
الثالوث الأقدس
إله واحد في ثلاثة أقانيم
إشارة الصليب:
باسم الآب والابن والروح القدس، الاله الواحد. آمين.
إشارة الصليب هي الإيمان بوجود إله واحد بثلاثة أقانيم. إنها جوهر الإيمان المسيحي.
إن الله “إله حي”. والحياة “علاقة”، “محبة”. التأمل في المحبة يؤكد لنا أنه لا يمكن أن يكون الله كائناً فرداً منفرداً. الحياة تقتضي التقابل فالتبادل… لذا كان لا بدّ لله الأزلي من مقابل أزلي مثله يتبادل معه المحبة… وها قد أوحى لنا بذاته: إنه “عائلة إلهية”: “الثالوث القدوس”.
إن الله “محبة”. وهذه المحبة الثالوثية فاضت، فكان الخلق، وكان التجسّد، وكان الفداء. والصليب هو التعبير المذهل عن “جنون” محبة الله لنا.
يسوع كشف لنا سر الله:
-
الله “أب” ونحن له أبناء.
-
الله “ابن” ونحن له إخوة بالتبني.
-
الله “روح قدس” إنه المحبة التي تربط الآب والابن. هو “الحب المقدّس” الذي يجعلنا نذهب إلى الآب بالابن.
-
الآب هو ضابط الكل، خالق السماوات والأرض، كل ما يرى وما لا يرى.
-
يسوع هو الابن “المساوي للآب في الجوهر”. إنه معه طبيعة واحدة، ومشيئة واحدة، وفعل واحد. هو “الكلمة” الذي به “يقول” الآب ذاته كلّيّاً. هذا ما أكّده لنا: “من رآني، رأى الآب… أنا في الآب، والآب فيّ… أنا والآب واحد” (يو 14/10) “لقد دفع إليّ أبي كلّ شيء… جميعُ ما هو للآب فهو لي” (متى 11/27) وقال فيه الآب: “هذا هو ابني الحبيب، الذي به سررت” (متى 17/5)
-
الروح: الحب، عند البشر، عاطفة. الحبّ، في الله، أقنوم! إنه المنبثق من الآب والابن، الترجمة الأقنومية لحبهما المتبادل.
عندما نقول “باسم الآب…” نؤكّد أن الله أرسلنا في مهمة ينبغي لنا أن نقوم بها بأمانة. أية مهمة؟
-
مشاركة الآب في الخلق.
-
مشاركة الابن بالفداء هذه وظيفتنا على الأرض أي رسالتنا وقداستنا.
-
مشاركة الروح بالمحبة.
حركات إشارة الصليب:
عند إشارة الصليب، نلمس جبهتنا: يعني أننا نكرس لله أفكارنا. ثم نلمس صدرنا، أي نكرس له قلبنا، عواطفنا. ثم كتفينا، أي نكرس له أعمالنا. هذا التكريس هو التزام في خدمته في العالم.
حركة اليد من الجبهة إلى الصدر تعني الارتباط القائم بيننا وبين الله. (علاقة عامودية)
وحركة اليد من الكتف إلى الكتف تعني ارتباطنا بإخوتنا البشر وهي تمثّل انفتاح ذراعَي المصلوب… (علاقة أفقية) هذا الانفتاح يتطلب منا محبة حتى بذل الذات كالمصلوب.
كلمة يسوع:
“اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس…”، (متى 28/19)
في العماد نصبح مسيحيين باسم الثالوث ومصيرنا أن نكون يوماً، مع الابن، الى يمين الآب. ونصيبنا أن نكون منذ الآن، بالمحبة، مقاما للآب والابن والروح القدس… وإن الوحدة القائمة في الثالوث هي مثال الوحدة التي ينبغي أن تكون فيما بيننا.
النفس، في حال النعمة، مقرّ الثالوث.
