الأنفس المطهرية
الكنيسة الجامعة
تنقسم الكنيسة الجامعة إلى ثلاثة أقسام: هناك الكنيسة المجاهدة وتمثل البشرية الحية المؤمنة والتي ما تزال تكافح يوميًا في النفس والجسد وفي مختلف قارّات الأرض لعمل مشيئة الله.
وهناك الكنيسة المنتصرة وتمثل الأنفس التي رقدت بسلام الرّب، والمحررين من كل عداء وانقسام، يتنعمون إلى الأبد في السماء باتحادهم مع يسوع المسيح وحبه ونعمه، ويشاهدون المجد الأبدي لله وأبنائه المخلصين.
وهناك أيضًا الكنيسة المتألمة التي توفي أبناؤها وهم في حالة النعمة، ولكن قبل أن يكفـّروا عن كامل ذنوبهم التي اقترفوها على الأرض.
هؤلاء الأنفس التي تتألم في المطهر لتتطهر مما كان عالقا بها من أوساخ الخطيئة عند انتقالها من هذا العالم، لتصبح نقية بلا شائبة، كي تتمكن من الإنتقال للأمجاد السماوية، والإتحاد مع خالقها.
إن الروابط الوثيقة التي تجمعنا مع القديسين في السماء من جهة، ومع الأنفس المطهرية المعذبة من جهة أخرى، تفرض علينا واجبين:
مع المختارين، الذين نفرح بدخولهم إلى نعيم الآخرة ونتضرع إليهم لكي يحمونا ويساعدونا على العيش حياة مسيحية حقيقية من جهة، ومع الأنفس المطهرية من جهة أخرى، لنعطيهم الراحة بصلواتنا وتقشفاتنا وحسناتنا، وخاصة بالذبيحة الإلهية. يحبّ القديسون عمل الرحمة هذا.
فبكمال حبهم, يفرحون للراقدين المؤمنين الذين ينتقلون من عذابات المطهر التي استحقوها من جرّاء سيرة حياتهم الأرضية ليشاركوا أبناء الله في الحياة السماوية الخالدة.
رؤية المطهر:
يتح الله لبعض النفوس، من جراء حكمته ورحمته, لزيارة النفوس المتألمة في المطهر.
وتؤكد لنا كتابات قديسين لا حصر لهم عقيدة وجود المطهر التي تعترف وتقرُّ بها الكنيسة. ونذكر هنا ما حدثتنا به القديسة فوستين
( ١٩۰٥ – ١٩٣٨ ) في كتابها الرحمة الإلهية عن رؤيتها للمطهر، حيث كتبت :
في المساء, رأيت ملاكي الحارس الذي أمرني أن أتبعه. فوصلت بعد حين إلى مكان مغمّ مليء بالنار يتعذب فيه جمع غفير من النفوس المتألمة.
يقوم البعض منهم بتقديم صلوات على نيّاتهم الخاصة ولكن دون فائدة.
نحن فقط نستطيع أن نمدّ لهم العون. النار التي كانت تلتهمهم لم تصل إليَّ أبدا. أما ملاكي الحارس، فلم يغادرني لحظة.
وسألت النفوس عن عذابها الأكبر، فأجابت بصوت واحد: إنَّ العذاب الأكبر هو توقها لله.
رأيت القديسة مريم العذراء في زيارة للمطهر، وهي تلطف من عذابات النفوس المتألمة, حيث تدعوها هذه النفوس نجمة البحر. وهنا سمعت صوتا في داخلي (المسيح) يقول: لا تريد رحمتي هذا العذاب، لكن هذا ما توجبه العدالة الإلهية. ومنذ ذلك الوقت صرت أكثر اتحادا بالنفوس المعذبة. وبعد خروجي من سجن العذاب هذا، وفي وقت لاحق، تأملتُ في خطيئة الملائكة وعقابهم الفوري. فسألت يسوع:
لماذا عوقب الملائكة، فور ما خطئوا، في نار جهنم الأبدية؟ فسمعت هذا الصوت: بسبب معرفتهم العميقة بالله. لا أحد على الأرض، ولا حتى أكبر قديس، يعرف الله كما عرفه الملائكة.
غير أنك أظهرت لي رحمتك يا الله، مع كل حقارتي، مرة تلو الأخرى. إنك تحملني في حضن رحمتك وتسامحني كلما أطلب منك المغفرة بقلب منسحق.
