
حادثة بقاعكفرا ومار أنطونيوس البدواني عام 1957
كتب فادي شربل داود
في عام 1957، حصلت حادثة لافتة في بقاعكفرا بطلتها امرأة تُدعى أدال. كانت تقيم في أحد أحياء البلدة، قرب منزل المرحوم قزحيا نكد. في أحد الأيام، وقع خلاف بينها وبين بعض عمال البلدية، إذ وضعوا مستوعب نفايات مقابل منزلها. وعدوها بنقله إلى مكان آخر، لكنهم عادوا وأثبتوه في ذات الموقع، غير آبهين باعتراضها.
في اليوم التالي، جلست أدال على “السطيحة” أمام منزلها، فإذا بها ترى كاهنًا بادريًا طويل القامة، حسن الطلعة، بملامح أوروبية، يرتدي ثوب مار أنطونيوس البدواني. تعجّبت من وجوده، وراحت تناديه لتسأله عن سبب زيارته بقاعكفرا، لكنه لم يجب. انتعلت حذاءها ونزلت الدرج مسرعة تلاحقه. وما إن وصلت إلى قرب منزل الخوري يوسف مخلوف حتى اختفى الكاهن فجأة، من دون أن يترك أي أثر.
تابعت أدال طريقها والتقت “إم ليشع” تكنس أمام بيتها، فسألتها إن كانت قد رأت كاهنًا يمر. أجابتها: “ما مرق حدا”. ازدادت حيرة أدال: هل كانت تحلم أم أن ما رأته كان حقيقة؟
في تلك الليلة، رأت في منامها ذلك الكاهن نفسه. اقترب منها، وعرّف عن نفسه قائلاً: “أنا مار أنطونيوس البدواني”. ثم طلب منها أن تُخبر عمال البلدية بعدم وضع مستوعب النفايات في ذلك المكان، لأنّه موضع مقدّس كان فيه دير قديم على اسمه.
استيقظت أدال فرِحة، وشعرت بالسلام. وفي اليوم التالي توجّهت إلى مبنى البلدية، وأخبرت الأعضاء بتفاصيل الحلم، وبطلب القديس. لكنهم سخروا منها، ولم يأخذوا كلامها على محمل الجد.
عند الظهر، وبينما كان العمّال يفرغون المستوعب، إذا بشهاب من النار يهبط من السماء ويسقط على مقربة منهم. ارتعدوا خوفًا، وتفرّقوا في الأرض، وقد أيقنوا أنّ ما قالته أدال لم يكن وهمًا. بعدها، نقلوا المستوعب من المكان، احترامًا للقديس وموضع الدير القديم.
في صباح اليوم التالي، توجّهت أدال إلى سيّدة طاعنة في السن من عائلة تادروس، تجاوز عمرها 113 عامًا، وسألتها إن كانت تعرف شيئًا عن دير لمار أنطونيوس في تلك المحلّة. فأجابت العجوز: “جدّتي كانت تقول إنّ هناك ديرًا بُني على اسم مار أنطونيوس البدواني، أقامه الصليبيّون يوم كان لهم موطئ قدم في إقطاعية بشري، أي بويسيرا، التابعة لكونتية طرابلس. لكنّ الدير تهدّم مع الزمن، واستخدم أهالي القرية حجارته لبناء منازلهم، ولم يبقَ له أثر”.
مرّت الأعوام، وبعد أكثر من نصف قرن على هذه الحادثة، بادر أحد أبناء بقاعكفرا، ومعه جمع من الأهالي، إلى تشييد “كابيلا” على اسم القديس أنطونيوس البدواني، في الساحة السفلية للقرية، بالقرب من الموقع القديم للدير. وُضع تمثال كبير للقديس داخل الكابيلا، وفوقها نُصِب تمثال شفيع بقاعكفرا والعالم أجمع، القديس شربل مخلوف….
للقديس أنطونيوس البدواني مكرِّمون كُثُر في منطقة جبة بشري. وتنتشر كنائس تحمل اسمه في أغلب القرى، أبرزها في بشري، وكنيسة برحليون حيث هو شفيع البلدة، إلى جانب دير ومحبسة مار أنطونيوس البدواني في وادي حولات – حدشيت، في عمق الوادي المقدّس.
يا مار أنطونيوس البادواني ، يا رسول العجائب
تعال إلى أرضنا كما أتيت إلى أدال
أنر عقولنا واحم قرانا من كل دنس
أزل عنا شوائب الإهمال
واجعل من بيوتنا بيوت صلاة وسلام.
أشرق علينا بنورك
وكن معنا في دروب الحياة
كما كنت دائماً شفيع الضائعين
وهادي التائهين
وملجأ البائسين
آمين
( جميع الحقوق محفوظة للناشر )
فادي شربل داود
١٢ حزيران ٢٠٢٥
No Result
View All Result