عندما يتحول اللعب إلى معاناة ..
الإدمان الإلكتروني رعب يهدد مزاولي الألعاب ومتصفحي الإنترنت
استجد علينا في حياتنا اليومية ما يطلق عليه الحياة الحديثة، فمع دخول الإلكترونيات المتقدمة، خاصة تلك التي تتفاعل مع البشر، أصبح العديد من الأشخاص، كبيرا كان أم صغيرا، يستخدمون تلك التقنيات لأوقات محدودة أو لساعات طويلة وقد تصل أحياناً إلى أيام.
أصبحت تلك التقنيات تشكل خطرا جسيما على مستخدميها، وتحولت بعد أن كانت أداة لهو وترفية إلى أداة حرب صحية، أدت إلى الإدمان الذي قد تنتج عنه حالات وفاة. فبعد أن كان جهاز الألعاب الخاص بالأطفال وسيلة إلى الترفية أصبح رعبا يهدد المنازل في جميع أنحاء العالم، ليصل هذا الرعب إلى حد الانتحار أو الموت نتيجة لمواصلة التركيز والمكوث أمام تلك الإلكترونيات، سواء كانت شاشة تلفزيون أو شاشة كمبيوتر أو شاشة ألعاب، لأوقات طويلة جداً.
ففي الصين ذكرت وسائل إعلام صينية أخيرا أن شابا صينيا في السادسة والعشرين من عمره توفي في شمال شرق الصين، بعد أن ظل يمارس ألعاب الكمبيوتر على الإنترنت طيلة سبعة أيام متواصلة.
وفي المقابل أكد باحثون متخصصون أن إدمان الإنترنت أدى بالبعض لفقدان علاقات اجتماعية أو زوجية وتأخر وظيفي، كما أدى بالبعض إلى الانطواء والعزوف عن المجتمع، إضافة إلى نوبات أشبه بالصرع يجنيها كثيرو التركيز نتيجة زيادة الكهرباء في الجزء الأمامي من المخ وبؤرة العين، وفي هذه اللحظة تحدث نوبة أشبه بالصرع.
إدمان الإنترنت
يشير أحد الباحثين إلى أن إدمان الإنترنت لا يصيب البالغين فقط، بل الأطفال أيضاً، خاصة مع توافر جديد التقنيات في كل يوم من ألعاب الكمبيوتر التي تجعل الشخص ينبهر ويشغف بالمكوث أكثر وأكثر، وهذا الإدمان ينعكس سلبيا وبشكل أكبر من البالغين على حياة الطفل ومواعيد نومه ودراسته ويصبح انطوائيا لا يخرج مع أصدقائه أو يمارس أي هوايات أخرى سوى الجلوس على الشبكة بلا كلل أو ملل.
حيث عرف الباحثون أن إدمان الإنترنت بأنه حالة الاستخدام المرضي وغير التوافقي للإنترنت التي تؤدي إلى اضطرابات في السلوك، ويستدل عليها بعدة ظواهر منها زيادة عدد ساعات المكوث أمام الكمبيوتر بشكل مطرد تتجاوز الفترات التي حددها الفرد لنفسه في البداية، ومواصلة الجلوس أمام الشبكة على الرغم من وجود بعض المشكلات مثل السهر، الأرق، التأخر في العمل، إهمال الواجبات الأسرية والزوجية وما يعقبه من خلافات ومشكلات، هذا إضافة إلى التوتر والقلق الشديدين في حالة وجود أي عائق للاتصال بالشبكة قد يصل إلى حد الاكتئاب إذا ما طالت فترة ابتعاده وعدم قدرته على الدخول على الإنترنت.
ويعد مدمنو الإنترنت أشكالا وألوانا، وهناك خمسة أنواع موصوفة ضمن إدمان الإنترنت حتى الآن، يأتي في مقدمتها إدمان المواقع الإباحية، ويليها إدمان الدردشة، ومن ثم إدمان الألعاب، ثم الإدمان المعرفي، وأخيرا الإدمان المالي.
ليس كل مستخدم مدمنا!
