في عناية الله ومحبته للبشر واستعداد النفس للدينونة
للقديس مار أفرام السرياني ملفان الكنائس السورية
هلموا يا إخوتي فأسمعوا مشورة إفرآم الخاطئ الفاقد الأدب، فها قد بلغ إلينا يا أحبتي ذلك اليوم المخوف المرعب، ونحن بما أننا متوانون نتنزه غير مؤثرين أن نتفطًا في عبور هذا الزمان اليسير، ونحرص أن نستغفر اللـه، لأن الأيام والشهور تعبر كمنام، ومثل ظلال مسائي ليوافي بإسراع ورود المسيح المرهوب العظيم، لأن ذلك اليوم بالحقيقة مرهوب للذين لم يؤثروا أن يعملوا مشيئة الله ويخلصوا.
فأتضرع إليكم يا إخوتي هلموا فلنطرح هنا الاهتمام بالأمور الأرضية، لأن كافة الأشياء تزول كلها وتبيد، لا ينفعنا في تلك الساعة سوى الأعمال الصالحة التي اكتسبناها من هنا، لأن كل واحد مزمع أن يحمل أقواله وأعماله قدام مجلس قضاء الحاكم المقسط.
فالقلب يرتعد والكليتين تتغيران إذا صار هناك إشهار الأعمال وتحقيق الفحص عن الأفكار والأقوال، خوف عظيم يا إخوتي، رعدة عظيمة يا خلاني، من ترى لا يرتعد من لا يبكي من لا ينتحب، لأن هناك تُشهر الأفعال التي عملها كل واحد في السر والظلمة.
أفهموا يا إخوتي هذا المعنى الذي أقوله لكم، إذ أمنح مودتكم إقناعًا حقيقيًا. الأشجار المثمرة من باطنها تبرز الثمر مع الورق في أوان الإثمار، ولا تكتسي الشجر من خارجها جمالها حسن بَهائها لكن من باطنها بأمر الله تينع الثمر، كل واحدة منها بطباعها.
هكذا في ذلك اليوم المرهوب تبرز كافة أجسام الناس، وتينع كل الأشياء التي عملتها إن كانت صالحة أو خبيثة، ويحمل كل واحد قدام مجلس قضاء الحاكم المهول عمله كثمر، وكلامه كورق.
فالصديقون يحملون ثمرًا جيدًا ومطربًا، القديسون يحملون الثمر العطر نضارته، الشهداء يحملون فخر اصطبارهم على العذابات والعقوبات، النساك يحملون النسك والحمية والسهر والصلاة.
والناس الخطاة المدنسون المنافقون يحملون هناك ثمرًا قبيحًا متهريًا، ويكونون مملوئين نحيبًا وحزنًا وعبرات حيث دود لا يرقد ونار لا تخمد.
مهول يا إخوتي مجلس القضاء لأن كافة الأشياء تظهر بغير شهود، الأفعال، الكلام، الأفكار، النتائج، وبمحضر الماثلين ربوات ربوات، وألوف ألوف، ملائكة ورؤساء ملائكة، الشاروبيم والساروفيم، الصديقون والقديسون، الأنبياء والرسل، الجماهير التي لا تحصى.
فلِمَ نتوانى يا إخوتي الأحباء فإن الأوان قد حان، واليوم قد بلغ. حين يبدي الحاكم المرهوب مكتوماتنا إلى النور.
فلو عرفنا يا إخوتي ما أستعد لنا لبكينا كل حين في النهار والليل متضرعين إلى الله أن ينجينا من ذلك الخزي والظلمة المدلهمة،
لأن فم الخاطئ ينسد أمام الموقف، والبرية كلها ترتعد، ومواكب الملائكة القديسين ترهب من ذلك المجد مجد وروده.
ماذا نقول له يا إخوتي في يوم الدينونة إن توانينا في هذا الوقت؟
لأنه هو تمهل وجذبنا كلنا إلى ملكه، وسيطالبنا بجواب عن التواني في هذا الزمان اليسير.
فيقول لنا بذاته: من أجلكم تجسدت، من أجلكم مشيت على الأرض ظاهرًا جهارًا، من أجلكم جُلدت، من أجلكم بُصق عليَّ، من أجلكم لُطمت، من أجلكم صُلبت مرفوعاً على خشبة، من أجلكم أنتم الأرضيين سُقيت خلاً لكي أجعلكم قديسين سمائيين.
