إدمان المخدرات والكحول من الآفات الإجتماعية المدمّرة التي ينبغي مكافحتها. لكن مصطلح «مدمن» يطال شريحة من الناس لا تقتصر على مدمني المخدرات والكحول أو السجائر حتى، فثمة من يدمن الإنترنت أو التسوق، أو حتى العمل…!
وإذا لم تكن جميع أنواع الإدمان متساوية في خطورتها وضررها، فإن لكل منها انعكاساته السلبية على المدمن وعلى المحيطين به.
ما هو الإدمان؟
الإدمان حالة مَرَضية من الاعتماد النفسي والجسدي على مادة تحتوي عناصر مسكّنة أو منبّّهة، أو على سلوك ما. ومن شأن هذا الاعتماد أن يؤدي بالفرد الى الشعور برغبة ملحة للحصول على المادة أو ممارسة السلوك الذي أدمن عليه بأية وسيلة.
يميّز الإختصاصيون بين إدمان مادي وآخر سلوكي. ويُقصد بالإدمان المادي بشكل خاص إدمان المخدرات أو الكحول والمهدئات، بينما يطال الإدمان السلوكي ممنوعات ومحظورات مثل الميسر، أو نشاطات عادية يؤدي استحواذها على شخص ما ومبالغته في الانصراف اليها، الى جعل سلوكه غير مقبول. بل مصدر ضرر له وللمحيطين به. في هذا السياق يمكن التحدث عن إدمان الانترنت، أو التسوق، أو العمل أو الرياضة أو الطعام.
غالباً ما تكون أسباب الإدمان ذات منشأ نفسي واجتماعي، وأحياناً يقترن نوع الإدمان (المادي والسلوكي) عند شخص واحد، أو يكون أحدهما سبباً للوصول الى الآخر.
الإدمان المادي:
نبدأ من الإدمان المادي مع الطبيب النفسي الدكتور فؤاد طحان الذي يحدّد الإدمان على المخدرات والكحول «بحالة تعاطي المخدرات أو الكحول بشكل مستمر وصولاً الى التبعية الجسدية أو النفسية أو الإثنتين معاً».
ويضيف:
«المخدر يمنح المتعاطي في المرحلة الأولى شعوراً بالسعادة والهدوء، فيندفع الى زيادة الجرعة تدريجاً ليدخل في دائرة الإدمان ويصبح أسيراً للمخدر، هاجسه الوحيد الحصول عليه مهما كلفه ذلك. فمدمن المخدرات والكحول يحاول التهرّب من المناسبات الاجتماعية، يصبح إنفعالياً وقد يلجأ الى السرقة أو حتى القتل من أجل الحصول على المادة التي أدمن عليها».
أسباب الإدمان متعددة، ويقول الدكتور طحان: «بعض هذه الأسباب يرتبط بالعوامل الإجتماعية والثقافية وبالمشاكل والضغوطات التي يعيشها الفرد، ومنها ما يرتبط بالحشرية وبمعشر السوء الذي يدفع الشباب خصوصاً الى تعاطي المخدرات.
وقد تكون أسباب الإدمان نفسية، إذ يلجأ الى المخدرات أو الكحول بعض من يعاني مرضاً نفسياً أو حالات إكتئاب وقلق مزمن، أو أمراضاً عصبية، أو من يكونون ذوي شخصية مَرَضية، غير متزنة، أو لا إجتماعية».
الإدمان السلوكي:
يمكن تحديد الإدمان السلوكي بأنه سيطرة فكرة على شخص ما لتتحوّل الى هوس، فتسرق الكثير من وقته واهتماماته، ويسعى للوصول اليها مستخدماً الوسائل كافة، على الرغم من وعيه الى نتائجها ومخاطرها. وهذا النوع من الإدمان كثير الإنتشار لكنه غير ظاهر وجلي كما في حالة الإدمان المادي.