لا بد أن نشير إلى العوامل النفسية التي يمر بها كل مستخدم سواء كان مدمنا أم شخصا عاديا، فهناك ملايين الأشخاص حول العام عبر الشركات والأسواق والمنازل والجوالات والمدارس وعلماء الأبحاث يمكنهم الدخول على شبكة الإنترنت على فترات مختلفة كل يوم، فأصبحت الإنترنت جزءا من حياتهم اليومية، سواء بتصفح الصحف العالمية أو معرفة عالمها وتصفح الموسوعات والدول والعالم الآخر.
أيضا هناك ملايين الموظفين حول العالم، يمكثون لأكثر من 12 ساعة عمل يوميا أمام الكمبيوتر. فمنهم المبرمجون والمهندسون وخبراء التقنية وخاصة مصممي الجرافكس، لما يتطلب عملهم جهدا وتركيزا عاليين، والذي قد يؤدي إلى ضعف في النظر حسب ما أكده أطباء العيون.
في المقابل يعد استخدام هؤلاء تلك التقنيات وسيلة للبحث عن غاياتهم السلمية وتحقيق أهدافهم المرجوة كأي وسيلة يومية. فلم يقصروا مع واجباتهم الدينية وواجباتهم الاجتماعية، فعلاقاتهم “سمن على عسل”. أما الوجه الآخر فما زال داخل الصراع يلاكم هذا ويلاعب ذاك، ويجري بعض أنواع “الرياضة الإلكترونية” مع قلة الأكل والشرب وكثرة التركيز، ما يجعل “الشيء يزيد عن حدة” فـ”ينقلب ضده” بفقده العلاقات الخارجية والداخلية، وتبلوره داخل بوتقة نفسية. وتقمصهم شخصيات افتراضية لا تمس الواقع بأي صلة.
بداية الإدمان
لو أخبرت نيث بيكر منذ عامين أنه يوما ما سيقوم بإنشاء أول عيادة أوروبية لمعالجة مدمني ألعاب الفيديو، لربما سخر منك. ومع ذلك عندما لاحظ مدير مستشاري مركز سميث وجونز للإدمان، أن هناك الكثير من مدمني المخدرات مهوسين بالألعاب، فكان عليه ألا يتجاهل الأمر.
فقد بدأ نيث بيكر بمريض واحد في مركز علاج الإدمان الذي أسس منذ عام، وقد أحضره والداه إلى المركز لعلاجه من الكوكايين، حيث اعتاد الطفل أن يسرق المال لشرائه. وقد تحول الطفل إلى مدمن ألعاب، بتعاطي المخدرات ليظل يقظا. لم يكن لدينا في ذلك الوقت برنامج لمدمني الألعاب. فبحثنا عن مكان لنرسل إليه هذا الطفل للعلاج، ولم نجد مكانا مناسبا في العالم كله. واستمر عدد الأطفال في ازدياد، وكان علينا أن نطور شيئا للأطفال كي نجذبهم إليه.
بعدها وفي الثمانية عشر شهرا الأخيرة قاموا بدراسة تاريخ الإدمان الخاص بهؤلاء الأطفال، مع ملاحظة دافع اللعب لديهم، فلاحظنا لديهم سلوكا وسواسيا قهريا مفرطا يعرضهم لكثير من المشكلات، ومن ثم أطلق أول مركز عالمي لعلاج إدمان ألعاب الفيديو.
يقول بيكر إنه منذ افتتاح عيادة مدمني الألعاب، تلقى طلبات عديدة من مؤسسات علمية، وأطباء نفسيين، وإخصائيين آخرين يطلبون استشارته. وهناك أيضا سيل من طلبات التقدم للعلاج ومعظمها من الولايات المتحدة الأمريكية. “لقد أصبحت العيادة مكتظة بالمرضى”، هكذا يخبرنا بيكر.
