيضاً. فقد قال بنفسه “أعطى الآب كلّ الدينونة للابن” (يوحنا٥: ٢٢)، للابن، ليس كإله بل كإله وإنسان معاً، لأن دينونة الناس لا بدّ من أن يقوم بها شخص عاش حياة الإنسان. لهذا السبب يقول الإنجيل “ومتى جاء ابن الإنسان¹” (متّى٢٥: ٣١، لوقا۱۸: ۸) وليس “متى جاء ابن الله”. هنا، لا بدّ من الإشارة، بين هلالين، إلى هذا التحذير لكلّ الذين يحدّون تصوّرهم وفهمهم ليسوع على أنه شخص لطيف محبّ. هؤلاء يغالون في إسناد صفات المحبة والغفران إلى مخلّصنا، ويرفضون التفكير بيسوع كديّان. يريحون ضمائرهم بصورة يسوع المحبة، ظانّين أن الله محبة صرف، بحيث لا يجوز وصفه كديّان. ولكن، يا أحبائي، إنه هو مَن يبرز نفسه كديّان.
وتصوّر كنيستنا المسيح بهاتين الصفتين. لهذا السبب، في يوم أحد الابن الشاطر، تشدّد الكنيسة على محبة المسيح وغفرانه، وبعد أسبوع، في أحد مرفع اللحم، تتلو علينا إنجيل الدينونة، حيث يأتي يسوع كديّانٍ عادلٍ ومرهوب. يؤكّد هذا التعاقب أنّ المسيحيين في كنيستنا لا يحسبون المسيح غافراً محتملاً كلّ شيء إلى الأبد، وكأننا لا نحتاج إلى تقويم أنفسنا. فالّذين يسهبون في الكلام على عذوبة يسوع لا يبذلون أيّ جهد ليصلحوا حياتهم. يشعرون بأن محبة يسوع ستقبلهم كما هم، لذلك يعيشون دائماً كأشخاص ساقطين يستمتعون بخطاياهم وأهوائهم. هؤلاء هم القائلون بأنّ المسيحية هي المحبة، وأنّ الله محبة صرف، وإيماننا يجب ألّا يتكلّم سوى على المحبة – “المحبة والقبلات والعناق” – مسيحيّة تدين بالحب والعواطف “agapology». والأسوأ من ذلك هو أنّ هؤلاء الأشخاص ينعتون المُبشِّرين بكلمة الله بأنّهم مُتشدِّدون قساة القلوب غريبون عن المحبة والفهم كلّما تحدَّثوا عن دينونة الله، من غضب، وعقاب، وجحيم.
ولكن لا، يا أحبّائي. ولئن كانت المسيحية هي المحبة، فهي البرّ أيضاً. يسوع عذب بالتأكيد، ولكنّه أيضاً ديّان رهيب (كما تعلّمنا في عدد كبير من أمثاله). تصوّر الروحانيّة الأرثوذكسيّة هاتَين الصفتين ليسوع في الأيقونات البيزنطية المكتوبة داخل قبب عدد من الكنائس. وخير مثال على هذا أيقونة المسيح الضابط الكل داخل قبة الكنيسة في دير دافني خارج أثينا. في هذه الأيقونة، تظهر عبقرية كاتب الأيقونة بوضوح، إذ تبدو إحدى العينين عذبة بينما تطبع فينا العين الأخرى الرهبة والرعب. إذاً، في الشخص ذاته، والوجه ذاته، نجد الخلاص والدينونة معاً. هذه هي الحقيقة، وهذه هي الأرثوذكسيّة. هذا هو الإنجيل المجرَّد من العبودية لتعابير الصواب السياسيّ².
1_تشير عبارة ابن الإنسان إلى طبيعة المسيح البشريّة.
2_الصواب السياسيّ هو تجنّب التعابير أو المصطلحات التي تحسب مسيئة لفئة معيّنة من الأشخاص.
(الأرشمندريت أثناسيوس ميتيليناوس_سفر الرؤيا الأختام السَّبعة، ج٢ ص١٨٠-١٨١-١٨٢)
مجموعة مواضيع عقائدية وروحية
No Result
View All Result