وَهَبت لكم الملك الذي لي، أعطيتكم الفردوس، سميتكم إخوة لي، قربتكم إلى الآب، أرسلت إليكم الروح القدس، فأية أشياء أكثر من هذه لم أصنعها لتخلصوا أنتم، سوى أني لست أشاء أن أقتسر النية لكي لا يكون لكم الخلاص بشدة وإلزام.
قولوا لي أيها الخطاة والمائتون بالطبع، ماذا أصابكم من أجلي أنا السيد المتألم من أجلكم.
فها الآن قد أستعد المُلك والجائزة والنياحة والفرح، العذاب الخالد في ظلمة قصوى، فأين ما شاء كل واحد يسلك في ذات سلطانه.
هلموا فلنسجد له باتفاق، ولنبكِ كلنا أمام الرب الذي خلقنا قائلين: يا سيدنا هذه كلها إنما صبرت عليها من أجلنا بما أنك إله، ونحن بما أننا خطاة نجحد كل وقت إحساناتك، وأنت بما أنك لم تذل إلهاً لابدَّ لك بالطبيعة غير مدرك بلا لوم غير محتاج.
أثرت بألم صليبك أن تخلص مجانًا الخطاة الذين لم يعرفوك، وأعطيتهم نور المعرفة بك، فبماذا نجازيك نحن جنس الخطاة؟ وبماذا نكافئ الإله الذي لا يدرك الصالح المتحنن؟ نحن الذين صرنا بالنية منافقين لا بالطبيعة، لأنه من قبل أن نخلص كان جنسنا منافقًا.
ونحن الآن بعد هذه الإحسانات كلها خطاة بالنية، أنت أيها السيد كل حين صالح ومتحنن ومرهوب وممجد، خالق الدهور محتمل منذ القديم صعوبة أمرنا برأفاتك الجزيلة التي أوضحتها فينا نحن البشر، فغلبت من محبتك ورأفاتك وعانقت الصليب من أجل خلاص المسكونة كلها.
فهذا لائق أن يقال من قبل نعمتك أمام مجدك، لأنه لو لم تغلب أيها المسيح من قبل تحنناتك، لما كنت بذلت ذاتك ذبيحة وقربانًا عن الخطاة.
قد شبع عقل عبدك أيها السيد، وامتلأ من حلاوة نعمتك البهية، ومحبتك النفيسة، فلذلك أيها المحب للناس فيما هو يزداد حلاوة، ويستنير متواترًا، ويتأيد دائمًا، يخالف كل حين ويعود وينتقل إلى مرارته غير مؤثر أن تكون له حلاوة سيده دائمًا.
أيها الابن الوحيد الجنس، يا شعاع الآب الساكن في الضياء الذي لا يدنى منه، النور الذي لا يدرك، المنير كافة المسكونة، أضئ الناظر المظلم الذي فيَّ، لأنه قد خفي فيَّ ناظر مظلم فائضة بنعمتك ورأفاتك لئلا يدلهم العدو الغاش، لأن عقلنا المريض يضاهي النصبة الجديد نصبها التي تحتاج إلى سقي الماء دائماً.
هكذا ذهننا هو ضعيف مريض محتاج بلا انقطاع إلى الاستنارة من نعمتك، قولك يارب فتح عين المكفوف منذ مولده، عجب عظيم صار أيها السيد بسلوام، إذ الضرير حين أبصر بعينيه الجسدانيتين، أضاء ناظر ذهنه للحين ليبشر بلا خوف بخبره إنه إله الكل.
أضئ أيها السيد أعين قلبنا لنحبك، ونكمل بشوق مشيئتك دائمًا، وإذ عين سلوام نائية عنا بعيداً، فها كأس دمك الرهيبة موعوبة نورًا وحياة فهبها لنا للفقه وللاستنارة.
فلنتقدم إليها بأمانة وشوق وقداسة، لتصير لنا تمحيصاً للخطايا لا للدينونة، لأن من يتقدم للأسرار الإلهية بنفس غير مستحقة يشجب ذاته، إذ لم ينظفها ليقبل الملك في حجلته.
فنفسنا هي عروس مقدسة للختن الذي لا يموت، والعرس هو الأسرار الإلهية، مأكولة بتقوى ومشروبه بجزع في النفس المقدسة.