المسبب الرئيس لهذا النوع من الإدمان هو التسلية لكنه يتحوّل شيئاً فشيئاً الى مرض متأثراً بعامل الوقت. في هذا الإطار تتحدث المعالجة النفسية الدكتورة رانيا فيصل عن إدمان الانترنت والكمبيوتر والجنس والعمل وسوى ذلك من نشاطات طبيعية تتحول الى إدمان عندما تتخطى ممارستها الحدود المعقولة، وتؤثر بشكل سلبي على حياة الشخص وعلاقاته.
الكمبيوتر
الإدمان على الكمبيوتر بحسب الدكتورة فيصل «يصيب الكبار كما يصيب الصغار ويشمل الذكور والإناث، والمدمن على الكمبيوتر يهمل نشاطاته الأخرى ويسخّر كل وقته للجلوس أمام الشاشة فيقع في دوّامة تحمله على الهروب من الواقع ليعيش في عالم معلوماتي خيالي (كألعاب الڤيديو أو الألعاب الإلكترونية).
إلاّ أنّ هذا المدمن يتميّز بأنه يعي أن الكمبيوتر تحوّل الى هاجس استحوذ على تفكيره.
من آثار الإدمان على الكمبيوتر: إضطراب في النوم، زيادة في الوزن، الإصابة بآلام في الظهر وبانحناء في العمود الفقري، ضعف النظر، زيادة الشحنات الكهربائية في الدماغ، (تسبب الألزهايمر)، الإكتئاب، القلق، تقلّب المزاج والإنقطاع عن العلاقات الأسرية والعملية والإجتماعية».
الانترنت
يندرج ضمن الإدمان على الكمبيوتر الإدمان على الانترنت كما تتابع الدكتورة فيصل، موضحة «أنه هروب أو تجنّب للمشاكل الحياتية يترجح حالة من اللانضج الإجتماعي والعاطفي والعجز عن بناء هوية نفسية واجتماعية متينة. إذن إدمان الانترنت وليد حالة من عدم الشعور بقيمة شخصية ونفسية وبعدم التعرّف على الذات».
مدمن الانترنت يعجز عن الابتعاد عنه وعن التحكّم بالوقت المهدور أمامه على حساب نشاطات أخرى.
إستخدام الانترنت بات من الضروريات لشريحة كبرى من الناس فمتى يمكننا الحديث عن الإدمان. توضح الدكتورة فيصل هذه النقطة، وتعتبر أن مؤشرات إدمان الانترنت هي:
– الشعور بالسعادة القصوى وباللذة عند استخدام الانترنت.
-العجز عن الامتناع عن استخدامه.
– الرغبة والحاجة الى زيادة أوقات استخدامه.
-غياب الوقت المخصص للعائلة، للأصدقاء، للنشاطات وللعمل.
– غياب الإنتاجية وتراجع أداء الفرد في المدرسة أو في العمل.
– اللجوء الى الكذب على العائلة والأصدقاء لإخفاء الإدمان.
– الشعور بالإحباط وبالكآبة عند الإمتناع عن استخدامه.
التسوّق
التسوّق حاجة ومتعة لكن فعل الشراء يتحول الى نوع من الإدمان السلوكي بحسب الدكتورة فيصل، وهو «يولد في حالة من عدم الاتزان العاطفي، ويدفع بالشخص الى شراء أشياء غير مفيدة وتافهة، لكنه يتعلق بها ويرى فيها علاجاً للاكتئاب فتتملكه رغبة الشراء. واللافت أن هذا المدمن يبتاع السلعة نفسها بشكل متكرر ودائم وذلك في محاولة لمحاربة اضطراباته النفسية، وغالباً ما يشعر باليأس إذا امتنع عن الشراء».
الميسر
في حياة مدمن الميسر نجد غالباً والداً مدمناً كما تقول د. فيصل. وتضيف: «المدمنون على القمار يعجزون إجمالاً عن التحكّم بتصرفاتهم وعن حل مشاكلهم فيجدون فيه ملجأ يختبئون فيه من آلامهم وعذاباتهم النفسية، وهم يعتقدون أنه بإمكانهم التحكّم بمرضهم والسيطرة عليه. من مظاهر هذا النوع من الإدمان:
– سيطرة اللعب على أفكار الفرد فيصبح همه الوحيد كيف يؤمّن المال.
