ظاهرة الإدمان
اتسمت الجهود الدولية لمراقبة المخدرات فى الماضى بدرجة كبيرة من الاستقطابية.فمن ناحية كانت هناك البلدان المنتجة لهذه المخدرات ومن ناحية أخرى كانت هناك البلدان المستهلكة. وقد تغيرت هذه الصورة بصورة جذرية فى الفترة الأخيرة بسبب التوافر المتزايد للمواد الصيدلية الباعثة للاضطرابات النفسية، واليوم أصبحت غالبية الدول التى صادفت المشاكل المرتبطة بالمخدرات دولا منتجة ومستهلكة على حد سواء. وكان على البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء أن تواجه داخل حدودها الخاصة المشاكل الدولية المرتبطة فيما بينها والمتعلقة بالعرض غير المشروع والطلب غير المشروع والاتجار غير المشروع فى المخدرات .
إن العرض ( ويتضمن التهريب) والطلب يعززان ويدعمان الواحد منهما الآخر فى تنمية إساءة استعمال المخدرات والإبقاء عليها ، وتواصل الدائرة المفرغة للطلب المتزايد والعرض المتزايد، خلق الأنشطة غير المشروعة في المخدرات والمشاكل المرتبطة بها.
وينبع هذا إلى حد كبير من طبيعة الطلب على المخدرات ،الذي يتسم غالبا بسمتين مميزتين:
– الأولى هي الدافع الذي لا يقاوم من جانب المستعمل لتعاطي المخدر على أساس مستمر،أو دوري ليختبر تأثيره النفسي أو ليتجنب مشقة غيابه
– الثانية هي تطور القدرة على تحمله ومن ثم تصبح كميته متزايدة ومطلوبة لتحقيق الآثار المرغوبة
ويفسر هذان العاملان الدافع الذى لا يقاوم لاستمرار الاستعمال وتطور القدرة على الاحتمال، ولماذا تفشل باستمرار سياسات مراقبة المخدرات التى تستبعد تدابير خفض الطلب .
والسؤال الذي يُطرح دائما هو لماذا يدمن البعض بينما يستطيع الآخرون مقاومة مشكلة الإدمان ؟؟
والجواب أن الفرد يصبح عرضة للإدمان على المخدرات تحت الظروف الآتية:
1- أن يكون جاهلا بمخاطر استعمال المخدرات
2- أن يكون فى حالة صحية ضعيفة وغير راض عن نوعية حياته
3- أن تكون شخصيته ضعيفة التكامل
4- أن يعيش فى بيئة غير مناسبة
5- أن يصادف كثيرا المواد المحدثة للإدمان سهلة التوافر
وبالعكس تقل كثيرا الأخطار التى تواجه فردا مطلعا ،سليما صحيا،متكامل الشخصية وله فرصة محدودة فى الوصول للمخدرات المسببة للإدمان ويعيش فى ظروف مناسبة اقتصادية وأسرية،أو شعوره بأعراض تزعجه عند تجربه المخدر فينفر منه ولا يعود إلى استعماله مرة أخرى.
ومن ثم ينبغى أن يكون للسياسات والبرامج التى تهدف إلى خفض الطلب غير المشروع على المخدرات تأثير على العناصر التى تساعد على الإدمان واستمراره ويستدعى هذا عمل تدابير للوقاية فى القطاعات العامة والتربوية، وخدمات فى قطاع الصحة العامة والنفسية ،والرقابة على توافر المخدرات المولدة للإدمان، وتنمية قوية فى البيئة الاجتماعية والمادية.
ويمكن تطبيق التدابير الوقائية على ثلاثة مستويات وهى:
1- الوقاية من الدرجة الأولى: وتحاول منع حدوث مشكلة الإدمان، أو تقليل معدل وقوعها .
2- الوقاية من الدرجة الثانية: تحاول خفض عدد الأشخاص المدمنين على المخدرات حاليا.
3- الوقاية من الدرجة الثالثة: وتهدف إلى تخفيض آثار الاستعمال المضر للمخدر وتكون عادة من خلال العلاج والتأهيل وإعادة الاندماج الاجتماعي.
ونظرا لأن هناك الكثير من المصطلحات العلمية التى سوف يتناولها هذا الكتاب فقد وجب البدء فى الإلمام بمعاني هذه المصطلحات.