خطر ألعاب الأطفال
أكد بيكر أن نحو 20 في المائة من سكان العالم لديهم نزعة وراثية للإدمان، إذ إن هولندا وحدها لديها 800 ألف مريض تحت سن الثامنة عشرة معرضين للخطر. وعلى حد قوله: فإنه من الجنون أن يتكرر مثل هذا العدد عبر العالم، ففي معظم الحالات، يكون لدى المرضى هوس بنوع واحد من الألعاب، ألا وهو النوع الذي يتطلب عدة لاعبين. وعادة ما يدور هوسهم حول الترقي إلى المستوى التالي للعبة، وعالم فن الحرب هو النوع الأكثر انتشارا من هذه الألعاب، ويدور هذا النوع من الألعاب حول الارتقاء في المستويات. ولهذا فليس هناك أي شعور لدى اللاعبين بالارتياح أو الاحترام. ولذلك يعود هؤلاء الأطفال إلى العيادة كحطام السفينة.
وفي مركز أمستردام، تتكون العيادة من منزلين ريفيين على طراز القرن السادس عشر، ومعظم المرضى من الذكور الشباب. أما بالنسبة للنساء فهناك أربع حالات من بين كل 100 امرأة. وتراوح أعمار الذكور فيما بين العاشرة والخامسة والعشرين، ويتميز هؤلاء الذكور جميعا بالذكاء، وقد حصل الكثير منهم على منح دراسية للجامعة. وتبلغ تكلفة العلاج نحو 500 يورو (840 دولارا) في اليوم، وتشمل الوجبات، الأنشطة، التجهيزات، والعلاج. ولا تعد العقاقير جزءا من العلاج. وبالنسبة لبيكر، يعد هذا النوع من العلاج مقبولا عند مقارنته بالأنواع الأخرى، لأنه لا يحتوي على العقاقير التي تؤدي للإدمان، ولكن هناك علاج سيكولوجي مكثف. كما يقول أيضا “إننا لسنا بحاجة لإخضاع المرضى لإشراف طبي طوال الأربع والعشرين ساعة. ولكننا بحاجة لوجود حارس على الباب لكيلا يجدوا سبيلا للهروب بحثا عن مقهى إنترنت. ويُسمح للمريض بإحضار ملابسه، وأدوات الحمام، وكتبه الدراسية، ولكن لا يُسمح له بإحضار جهازه الخلوي، أو أي شيء ذي صلة أو يمكنه الاتصال بألعاب الفيديو”.
ويخبرنا بيكر أن أول خطوة في العلاج هي إزالة آثار الإدمان لدى المرضى وعدم السماح لهم بالاتصال بأي لعبة من ألعاب الفيديو، أو أي شيء يتعلق بتحريك صور ماعدا التلفاز. وقد يرى البعض ذلك ضربا من الجنون، ولكن لا يوجد جهاز التحكم عن بعد في أي مكان. وعلينا أن ننظر إلى الكلمة الثانية من تعبير (التحكم عن بعد)، ألا وهي (التحكم)، فلو أردت أن تستمتع فعليك أن تعرف ماذا تفعل، حيث يوجد ما بين 10 إلى 15 لاعب فيديو في الغرفة نفسها، وعليك أن تلقي بالجهاز لترى من سيلتقطه. فالعيادة تستوعب عشرة من المرضي في الوقت نفسه، ويبدأ اليوم من السابعة صباحا وتُطفَأ الأنوار في الحادية عشرة مساء. وعندما يأتي المرضى إلينا، فإنهم يقابلون إخصائي تغذية. فأحيانا ما يعاني الأطفال زيادة أو نقصا في الوزن.