ثم تُكْمِل القديسة فوستين: جاء إليَّ الرب اليوم وقال لي: ساعديني يا ابنتي على خلاص النفوس. ستذهبين إلى قرب أحد المنازعين وستباشرين بتلاوة مسبحة الرحمة الإلهية,
فتنالين له الثقة برحمتي، فهو الآن على حافة اليأس. رأيت نفسي فجأة في فندق غريب، حيث كان ينازع رجل في غمرة آلام مرهقة. تجمّع حول سريره مع أفراد عائلته، جماعة من الشياطين. ولمّا بدأت بتلاوة المسبحة، هربت أرواح الظلمة، موجِّهة إليَّ الصفير والتهديدات. اطمأنّ الرجل ووثق برحمة الله ورقد بالرب بسلام.
كيف يمكننا مساعدة الأنفس المطهرية
-١- أولًا بتقديم ذبيحة القداس التي لا يمكن لأي شيء الحلول مكانها.
-٢- بالعذابات التكفيرية: أيُّ عذاب جسديّ أو معنويّ يقدّم للأنفس يخفف من آلامها.
-٣- صلاة الوردية، وصلاة مسبحة الرحمة الإلهية، هي الوسيلة الأكثر فعَّالية، بعد ذبيحة القداس لمساعدة الأنفس المتألمة. كل يوم ينال عددٌ كبير من الأنفس الخلاص بفضل هذه الصلوات، التي من دونها كانت لتتعذب سنوات أطول.
-٤- ممارسة درب الصليب، في زمن الصوم أو غيره من أزمنة السنة الليتورجية، له فائدة كبيرة للأنفس المطهرية. فهي تقلل من عذاباتها الملتهبة، وتفتح أبواب السماوات والمجد الأبدي لنفوس أخرى.
-٥- تقول الأرواح إنّ للمراحم قيمة لا تُقدَّر. إنها تخصيص للرضى الذي يقدمه يسوع المسيح إلى الله أبيه. من ينال، خلال حياته الأرضية، الكثير من المراحم للراقدين، سوف ينال هو أيضًا الكثير عند ساعة مماته: نعمة نيل الغفران الكامل الذي يُمنح لكل مسيحيّ عند الممات. إذ إنه من القساوة ألا تستفيد النفوس المطهرية من كنوز الكنيسة وممارساتنا التقوية على نيَّتها.
-٦- وكذلك الصلوات المخصصة لراحة الأنفس المتألمة والتساعيات والطلبات لها من الأهمية بمكان، وتحتل الصدارة في علاقتنا مع الكنيسة المتألمة.
-٧- التصدّق على الفقراء والمحتاجين، وأعمال البرّ، وخاصة الهبات للإرساليات التي تعمل على نشر نور الخلاص بين الأمم، تساعد الأنفس المطهرية.
-٨- إضاءة الشموع على نيتها لا تذهب هباء. أولًا، لأنّ هذا العمل هو نظرة إهتمام وعربون محبة تجاهها، وثانيًا، لأنّ الشموع مباركة وتُضيء الظلمات التي توجد فيها الأنفس.
-٩- كما أن رشَّ المياه المباركة يخفف آلام الموتى. في يوم من الأيام رشت إحدى المؤمنات التقيات مياها مباركة للأنفس، فسمعت صوتًا يقول لها: المزيد!
إنَّ هذه الوسائل لا تساعد الأنفس بالدرجة ذاتها. فإذا كان القداس لا يعني الكثير لشخص ما، خلال حياته، فالقدّاس لا يساعده كثيرًا وهو في المطهر.
وإذا كان شخص ما قاسيًا خلال حياته، ينال القليل من المساعدة. والذي كان في حياته يشنع في الكلام ويقذف به للأذى، يكفِّر عن ذنوبه بشكل قاسٍ أيضًا. أمّا من كان قلبه طيبًا. فينال مساعدة أكبر.
مريم العذراء والأنفس المطهرية
إنّ القديسة مريم العذراء هي أمّ الرحمة بالنسبة إلى الأنفس المطهرية. عندما يدوّي اسمها في المطهر، تعتري الأنفس سعادة كبرى. قالت نفس مطهرية يوم عيد انتقال العذراء إلى السماء:
إنّ مريم طلبت يوم رقادها وانتقالها إلى الأمجاد السماوية في أنْ تُخَلَّصَ جميع الأنفس التي كانت في المطهر، وأنّ يسوع حقَّقَ طلب والدته. رافقت هذه الأنفس مريم إلى السماء في يوم الإنتقال، وفي ذلك اليوم، تُوِّجت مريم أمّ الرحمة وأمّ النعمة الإلهية. في المطهر، توزِّع القديسة مريم النعم حسب مشيئة الله، وغالبا ما تزور أبناءها المتألمين في المطهر لتخفف من عذاباتهم.
Discussion about this post