فأصغِ إلى ذاتك حافظًا حجلتك بلا دنس، وكن مشتاقًا أن تقبل الختن السمائي المسيح الملك، لكي في يوم وروده يصنع فيك منزلًا مع أبيه، فيكون مديحًا كبيرًا قدام الملائكة ورؤساء الملائكة القديسين، وتدخل إلى الفردوس فرح عظيم.
أيها الأخ ماذا يلتمس الله منك سوى خلاصك، فإن توانيت ولم تؤثر أن تخلص، ولم تسلك في طريق اللـه الممهدة، ولم تشاء أن تكمل وصاياه، فإنك تقتل نفسك، وتُخرج ذاتك من الخدر السمائي.
فإن الإله القدوس والغير خاطئ وحده لم يشفق من أجلك على ابنه الوحيد، وأنت يا شقي لا ترحم ذاتك.
فُقْ من نومك قليلًا يا مسكين، أفتح فمك مستغيثًا به، أطرح عنك ثقل الخطايا، ارحم نفسك، تضرع دائمًا، أبكِ متواترًا، أهرب من الاسترخاء، أمقت الخبث، أرفض الرذيلة، حب الوداعة، تُقْ إلى الحمية، أدرس الترنم.
أحرص أيها الأخ ما دام يوجد وقت، حب الله من كل نفسك كما أحبك هو، صر هيكلاً للـه فيسكن فيك الإله العلي، فإن النفس الحاوية الله في ذاتِها هي هيكل لله مقدس ونقي، تخدم فيها الأسرار العالية الإلهية أي مجد اللاهوت ويتبادر إلى افتقادها موكب الذين لا أجسام لهم.
فمنذ يسكن الرّب في النفس، فالملائكة السمائيون يبتهجون بِها، ويحرصون أن يوقروها لأنَها هي هيكل سيدهم.
مغبوط الإنسان الذي أحبك من كل قلبه، ومقت العالم والأشياء التي فيه كلها ليقتنيك وحدك أيها الإله الكلي الطهارة، الدرة النفيسة، كنز الحياة.
فمن أحب الله هكذا حبًا صافيًا، وذهنه ليس على الأرض بل في العلا أبدًا، حيث أحب واشتهى أن ينال، من هناك يتحلى، من هناك يستضىء، ومن هناك يشبع من محبة الله، بالحقيقة هي مملوءة سروراً وحلاوة، ومغبوط من ذاقها.
فمن يستطيع أن يصف حلاوة محبة الله وصفًا كما يجب، فإن بولس الرسول الذي ذاقها وشبع منها يهتف قائلًا: لا العلو بما معناه الذي فوق، ولا العمق الذي أسفل، ولا هذه الحياة نفسها، ولا الموت المنتظر، ولا جماعة الملائكة الرؤساء والسلاطين، ولا خليقة أخرى، فهذه كلها لا تستطيع أن تفصل من محبة اللـه النفس التي ذاقت حلاوته.
نار لا تموت، محبة الله في النفس المشتاقة إليه، فإنَها تجعل حواسها متلألئة الضياء، فترفعها من الأرض لتبغض الأرضيات وتعاين الإله الذي أحبته.
والشهداء والقديسون يعلموننا الذين ذاقوها وتملوا منها، أن محبة الله قيد لين ناعم، ولا يمكن السيف ذو الحدين أن يقطعها، فالأمراء قطعوا أعضاء القديسين، فأما محبتهم فما استطاعوا أن يقطعوها.
يا لقيد محبة اللـه الناعم الذي لا يمكن أن يفك، إن المحبة لا يقطعها سيف، ولا تطفئها نار.
قطعوا الأعضاء والمحبة ما صرموها، حرقوا الأعضاء وقيود المحبة لم يفكوها، حرقوا أجساد القديسين أيضًا ومحبتهم لم يحرقوها، قيدوا أعضاء الأبرار ولم يقيدوا محبتهم.
من ماذا ترى لا يتعجب من قيد المحبة اللين الترف الذي لا ينقطع قط ولا ينفك أبدًا، من أحب اللـه حباً صافياً فقد أقتنى مثل هذه المحبة، لأن هذه المحبة أعطاها المسيح لكنيسته أن تتزين دائماً بِهذه المحبة، لأن هذه المحبة عربون الله للنفس.
