
إن كان المسيح هو الله فكيف يصعد إلى السماء ويجلس عن يمين نفسه؟
الله الواحد الثالوث القدوس، الآب والإبن والروح القدس، في طبيعته وجوهره الإلهي، ليس له يمين ولا شمال، ولا وراء ولا أمام، ولا يُمكن بلاهوته أن يخضع لهذه المقاييس الفيزيائية المكانيّة المعروفة لنا في خبرتنا البشرية، لأنه غير محدود في مكان أو زمان، فهو مالئ كل الوجود ولا يخلو منه مكان، ولا يوجد فراغ عن يساره أو عن يمينه لكي يجلس فيه أحد، بل في أُلوهيته هو غير محتاج للجلوس.
صعود السيد المسيح إلى السماء يعني أنه صعد بجسده القائم من الموت بقوة اللاهوت المتّحد به إتحاداً أقنومياً، لأنّ اللاهوت لا يصعد ولا ينزل بالمعنى الجغرافي أو المكاني للكلمة. فالإبن منذ الأزل وإلى الأبد، هو واحدٌ بلاهوته مع الآب والروح القدس دون إنفصال، وبلاهوته موجودٌ في السماء والأرض ومالئ كل الوجود “وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ.” (يوحنا 13:3). إنما الصعود كان بالجسد الذي إتّخذه الإبن في تجسُّده من العذراء، وبه قام مُمجّداً من الأموات، وبهذا الجسد ظلّ المسيح على الأرض من بعد قيامته، يظهر لتلاميذه مدة أربعين يوماً، يُثبّتهم بحقيقة قيامته، ويُكلّمهم بما يختصّ بملكوت الله (أعمال الرسل 3:1).
صعود المسيح إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب إنما هو إصعاد البشرية إلى المجد السماوي محمولةً في ذاته، هذا ما يعنيه الرسول بولس بقوله: “وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ” (أفسس 2: 6).
الكلمة المتجسّد تألّم ومات وُدفن بجسده الذي إتّخذه من العذراء لأجلنا، وبهذا الجسد عينه قام من القبر، جسداً نورانياً ممجّداً، وبه صعد إلى السماء، ما يعني أن الجسد الماديّ التُرابيّ توشّح بمجد الألوهية، لأنه متّحدٌ باللاهوت، وكان هذا لحسابنا نحن البشر، أي أن الطبيعة البشرية الساقطة قبلاً في شخص آدم، قد رفعها المسيح، الكلمة المتجسّد، وأصعدها إلى السماوات مُمَثّلةً في ناسوته، لتنال المجد السامي والتألُّه والرفعة والكرامة والخلود، وتستقرّ عن يمين الآب وفي مجده إلى أبد الدهور، وهذه هي غاية تدبير التجسُّد والفداء.
بقلم: رومانوس الكريتي
No Result
View All Result