تعريف مصطلح الأدوية
نتيجة لازدياد الأثر الاجتماعي والطبي للأدوية أضيفت مصطلحات جديدة إلى لغة الدواء. فعرف الدواء بأنه مادة تؤخذ للوقاية أو العلاج من المرض. ولم يمض وقت طويل حتى سميت عملية تناول الأدوية التى تتسبب فى إلحاق ضرر اجتماعي أو صحي بمن يتناولها “إساءة استعمال الدواء “. وكان الإدمان على الأفيون ومشتقاته من المشكلات الأولي التى نجمت عن إساءة استعمال الأدوية وقد اشتقت مصطلحات كثيرة تتعلق بالدواء من حيث تعريف تلك المشكلة وعلاجها. وعرفت منظمة الصحة العالمية (WHO) المدمن والإدمان. ولكن مع زيادة استعمال أدوية أخرى تبعث النشوة فى النفس نشأت مصطلحات أخرى. فوصف منظمة الصحة العالمية للمدمن مثلا لا ينطبق على المدمنين ممن يستعملون الأدوية المؤثرة نفسانياً فقد وصفت منظمة الصحة العالمية الإدمان بأنه حالة التزم معها المدمن بالمخدر جسمانيا وعقليا وارتقي سلم قوة الاحتمال بثبات وأصبحت مشكلة اجتماعية على أن كثيراً من الأدوية الجديدة لم تسفر عن اعتماد جسماني. ولكن الدافع العقلي إلى تناولها لا يزال قوياً وبه ضراوة تصعب مقاومتها.
*****
العقار والمخدر :
ذكر د.هانى عرموش – فى كتاب المخدرات – العقار بأنه” أي مادة إذا تناولها الكائن الحي أدت إلى تغيير وظيفة أو أكثر من وظائفه الفسيولوجية أما المخدر فهو العقار الذي يؤدي تعاطيه إلى تغيير حالة الإنسان المزاجية وليس الجسدية”.
ومن التعريفين السابقين يتضح لنا أن أية مادة مخدرة هى عقار، ولكن ليس كل عقار هو مادة مخدرة.
وسيتم التركيز فى هذا الكتاب على الأدوية المؤثرة نفسياً والتى تحدث تغيرا فى مسلك الفرد. وهذا لا يتطلب مجرد إلقاء نظرة على التأثير الدوائى للأدوية والمخدرات و إنما يتطلب ذلك فحص خواص المادة ودراسة الطريقة التى تتفاعل بها هذه المادة مع الكائن الحى. وليس هناك ما يمكن تسميته أثرا واحدا للدواء،ذلك لان للأدوية جميعا آثارا متعددة تتفاوت بتفاوت مستوى الجرعات وبين شخص وأخروتتأثر إلى حد بعيد بالزمان والمكان. وآثار المخدر هى عبارة عن محصلة التفاعل بين الدواء ووضع الفرد الجسدي والنفسي والاجتماعي.
ظاهرة التحمل :
يقوم الجسم بتحطيم وطرد كل ما يدخله من عقاقير. ومن البديهي أن مقدرة الأجسام على فعل ذلك تختلف بين شخص وآخر تجاه نفس العقار. وعندما يتناول المرء عقاراً مخدراً فإن ما يحدث داخل جسمه يمكن توضحيه على النحو التالي:
1- يقوم الجسم، فى المرة الأولي لتناول العقار بتحطيمه وطرده إلى خارج الجسم، ولدى تكرار تناوله فإن مقدرة الجسم على تحطمه وطرده تزداد بسب النشاط الزائد للأنزيمات المحطمة لهذا العقار فى الكبد، مما يستدعي زيادة الكمية المأخوذة فى المرات اللاحقة، وباستمرار، للحصول على نفس المفعول الحادث فى المرات السابقة.
2- ومن جهة ثانية، إذا استمر نفس الشخص بتناول نفس الكمية السابقة من نفس العقار، فإن خلايا جهازه العصبي تعتاد على ذلك العقار ولا تعود تتأثر به كالسابق، وبالتالي تحتاج إلى كمية أكبر للحصول على التأثير السابق نفسه.
وخلاصة القول: إن زيادة مقدرة الجسم على تحطيم العقار من جهة، وتعوده عليه من جهة أخرى، وبالتالي حاجته إلى كمية أكبر للحصول على نفس التأثير السابق هو ما يسمي بظاهرة التحمل..
سوء استعمال العقاقير:
سوء استخدام العقاقير هو الإسراف فى تناول العقاقير دون أخذ رأي الطبيب، وغالباً ما يؤدي سوء الاستعمال هذا إلى إدمان العقار المستعمل. وبمعني آخر هو سوء الاستعمال الذى يتم دون رأي الطبيب والذي يؤدي إلى الاعتماد النفسي، والجسدي أو كليهما معاً.