– السعي الى بلوغ حالة من الرضى واللذة القصوى عبر إنفاق مبالغ أكبر من المال على القمار.
– محاولات وجهود متواصلة للتحكم بالرغبة في اللعب أو الإمتناع عنه لكنها تكون غير مجدية.
– الشعور بالإحباط وبعدم الاستقرار والإصابة بنوبات غضب خلال محاولة الامتناع عن اللعب.
– التصميم على متابعة اللعب بعد الخسارة من أجل التعويض.
– اللجوء الى الكذب على العائلة، المعالج النفسي والمحيط.
– اللجوء الى سلوك لا شرعي كالتزوير، تبييض الأموال، الاحتيال… من أجل الحصول على مال.
ومن البدهي أن علاقات المدمن الأسرية والعملية والمهنية والإجتماعية تتعرض الى الخطر، وهو يصبح مضطراً الى الاعتماد على الآخرين للحصول على المال أو لحلّ الأزمات المادية، ما يغرقه في سلسلة من المشاكل التي قد تدمّر حياته».
الجنس
يمكن تحديد الإدمان على الجنس بأنه «صعوبة في إيجاد التوازن الداخلي، وفي توجيه حاجات الفرد ورغباته ومشاعره، فتصبح حاجته الجنسية رغبة لا تقاوم ولا تحتمل ولا يمكن التحكّم بها. والمدمنون على الجنس يخافون من النقص والوحدة كالمدمنين على المخدرات وهم سجناء سلوك يعزلهم عن المحيط ويحجّم حياتهم.
وتضيف فيصل:
يمر هؤلاء بعدة مراحل يهملون خلالها أسرتهم، محيطهم وعملهم كما أن العلاقات الجنسية المتكررة والخالية من أي ارتباط عاطفي تبعدهم عن كل من لا يدخلون في دائرة هذا الإدمان. إلاّ أنّ هذا السلوك المصحوب بشعور بالذنب يدفع بالمدمن الى إخفاء مرضه عن مجتمعه.
العمل
ينظر المجتمع الى غالبية أنواع الإدمان على أنها ذات طابع سلبي سواء كان إدماناً على الكحول، على القمار، الأكل… إلاّ أنّ الإدمان على العمل حالة استثنائية بحسب الدكتورة فيصل: «إنه اعتماد يظهر ايجابياً ومفيداً فيما نتائجه خطيرة. فالإدمان على العمل هو علاقة مَرَضية بين الفرد وعمله، تتميّز هذه العلاقة بالسعي الى تأمين المزيد من الوقت والطاقة لصالح العمل على حساب عناصر الحياة الأساسية».
وترى فيصل أن مدمن العمل «يعيش في جو من الضغط المزمن والمتواصل الذي يؤدي الى مشاكل جسدية – سلوكية ونفسية – عقلية.
سلوكياً تظهر العوارض بفقدان الشهية، اعتماد سلوك عنيف والميل الى تناول الكحول أو المهدئات أو الى التدخين.
نفسياً تترجم العوارض بالإحباط، الغضب، الكآبة، الحساسية المفرطة، القلق، اليأس، الانحطاط والشعور بعدم الأمان».
تأثير هذا النوع من الإدمان يشمل العائلة والزملاء. «فالمدمن على العمل يتميّز عادة في أسرته بشخصية مسيطرة ومتحكّمة وغالباً ما يتأثر الأطفال بسلوك الوالدين وقد يعانون أنفسهم المشكلة نفسها.
وللوهلة الأولى قد يبدو مفيداً لمؤسسة ما أن توظّف مدمناً على العمل، إلاّ أنّ هذا المدمن يصعب عليه العمل في مجموعة إذ أنه يميل الى السيطرة والتحكّم مما يؤدي الى خلق جو من التشنج ومن الإحباط النفسي والإرهاق المهني في المجموعة التي يعمل ضمنها. كما أنه حين يحل على المدمن التعب الذي يحقق له الرضى والإكتفاء واللذة، يصبح إنتاجه ضعيفاً ومليئاً بالشوائب».