إن الله قد خلقنا على صورته كمثاله. هو إذن مثالنا في الكيان وفي الحياة. الثالوث هو بيتنا الحقيقي…
“إذا أحبني أحد، حفظ كلامي فأحبه أبي ونأتي إليه فنجعل لنا عنده مُقامنا” (يو 14/23)
يقول القديس جان ماري فينّاي: “إن النفس سماء مصغّرة”.
تقول القديسة تريزيا دافيلا:
“لو أني أدركتُ، كما أدرك الآن، أن ملكاً عظيماً يسكن في قصر نفسي الوضيع، لما كنت أتركه وحده، بل أجالسه من وقت إلى آخر، وأجتهد لئلا يكون قصره في حال من الوسخ.”
والقديسة أليصابات الثالوث الأقدس: “لقد وجدتُ السماء على الأرض، إذ إن السماء هي الله، والله في قلبي!”
نحن على صورة الله إذن نحن مدعوين لعيش المحبة. قطع العلاقات بيننا هو تشويه فينا لصورة الثالوث.
خلق الله العالم في عمل مجاني مطلق، ناتج عن المحبة، كي يكون هناك مخلوقات تشاركه الحياة والفرح. لذلك، فإن للصداقة في حياتنا وللحب وللاحترام، مكانة كبرى في بلوغ السعادة.
إن حلم كل جماعة بشرية أن تسود الوحدة بين أعضائها، من دون أن تُمسّ الميزات الشخصية. هكذا في الله وحدةُ كيان وفكر ومشيئة وفعل، من دون ذوبان.
الثالوث وأبعاد الإنسان الثلاثة:
-
البعد العامودي، أي علاقته بكل ما ومن هو أعلى منه كالوالدين، والرؤساء، وبعض القيم (الوطن، التراث…).
-
البعد الأفقي، أي علاقته بكل ما أو من هو حوله كإخوته وأصدقائه وزملائه، وبعض القيم العامّة كالأخوة والمساواة.
-
البُعد الباطنيّ، أي علاقته بما هو في داخله، عالم النفس والروح والغريزة والحدس، والقيم الباطنية ينابيع الكيان الإنساني.
هذه الأبعاد الثلاثة، والتصرّف اللائق بها، أمور ضرورية لاكتمال الشخصية الإنسانية. فمن يرفض البُعد العمودي، يصبح كائناً متمرداً، فوضوياً، وعاجزاً… ومن يرفض البعد الأفقي يصبح كائناً غريباً في العالم، أنانياً، لا تهمّه العدالة… ومن يرفض البعد الباطنيّ، يصبح كائناً سطحياً وتافهاً… أما الذي يتقبّلها، ويُقيم لها وزناً واعتباراً، فإنه يجد فيها الله…
-
في البعد العمودي، إلهُنا هو ذلك الأب الذي أكبّ على عنق ابنه الشاطر، يشبعه ضماً وتقبيلاً، بعد أن تركه ينشطر عنه ليحيا الحياة التي أراد لأنه، مع محبته وحنانه، يحترم حريّة ابنه. هذا الإله، نحن له أبناء، وله علينا حقّ التصرّف كأبناء…
-
في البعد الأفقي، إلهُنا هو ذلك الذي، بيسوع المسيح، صار إنساناً من أجلنا، وصديقاً ووجهاً مشرقاً. هذا الإله، نحن له إخوة، وله علينا حق التصرّف الأخوي…
-
في البعد الباطني، إلهُنا روحٌ في باطننا. نحن له مَسكِن، وله علينا حق الحياة الداخلية الأليفة.
هكذا فإن الله فوقنا (“أبانا الذي في السماوات”)، ومعنا (في المسيح حاضر في الإفخارستيا وفي القريب)، وفينا (روح روحنا).
كلّما فهمنا المحبة وعشناها، كلما دخلنا قلب الثالوث. لما تأنّس الابن صار لنا أخاً، وأبوه أباً، وروحُه روحاً في أعماقنا.
لهذا السبب يتجرّأ القديس “إيرينايُس” ويقول: “الله صار إنسانا ليؤله الإنسان”، أي ليدخله في سر “المحبة”.
No Result
View All Result