المحبة قاعدة راسية في النفس القديسة، هذه المحبة أنزلت الابن الوحيد إلينا، بِهذه المحبة تأنس الإله، بِهذه المحبة شوهد من لا يرى، بِهذه المحبة فُتح الفردوس، بِهذه المحبة قُيد القوي، بِهذه المحبة صارت النفس عروسًا للختن الذي لا يموت، لكي ترتأي حسن نَهاية في ذاتِها دائمًا.
من أجل هذه المحبة تألم الختن الطاهر الذي لا يتألم، لأن النفس إن كانت مصفرة من المحبة لا يرضى بِها السيد السماوي، ولا يشاء أن يظهر بالكلية اختيار نيتها.
فلذلك خولها سلطانًا دفعة أن تسير دائمًا كما تشاء وترتأي، أفترى من يستطيع ومن يكون كفوًا أن يمجد ويسبح الإله المخلص عن الموهبة التي أخذناها كلنا بنعمة الله. المجد والسجود لمسرته.
فإذ قد سمعتم يا إخوتي مشورة حقارتي النافعة، فلنحرص دائماً ما دام لنا زمان أن نسير بطهارة، وبما هو أهل لله ليسكن فينا الروح القدس، وتتكاثر محبة الله فينا، مكملين مسرته كل حين.
لا نقتني يا إخوتي سوى هذا الاهتمام، وهو أن نجد نفوسنا في النور، وأن لا نطفأها بأحد الأمور الأرضية، والهموم العالمية، والقنية والأموال.
ولنزينها بالصلوات والأصوام والأسهار والدموع، حتى تجد النفس دالة يسيرة أمام منبر المسيح المرهوب، حيث تقف النفوس كلها بخوف، حيث يصير تمييز المختارين من الخطاة، ويقف الخراف عن اليمين، والجداء عن اليسار.
فأيقنوا يا أولادي أن ورود المسيح قريب ليعطي كل واحد نظير عملة، ويسكن مختاريه في الضياء والسرور الخالد، والخطاة الذين أغاظوه يقطنهم في الظلمة.
فمغبوط الإنسان الذي يجد في تلك الساعة دالة ويسمع ذلك الصوت السعيد القائل: تعالوا يا مباركي أبى، ويا جماعة مختاري رثوا مملكتي.
حينئذ يشاهد كل واحد ذاته في النور، ويتأمل بذاته مجدًا لا يقاس قدره، فيتعجب متفكرًا في ذاته قائلًا: أترى أنا هو، فكيف وجدت هكذا أنا الحقير مستحقاً.
وحينئذ تتقدم الملائكة بسرور يشرفون القديسين ويمجدونَهم ويشرحون ويصفون لهم سيرتِهم، وهي النسك، الحمية، السهر، الصلاة، الفقر الاختيارى، هجر القنية الكامل، الصبر في العطش، الثبات في الجوع، الدوام في الصلاة، الفرح في العري من أجل المحبة التامة التي للمسيح.
تقول هذه الملائكة للصديقين بفرح، فيجيبهم الصديقون قائلين: يومًا واحدًا من أيامنا على الأرض لم نصنع فيه تقويمًا حسنًا.
فتذكرهم الملائكة أيضًا بالموضع والوقت، فإذا تعجبوا في ذاتِهم يمجدون الله ناظرين أجسام القديسين ألمع من النور، لأنَهم حزنوا على الأرض باختيارهم، وبصبرهم خبئوا فيهم الدرة النفيسة، وصنعوا لهم حلة لا دنس فيها للعرس.
وجدوا في الحقل كنزًا، فباعوا كل الموجودات التي لهم على الأرض، واقتنوا ذلك الكنز.
تعب النسك قليل يا إخوتي، والراحة عظيمة، تعب النسك زمان قصير، وراحته في جنة النعيم إلى أبد الدهر.
فمن عرف ذاته أنه أخطأ إلى الله، وتراخى بنيته، وأخطأ عمدًا، فما دام يجد زمانًا، فليبكِ باشتياق، ولينتحب بلا انقطاع، ليجذب الدموع إلى قلبه سرورًا، وليقتنِ تخشعًا، ويحمِ جسمه بالدموع والزفرات.