علاج يعيد الاستقرار والتوازن
يستوجب الإدمان على أنواعه علاجاً يحقق للمدمن الاستقرار النفسي والتوازن ويسهل إعادة دمجه في المجتمع.
في ما يتعلق بالإدمان المادي فهو يتطلب علاجاً طبياً وآخر نفسياً. ويوضح الدكتور طحان أن العلاج يتم على مرحلتين:
– مرحلة الفطام أو مرحلة التخلص من السموم وتقتضي علاجاً طبياً يساعد جسد المتعاطي على القيام بوظائفه الطبيعية والتخلص من أعراض الامتناع عن المخدر بإعطاء أدوية معينة. كما يعطى المدمن خلال هذه المرحلة فيتامينات ويعالج من أمراض أخرى ناتجة عن الإدمان إذا ما وجدت كالسيدا أو الصفيرة. هذه المرحلة تستوجب إجمالاً البقاء في المستشفى.
– المرحلة الثانية هي مرحلة العلاج النفسي والاجتماعي أي العلاج الحقيقي للمدمن إذ أنها تركز على المشكلة للقضاء على أسبابها، وهذا العلاج الوقائي هدفه منع العودة الى الإدمان، ومعالجة مشاكل المدمن النفسية أو شخصيته المرضية، وتتضمن تدريبات عملية للمتعاطي على كيفية اتخاذ القرارات وحل المشاكل ومواجهة الضغوط وكيفية الاسترخاء والتأمل، كما يتمّ تدريبه على المهارات الإجتماعية كافة. تتابع هذه المرحلة في مراكز إعادة تأهيل، وهي تشمل التأهيل العملي أي تدريب المدمن وتأهيله لممارسة عمل، والتأهيل الإجتماعي أي إعادة دمج المدمن السابق في الأسرة والمجتمع وتحسين العلاقات بينهما، ومساعدته على استرداد ثقة أسرته ومجتمعه به كما تتمّ وقايته من النكسات».
في حالة الإدمان السلوكي يركز العلاج على معرفة الأسباب والظروف التي أوصلت المدمن الى ما هو عليه.
وتقول الدكتورة فيصل: «نعود الى ماضي المدمن، والى تاريخ عائلته ومحيطه، وبعد التقييم يحدّد المعالج النفسي الإستراتيجيات التي سيتبعها لعلاج المدمن من خلال علاج خلفيات الإدمان أي مسبباته.
فالإدمان آفة إجتماعية تدمّر الوعي الفردي والجماعي، وهو سواء كان إدماناً مادياً أو سلوكياً، يجب البحث عن أسبابه الأساسية في طفولة المريض، كطريقة معاملة الأهل له أو الأصدقاء، الصدمات النفسية أو العقلية التي أصيب بها… إذن يجب دوماً البحث عن السبب فهو مفتاح الحل والعلاج».
بين التعاطي و الإدمان
– التعاطي هو اعتماد الفرد على مقدار محدّد من مادة ما أو نسبة معينة من سلوك ما لفترة طويلة، إنما بشكل متقطع.
وعلى الرغم من تأثير هذه المادة أو هذا السلوك على حياة الفرد الإجتماعية فهو يتابع حياته ونشاطاته الاعتيادية، ويظل قادراً على الامتناع عن التعاطي.
– الإدمان هو تعلّق الفرد بمادة ما أو بسلوك ما لفترة طويلة وبشكل متواصل ومتكرر، والمدمن لا يكتفي بمقدار معين مما أدمن عليه بل يرغب دائماً بالأكثر، وفي حال فقدان المخدر قد يستبدله بأي مادة أخرى. تعتري المدمن رغبة بالامتناع عن الإدمان لكنه يعجز عن ذلك، وقد يهدم حياته من مختلف جوانبها للحصول على ما أدمن عليه
|
Discussion about this post