ظاهرة الاعتماد:
عرفت منظمة الصحة العالمية عام 1973 الاعتماد بما معناه:
“هو حالة من التسمم الدوري أو المزمن الضار للفرد والمجتمع ، وينشأ بسبب الاستعمال المتكرر للعقار الطبيعي أو”المصنع” ويتصف بقدرته على إحداث رغبة، أو حاجة ملحة لا يمكن قهرها أو مقاومتها، للاستمرار على تناول العقار والسعي الجاد للحصول عليه بأية وسيلة ممكنة، لتجنب الآثار المزعجة المترتبة على عدم توفره، كما يتصف بالميل نحو زيادة كمية الجرعة، ويسبب حالة من الاعتماد النفسي أو العضوي على العقار، وقد يدمن المتعاطي على أكثر من مادة واحدة”.
ويضاف إلى التعريف السابق ما يلي :
– يؤدي الاعتماد إلى حدوث رغبة ملحة فى الاستمرار على تعاطي العقار والحصول عليه بأية وسيلة .
– ضرورة زيادة الجرعة بالتدريج وباستمرار، لتعود الجسم عليه، وإن كان بعض المدمنين يداوم على جرعة ثابتة.
– حدوث اعتياد نفسي واعتماد جسدي على العقار المستعمل.
– ظهور أعراض نفسية وجسمية مميزة لكل عقار عند الامتناع عنه فجأة.
– تظهر الآثار الضارة على المدمن وعلى المجتمع معاً.
كل ذلك يعني أن إدمان الشيء هو الاعتماد عليه فى الحياة، واعتماد الشخص على العقار يعني أن نشاطه العادي وحياته اليومية مرتبطتان بتناول ذلك العقار ليحافظ على وجوده فى دمه بنسبة ثابتة وبشكل دائم، فإذا انخفضت هذه النسبة فى دم المدمن، أدى ذلك إلى توقفه عن العمل وعن كل نشاط سوى البحث عن العقار المطلوب، وذلك يعني بوضوح، اعتماد الشخص فى كل أنشطته الحياتية على استمراره فى تناول العقار وهذه هي ظاهرة الاعتماد.
*****
هل كل إنسان يستعمل عقاراً معيناً مدة من الزمن هو إنسان مدمن؟؟
علينا أن نميز هنا أن اعتماد الشخص على العقاقير ، ليضمن استمرار حياته أو ليضمن عدم إصابته بمضاعفات خطيرة، كحالة مريض البول السكري الذى يعتمد على الأنسولين ويكرر الحقن بانتظام ليحافظ على مستوى السكر فى دمه ضمن الحدود الطبيعية، أو كحالة المصاب بارتفاع ضغط الدم الذى يضطر فيه المريض لأخذ أدوية خافضة لضغط الدم ليضمن عدم ارتفاع ضغطه بشكل خطر على حياته، وكحالة مريض الصرع الذى يتعاطى العلاج لمدد طويلة وغيرهما من الحالات المرضية.
علينا أن نميز أن جميع هذه الحالات ومشابهاتها لا تدخل ضمن التعريف الذى يطلق على مدمن المخدرات. فتعبير الاعتماد على العقاقير يقصد به الاعتماد على العقاقير المغيرة للحالة المزاجية للإنسان فقط، والتى هى خارج نطاق الاستعمال الطبي كالحالات المذكورة سابقاً.
وبعد ما أوضحنا أن سوء استعمال العقاقير يؤدي إلى الاعتماد عليها، لابد لنا من ملاحظة أن العقاقير المخدرة ليست كلها نوعاً واحداً ،ولا تتعاطى بطريقة واحدة ، وبالتالي ليس لها تأثير واحد على الإنسان، والاعتماد الذى تسببه يمكن تقسيمه إلى نوعين رئيسيين هما: الاعتماد النفسي، والاعتماد الجسدي أو العضوي.
أ- الاعتماد النفسي:
يتعلق الاعتماد النفسي بالشعور والأحاسيس ولا علاقة له بالجسد، وهو تعود الشخص على الاستمرار فى تعاطي عقار ما ، لما يسببه من الشعور بالارتياح والإشباع دون أن يعتمد عليه فى استمرار حياته. وبتعبير آخر هو ظاهرة نفسية اعتاد فيها عقل الشخص وتكيف على تكرار أخذ الجرعة من العقار بصورة متصلة، لتحقيق الراحة واللذة والنشوة ولتجنيب الشعور بالقلق والتوتر. فالاعتياد على شيء يجعل الترابط متيناً مع هذا الشيء، ويجعل الابتعاد عنه من الأمور الصعبة بل شبه مستحيلة أحياناً.