وأوضح بيكر “إن العلاج يبدأ بالطريقة نفسها التي نتعامل بها مع أي اضطراب سلوكي إلزامي قهري”. فعلي المرضى أن يدركوا أنهم سيلقون حتفهم عند المرة الأولى للعب وليس عند المرة الثانية أو الثالثة. وعليهم أن يدركوا أيضا أن ذلك يرتبط بقدرتهم على التحكم، فليس هناك سبيل للتحكم في رغبتهم في اللعب إلا بتلقي المساعدة. ويأتي الخوف من أن الرغبة في اللعب تأتي بأمر من العقل، فالرغبة أمر عقلي وليس للعبة ذاتها علاقة بالأمر. وهناك جانب آخر، دعونا نتخيل أن هناك صبيا في الرابعة عشرة من عمره، يتميز بالبدانة ووجهه مليء بالبثور، والفتيات لا تحببنه، ويواجه انتقادات في المدرسة، وعندما يصل إلى المنزل يتجه إلى الكمبيوتر، وهنا يتحول إلى أرنولد شوارزينجر الذي يحارب العالم، ويسيطر تماما على بيئته الصغيرة. فهناك حاجة تدفعهم إلى الخروج إلى هذا العالم الخيالي للسيطرة على كل شيء، ولكنهم يفقدون السيطرة على أنفسهم.
وهناك الجانب الاجتماعي، وما زال الحديث لبيكر: فلو أردنا الحصول على نجاح طويل الأمد، فعلى هؤلاء الصبية أن يسدوا فجوة ملئت أحيانا ولعدة سنوات باللعب. فنحن نمنح هؤلاء الصبية أنواعا جديدة من المهارات الحياتية والأنشطة الأخرى لكي يحققوا نوعا من الإنجاز. ومن أعراض الانسحاب من اللعب: الهجوم المخيف واضطرابات النوم والتعرق عند رؤية جهاز الكمبيوتر. ومن المؤسف، في هذا العصر الحديث، ألا يتخلى مدمنو ألعاب الفيديو عن أجهزة الكمبيوتر، ولا يطلب منهم أحد أن يفعلوا ذلك.
ويقول بيكر إنه “لا بد من العمل على جهاز الكمبيوتر لكي تحصل على وظيفة”. وهذا يشبه مرض الاضطراب الغذائي الذي لا بد أن نعوده على تناول ثلاث وجبات يوميا. وما يجب أن يعرفه المتعامل مع الألعاب أنه مجرد ناقر للأزرار، وعليه أن يعرف خطورة اللعب عند النظر إلى آثاره على حياته. وهناك جزءا من العلاج يتوقف على مشاركة المرضى في الأنشطة التي تساعدهم على بناء ذاتهم، ومن تلك الأنشطة القفز بالمظلة والرسم واللعب الاستراتيجي في الغابة. ونقوم بعمل تدريبات بالحبال وتدريبات بناء الفريق وتسلق الحائط، فهناك العديد من الأعمال الجماعية والألعاب التنافسية، فهؤلاء المرضى يحبون التنافس.
سجن ورعاية خاصة
تتوقف مدة الإقامة في العيادة حسب الشخص. فبعض الصبية عند أول حديث لهم ينظرون إلى الموقف ويقولون “بسم الله” وهذا كل ما في الأمر. ولكن عادة ما يأتي الصبية هنا وقد فقدوا بالفعل كل حياتهم ووقتهم أيضا. وربما يقضي المدمن خمس ساعات يوميا، أي ما يعادل 35 ساعة أسبوعيا في إدمان الألعاب، سارقا الوقت من أسرته ومستقبله.
وحسب قول بيكر، لا يجد المدمن وقتا لأي شخص آخر لكي يقيم معه علاقات اجتماعية، أو لكي يتعلم كيفية التحدث مع الآخرين، أو للعب الكرة، أو القيام بواجباته المدرسية. ولقد رأينا المئات من رسائل البريد الإلكتروني منذ بدء الأزمة تحمل قصصا مخيفة لأولئك الصبية الذين فقدوا منحهم الدراسية، ويجلسون في المنزل طوال الليل ولا يذهبون إلى المدرسة في اليوم التالي.
وقد اعترفت الصين بمدى حجم المشكلة، ولذلك أنشأت عيادات لعلاج مدمني الإنترنت ومدمني الألعاب المرتبطة بالشبكة. وهناك البعض الذين يشكون في أن ألعاب الفيديو يمكن أن تقود الفرد إلى الإدمان. ومن أولئك تيم ويفر مؤلف كتاب Xbox World 360، الذي يرى أن كلمة “إدمان” كلمة خاطئة. وحسب قوله فإن اللعب بانتظام ولفترات طويلة لا يعد مساويا لإدمان القمار أو المخدرات أو الكحول. وهذه الأنواع الثلاثة بالنسبة له هي الأكثر جدية وخطورة.
