
الصّلاة مرآة الرّوح
قبل أن نلتقي الله، قبل أن نعي صلتنا به، تجعلنا الصّلاة نلتقي ذواتنا، وتكشفنا لأنفسنا.
وكيف يُكشف ذلك.؟!.. إنّها تحرّك أعماق الرّوح. ربّما تعرفون القول الآبائيّ: “الصّلاة مرآة الرّوح”. ما معنى ذلك.؟!.. نعرف حجمنا في الصّلاة. ويجب أن تعرفوا أنّ حجمي كان صغيرًا جدًّا. واجهتُ عاصفة من الأفكار. وبترديدي “يا ربّي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطىء”، شعرتُ بانقلاب في أفكاري. اعتقدتُ أنّ الجميع يختبرون ذلك، لذلك لم أعبّر عن الموضوع. لم أستشر أحدًا، لأنّني لم أكن أعلم ماذا أفعل وكيف أتصرّف. وأخذت الأمور تحدث من تلقاء ذاتها. وكان جيّدًا أنّني لم أفقه في البداية أنّ اضطراب أفكاري كان سببه الصّلاة لأنّني كنتُ سأتخلّى عنها. لم أتركها وكان ذلك حسنًا.
كان ذلك معرفة للذّات من خلال الصّلاة. وعيتُ ميولي السّلبيّة وجهودي السّلبيّة، لأنّ الأمور السّلبيّة الّتي نجمعها تُضاف إلى الميراث السّلبيّ الّذي به نأتي إلى العالم، فنمتلىء بالكثير من الانطباعات، والمعلومات، والأمور الّتي لا يمكننا أن نعبّر عنها في أيّ مكان ولأيّ كان، وهذا يحدث بشكل عشوائيّ أحيانًا وبشكل إراديّ مرّات عديدة.
مثلًا، عند قراءة أحد لرواية مثيرة، تمتلىء نفسه صورًا سلبيّة، وتلاحقه هذه الصّور فيما بعد. يقول القدّيس يوحنا السّلميّ إنّ الصلاة قد تكون غير نقيّة، أو مدنّسة، أو مسلوبة، أو ضائعة، او نقيّة. من طردوا الظّلمة من داخلهم يبلغون إلى الصّلاة النقيّة. ولم يقل القدّيس إنّه إن لم تكن الصّلاة نقيّة فلا تصلّوا، بل بالصّلاة تتقدّمون في الصّلاة. لا تخافوا أبدًا ممّا يمكن أن يتبادر إلى أذهانكم، أو ما رأيتُم، أو ما يتراكم في أعماقكم، المهمّ ألّا تريدوا هذه الأمور بعد. وبما أنّنا عاجزون عن وضع الأمور في نصابها بأنفسنا، نطلب عون الرّبّ. فالخلاص من الرّبّ يأتي، لذلك نطلب من الرّبّ:”يا ربّي يسوع المسيح ابن الله ارحمني أنا الخاطىء”.
قد تقرأون كلّ الكتب الّتي تتحدّث عن الصّلاة في العالم، لكنّ ذلك لا يُقارن بممارستها فعليًّا. الله لا يوجد في التقنيّات، ولا في القيام بعدد كبير من المطّانيّات، أو في السّجود أو الوقوف، ولا كيف تضعون يدكم على قلبكم أو توجّهوا نظركم نحوه.
كلّ ذلك ليس أساليب يستخدمها المرء للتّركيز. بالحقيقة، هذه الأمور لا قيمة لها لحياتنا الدّاخليّة الرّوحيّة.
المهمّ، هو الانتباه إلى أفكارنا، وأن نشعر أنّنا في صلة مع الرّبّ يسوع المسيح، عالمين أنّ الخلاص يأتي منه وحده، لا من أنفسنا، مواجهين الأفكار السّمجة مترسّخين في الصّلاة، ومتابعين ممارستها.
المهمّ، الشّعور بحضور الله في داخلنا، بأنّه “سينهض ويبدّد أعداءَه”، وأنّ نور المخلّص قد أقبل إلينا، لا كنور مادّيّ، بل كاستنارة، في ذهن مستنير، وصفاء نفس. هذا هو الكلّ في نهاية المطاف. هذه هي الهيزيخيا.!!.
(الأب “ثيوفيل برايان” الرّومانيّ الضّرير)
No Result
View All Result