ويتصف الاعتماد النفسي ( أو التعود ) بشكل عام بالصفات الشاملة التالية:
1-وجود رغبة مستمرة فى أخذ جرعات دائمة من العقار لما يحدثه من راحة.
2- عدم وجود ظاهرة التحمل، أى عدم وجود حاجة لزيادة الجرعة.
3- يحدث التعود على عقار معين اعتماداً نفسياً فقط ولا يحدث اعتماداً جسدياً.
ونذكر كمثال على ذلك المخدرات التى تسبب اعتماداً نفسياً: التبغ الحشيش القات الكافئين الكوكايين وهو أشدها تأثيراً.
ب- الاعتماد الجسدي:
هو ظاهرة اضطربت فيها الأعمال الوظيفية الطبيعية لجسم المدمن بسبب استمراره فى أخذ عقار مخدر، بحيث أصبح تناول هذا العقار، بشكل طبيعي دائم ضرورة ملحة لاستمرار حياة الإنسان المدمن وتوازنه بشكل طبيعي، ويصبح العقار المخدر ضرورياً له كالطعام والشراب والماء، بل أهم من ذلك، بحيث يحدث منعه عنه مصاعب كبيرة جداً وأعراضاً خطيرة قد تدفعه إلى ارتكاب أية جريمة للحصول على العقار المخدر المنشود، أو ربما يسبب له الوفاة المفاجئة أحياناً. ونذكر كمثال على المخدرات التى تسبب اعتماداً جسدياً: المنومات الخمور الهيروين وهو أشدها تأثيراً .
*****
ويظن بعض الأشخاص أن الاعتماد النفسي أمر قليل الأهمية، أو أنه أقل أهمية من الاعتماد الجسدي. وربما يرجع ذلك الاعتقاد إلى ما يحدثه الاعتماد الجسدي من آلام وتشنجات وهياج وظواهر غير مألوفة ومضاعفات أخرى ( قد تؤدى إلى الموت أو الانتحار أحياناً ) عند المدمن إذا توقف فجأة، ولسبب من الأسباب، عن تناول جرعة المخدر المعتادة. ولكن رغم كل ذلك فإن ظاهرة الامتناع، التى يسببها الاعتماد الجسدي، ينتهي تأثيرها خلال أيام قليلة، ويعود الجسم إلى طبيعته الأولى، وينتهي الأمر كله خلال فترة زمنية محدودة، ويمكن أن تمر المرحلة بسلام وهدوء إذا تم العلاج تحت إشراف أطباء متخصصين وبطرق فعالة.
أما الاعتماد النفسي فهو أمر آخر نستطيع أن نشبهه بمغناطيس قوي المفعول يجذب له الإنسان بشكل مستمر ولفترات زمنية طويلة قد تدوم مدى الحياة، ولا يستطيع عادة أن يسيطر على تلك العوامل النفسية القوية إلا رجال قليلون يتمتعون بإرادة قوية. وحسبنا مثالاً على ذلك أن مدمن المخدرات، سواء أكان منها الحشيش أو الهيروين أو غيرها، عندما يخرج من السجن أو المستشفى بعد فترة طويلة، غالباً ما يتجه مباشرة إلى تاجر المخدرات قبل ذهابه إلى منزله، أو أنه يعود إلى تعاطي المخدر بعد عدة أيام، أو بمجرد مجالسته لأصدقائه القدامى.
ظاهرة سحب العقار:
يصاب المدمن الذى أدمن عقاراً يسبب اعتماداً جسدياً، إذا توقف طوعاً أو قسراً عن أخذ المخدر الذى أدمنه، بمجموعة من لاضطرابات الجسمية والنفسية والعقلية تشكل بمجموعها أعراضاً خاصة تسمى ظاهرة سحب العقار، وهى أعراض شديدة الوقع على المدمن، وقد تكون وخيمة العواقب لدرجة أنها تسبب وفاته أحياناً، كما أنها ترتبط بنوع العقار الذى أدمنه المتعاطي.
ظاهرة التداخل:
هي تحمل المرء لمقدار أكبر من مخدر ما إذا كان مدمناً على مخدر آخر له تأثير مشابه على جسم الإنسان. مثال ذلك المدمن على المنومات يتحمل كميات أكبر من الكحول والعكس صحيح.
******
وأخيرا فتعتبر جميع الأدوية خطرة على الأفراد عند مستوى معين وفى ظل ظروف معينة. وبعض الأدوية اكثر خطرا من أدوية أخرى وبعض الأفراد اكثر حساسية للأدوية من غيرهم.ولذلك فان استخدام أى دواء بدون استشارة الطبيب يعتبر مغامرة محفوفة بالمخاطر.
Discussion about this post