فهل يعتقد ويفر أن بعض أنواع الألعاب تؤدي إلى الإدمان أكثر من غيرها؟ فكلما كانت اللعبة جيدة، قضي اللاعبون معها وقتا أطول. ولدينا الكثير من الرسائل حول Halo 2، ولكن ليس لدينا الكثير حول Barbie’s Horse Adventure. ويرى دكتور كليف آلكوك المستشار النفسي ورئيس الاتحاد القومي لدراسات القمار، أن هناك تشابها بين لعب الألعاب وآلة البوكر. ويكمن التشابه حسب رأيه في اتساق النشاط. فالوقت الذي يستغرقه العقل عند التركيز في شيء ما يكون سريعا. ويتوازي النوعان في إحداث الإثارة لدى اللاعب لإيجاد فرصة للعب البوكر عندما يصبح رجلا. فهناك حالة قد اتجهت إلى طريق آخر، حيث توقف شخص عن لعب القمار، ولكنه كان يقضي الوقت نفسه في ألعاب الفيديو. فتحول الموضوع إلى اجتناب الألعاب.
وتقول مسؤولة في قسم الصحة إنه “لا توجد خطط لإنشاء عيادة لمعالجة مدمني الألعاب، بيد أننا سنراقب التجربة الهولندية باهتمام. ولقد ضحك بيكر عندما أخبرته بأنها لاعبة وليست مدمنة، وقال لو نظر إليّ شخص على أنني مدمن كحول فسأفقد صوابي. فهل تشربين كميات قليلة من الكحول؟ وهل تضمني لي ألا ينتهي بك الحال خلف القضبان في كل مرة؟ ذلك هو نفس حال مدمني الألعاب”. وهناك الكثير من الصبية الذين يلعبون لمدة 30 دقيقة ثم يؤدون واجباتهم المدرسية، وهناك أيضا نسبة كبيرة منهم لا يفعلون ذلك، فعندما يبدأون لا يستطيعون التوقف.
صدمة العلاج الصيني
يقول الدكتور تو ران مدير العيادة الصينية “إذا كنت تعتقد أن انتشار الألعاب مشكلة توجد فقط في الدول الغربية، فعليك أن تعيد التفكير. فقد أنشأت الصين عيادة خاصة في المستشفي المركزي العسكري لمخاطبة مدمني الإنترنت. حيث يوجد عدد كبير من مدمني الألعاب. ففي كل يوم يوجد 20 مليون شاب صيني يتواصلون عبر الشبكة ليشتركوا في الألعاب أو غرف الدردشة. وهذا يعني انتشار إدمان الإنترنت بين الشباب الصيني. وخلال أسبوعين من العلاج تلقى المرضى علاجا نفسيا، وعقاقير، وعلاجا بالصدمة الكهربية وتدريبات. ولم يحقق أي مريض أدنى معدل للشفاء في تلك العيادات المتنوعة. ومع ذلك فلدينا بعض الاستجابات الشيقة عندما طرحنا موضوع العلاج للمناقشة في مجلة الألعاب Icon وربما كانت الإجابة الحقيقية لإدمان ألعاب الفيديو عقلانية.
وكتب جوبي قائلا “كنت في الثامنة عشرة عندما أصبحت مدمنا لألعاب الفيديو، وظللت على هذا الحال لمدة ثلاثة أعوام. والآن وأنا في عمر الرابعة والعشرين أستطيع أن أعرف ما هو مهم وأن أحدد الأولويات. ومع ذلك فليس بوسع الكبار أو الأطفال عدم تلبية نداء الكمبيوتر الساحر”.