هل اختبرتم يا إخوتي الدموع؟ هل استضاء أحدكم بنعمة الدموع من أجل الله؟
فأيقنوا يا إخوتي أن ليس على الأرض ألذ حلاوة من الفرح والتخشع في تلك الساعة.
إذا صلي الإنسان ورأى الإله جالسًا في قلبه دائمًا، من منكم أختبر هذا، أو أستطعم الدموع حين صلى بارتياح وشوق، وأرتفع من الأرض وصار بجملته خارج الجسم، أليس يصير خارج هذا الدهر كله، ولا يكون على الأرض، لأنه يناجي الإله نفسه، ويستضئ بالمسيح، ويتقدس بالروح القدس.
يا إخوتي عجب عظيم أن يخاطب إنسان ترابي في صلاته الإله الذي لا يُرى، مغبوط الرجل الذي له كل وقت تخشع من أجل الله.
التخشع يا إخوتي هو شفاء النفس، الخشوع هو استنارة النفس، التخشع يفيد دائمًا غفران الخطايا، التخشع يجذب إليه الروح القدس، الخشوع يُسكن فينا الابن الوحيد إذا صبونا إليه، وإني لخائف أن أصف لكم اقتدار الدموع.
حنة بالدموع أخذت من الله صموئيل النبي بسمو وفخر لقلبها، المرأة الخاطئة في منزل سمعان أخذت من المسيح غفران خطاياها حين بكت وبلت رجليه المقدستين.
عظيمة قوة الدموع وتقتدر كثيرًا، الدموع التي من أجل الله تُجلى دائمًا النفس من الخطايا، وتنظفها من الأثام، العبرات تمنح دالة لدى الله القدوس، والأفكار الدنسة لا تقدر قط أن تقارب النفس الحاوية التخشع.
فماذا ترى يكون أعلى سموًا من هذه الحلاوة؟ وأي شيء يكون مأثورًا أكثر من تطويبها إذا ما حوت الإله الذي تصلي وتبتهل إليه ؟
أيها الإخوة إذا صبت النفس إلى الله تبصره دائمًا في صلاتِها وتدرس في الليل والنهار، التخشع هو كنز لا يُسلب، النفس الحاوية التخشع تفرح فرحاً لا ينطق به، وقلت التخشع لا يومًا واحدًا فقط بل إنما أعني التخشع الصائر دائمًا باطنًا في النفس ليلًا ونَهارًا.
التخشع في النفس هو كعين صافية، تسقي أغصانِها المثمرة فيها، وقلت أغصانَها المثمرة، أعني بذلك الفضائل التي تسقى دائمًا بالدموع والزفرات، فتثمر ثمرًا رائقًا نضارته في نفسك نافعًا أبدًا.
فلتكونن غروسك مختارة وبَهية، أسقِ أيها الأخ غروسك بلا انقطاع مبتهلًا بدموع حتى إذا سقيت تنمو وتثمر يومًا فيومًا، لا تصر متشبهًا بي أنا المسترخي الخاطئ الذي أقول كل يوم ولا أعمل ألبته.
لا تصر هكذا متوانيًا بنيتك مسترخيًا باختيارك، فإنه لا يكون لك خشوع ولا صلاة نقية، فأنني أعرف نفسي كل حين خاطئًا، وأنا متخوف دائمًا من الدينونة المنتظرة، وليس لي اعتذار عن جرائمي.
فأطلب إليكم يا إخوتي القديسين الخائفين من الله، والعاملين دائمًا الأفعال التي ترضيه، أن تشفعوا إليه عني أنا الحقير لتوافي إليَّ نعمة بصلاتكم، وتخلص نفسى في تلك الساعة المخيفة المرعبة إذا جاء المسيح ليكافئ كل واحد نظير أعماله.
المجد للإله وحده القدوس الذي لا يموت، الصالح المرهوب الطاهر المتحنن، الجاعل لساننا الحقير بنعمته مترنمًا بألفاظ العدل والمحبة والتخشع لإبتناء النفس، وإنارة القلب، ومنفعة الذهن، حتى تتحلى النفس بتلاوة هذه الأقوال، وتجتذب إلى الحياة الأبدية بربنا يسوع المسيح.
الذي له المجد والعز والقدرة الآن ودائمًا
وإلى أبد الدهور
آمين
Discussion about this post