ويقول بمبكينهيد “طلبت من زوجتي أن تعتني بابنتي في يوم السبت، لأنني أردت أن أنهي تحقيقا خاصا عن لعبة على الشبكة. فإدمان اللعب ليس جريمة بدون ضحية، فأنا أعتبر نفسي وزوجتي محظوظين لأننا نلعب الألعاب نفسها. ولكن ابنتي ليست كذلك، حيث اتفقت أنا وزوجتي ألا نلعب إلا عندما تأوي ابنتنا إلى الفراش. وبعد اللعب – طوال عطلة نهاية الأسبوع – أشعر بالذنب، لأن ابنتي لا تفعل شيئا سوى مشاهدة التلفاز طوال الوقت. وأعرف آخرين من مدمني غرف الدردشة وقد تأثر أطفالهم بذلك؛ لأن الدردشة تأخذهم بعيدا عنهم. فهناك طفل صغير في الثانية من عمره قام بفصل الكهرباء عن جهاز الكمبيوتر كي يجذب انتباه أمه إليه.
تأكيد محلي
أكد لـ”الاقتصادية” الدكتور عبد الرحمن يحيى القحطاني، خبير تعزيز الصحة، مستشار غير متفرغ لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونسكو، أن الإدمان على الكمبيوتر أو الإنترنت والاستخدام المفرط لهما أو ما يسمى أحيانا إدمان العالم الافتراضي Cyber Addiction يعد إحدى المشكلات الجديدة التي بدأت تظهر على السطح خلال السنوات العشر الأخيرة.
ويمكن أن يتعرض لهذا الإدمان فئات المجتمع المختلفة من الرجال والنساء والكبار والصغار، بدءا من الإدمان على الإنترنت والدخول على غرف المحادثة (الدردشة)، مرورا بالإدمان على المواقع الإباحية وانتهاء بالإدمان على ألعاب الكمبيوتر.
ويترتب على الإدمان العديد من الآثار السلبية النفسية والبدنية والاجتماعية. وبدأ بعض المختصين في الطب النفسي وعلوم النفس وعدد من الجمعيات الطبية والصحية بالاهتمام بذلك وإجراء الدراسات والبحوث حول هذا النوع من الإدمان وكيفية علاجه والتعامل معه.
وأضاف الدكتور القحطاني، أن الدراسات والأبحاث تشير إلى وجود عدد من الأعراض التي تظهر على المدمن للإنترنت أو الكمبيوتر، ومن أبرزها ما يسمى نشوء حالة من الهيام والمودة المفرطة مع جهاز الكمبيوتر، واستخدامه لفترات طويلة وصعوبة التوقف عن استخدامه، وفقدان التحكم في الوقت. كما يعاني المدمن من الانزعاج الشديد والشعور بالقلق تجاه ما يعوقه حيال ذلك، إضافة إلى إهماله أداء المهام الحياتية الضرورية كالعناية بالنظافة الشخصية، والتغاضي عن الالتزامات المنزلية كرعاية الأسرة والأبناء، وضعف العلاقات الاجتماعية. بل يتعدى الأمر إلى تغيير نمط حياته اليومية ليتماشي مع إدمانه الكمبيوتر أو الإنترنت.
وعن سؤال “الاقتصادية” عن الأسباب المؤدية لهذا النوع من الإدمان، أكد الدكتور القحطاني أن معرفة نوعية الإدمان تساعدنا بطريقة أفضل على التعرف على أسبابه، حيث تشير بعض الأبحاث إلى أن الإدمان ينقسم إلى عدة أنواع، منها الإدمان على مواقع المحادثة (الدردشة) والسعي لتشكيل علاقات شخصية سواء مباحة أو محرمة، ومنها الإدمان على ألعاب الكمبيوتر بأشكالها وأنواعها المختلفة. كما أن أحد الأسباب الرئيسية للإفراط في استخدام الكمبيوتر (وتحديدا في فئة الشباب) هو البحث عن المواقع الإباحية وتشكيل العلاقات الغرامية، يضاف إلى ذلك الإدمان على مواقع الأخبار ومجموعاتها، أو الشغف بالبحث في قواعد المعلومات ومحركات البحث، وأخيرا الإفراط في متابعة برامج الكمبيوتر.
وتفيد الدراسات والأبحاث بوجود أسباب عدة للإدمان على الكمبيوتر، من أبرزها محاولة الهروب من الواقع نتيجة ضغوط نفسية أو مالية أو أسرية. كما أن الإدمان قد يحدث نتيجة حدوث نوع من الشغف أو ما يسمى الوله باستخدام الكمبيوتر أو الإنترنت، نظرا لما يشعر به المدمن من إثارة ونشوة وتشويق عند استخدامها، مما يشكل نوعا من المودة والعشرة معها.
آثار سلبية
يقول الدكتور القحطاني “يمكن تقسيم الآثار السلبية لعدة مستويات منها ما هو بدني كاضطرابات النوم، والشعور بالإرهاق والإنهاك البدني نتيجة الاستخدام المفرط. والإصابة بآلام في أطراف الأصابع والرسغ والظهر والرقبة، وكذلك توتر العين، إضافة إلى إهمال نظافة البدن”.
ويضيف “والمستوى الثاني التأثير في العلاقات الأسرية والشخصية، فغالبا ما يميل المدمن إلى العزلة والانفراد بالإنترنت وجهاز الكمبيوتر، والابتعاد عن الارتباطات والمناسبات الأسرية والاجتماعية، وبالتالي ضعف القيام بالواجبات الأسرية والاجتماعية. وقد يؤدي ذلك لنشوء اضطرابات في العلاقة العاطفية الزوجية، وضعف في متابعة ورعاية الأبناء. وبطبيعة الحال يجب ألا ننسى أن هذا النوع من الإدمان قد يؤدي إلى التأثير في الحقوق الشرعية الأخرى كالحفاظ على الصلاة في وقتها”.
وأكد أن بعض الأبحاث استنتجت أن بنسبة 50 في المائة من المدمنين يعانون من سوء في العلاقات الاجتماعية وتحديدا الزوجية منها، وكذلك علاقة الأب مع أبنائه أو مع الأصدقاء. كما تشير دراسات أخرى إلى أن الإدمان على الكمبيوتر أو الإنترنت قد يكون سببا للطلاق.
وأضاف أن” المستوى الثالث فهو التأثير على التحصيل الدراسي وتدنيه والتغيب المتكرر وربما الرسوب. يضاف إلى ذلك أن الإدمان قد يؤثر في المستقبل الوظيفي للفرد، حيث يؤدي إلى ضعف الأداء والإنتاجية وكثرة التغيب، وعلى المدى البعيد فقد تنشأ آثار سلبية تؤثر في الصحة نتيجة هذا النوع من النمط الحياتي الخامل”.
حلول سريعة
يؤكد الدكتور القحطاني أن العلاج يبدأ بتشخيص سبب الإدمان، ومعالجة تلك الأسباب سواء كانت نفسية كالاكتئاب أو القلق أو مشكلات اجتماعية وغيرها من الأسباب الأخرى كالشغف بالإنترنت وجهاز الكمبيوتر. وغالبا ما يقوم الطبيب النفسي أو الممارس النفسي بوضع خطة علاجية تتضمن تقديم المشورة للتعرف على المحفزات أو المثيرات لهذا الإدمان وكيفية تفاديها، وكذلك كيفية التحكم وإدارة الوقت في استخدام الكمبيوتر، وتعديل بعض العادات والأنشطة اليومية.
وبدأ يظهر في عدد من الدول الغربية مراكز متخصصة لعلاج الإدمان على الكمبيوتر أو الإنترنت نتيجة ازدياد عدد الحالات وظهورها كمشكلة صحية.
من جهة أخرى ظهرت دراسات تؤكد أن الاستراحات طويلة المدة على فترات قليلة يوميا لمستخدمي الكمبيوتر أو الألعاب لا تبدي مفعولا صحيا لا ظاهريا ولا باطنيا، فلا يدوم الحال حتى تشعر بالإرهاق مجددا، إذ نصحت الدراسات على أن تكون هناك راحة لمدة لا تقل عن 3 دقائق لكل ساعة بإغماض العينين وراحة الرقبة ورخو العضلات والعمود الفقري.
Discussion about this post