أحيانًا فضائل تنقصها الحكمة
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
من الأخطاء الشائعة أن يُركِّز البعض على فضيلة واحدة بحيث تتناقض مع فضائل أخرى لازمة.
بينما الحياة الروحية ليست مُجرَّد فضيلة معينة، ولكنها حياة تشمل الكل. وكتاب اللَّه لا يُقدِّم لنا وصية واحدة نحيا بها
إنما وصايا عديدة كل منها لها أهمية. وسنحاول فى هذا المقال أن نُقدِّم أمثلة لخطورة الفضيلة التى تتعارض مع فضائل أخرى.
بعض الأشخاص الأتقياء يتمسَّكون بفضيلة الوداعة، ولاشكّ أنها من الفضائل العُظمى.
ولكنهم يفهمون الوداعة على أن يكون الشخص هادئاً باستمرار ولا يغضب، كما قال أحد الآباء: “إن الإنسان الوديع لا يغضب من أحد، ولا يُغضِب أحدًا”.
وتأتي مواقف تحتاج إلى نخوة وإلى شجاعة وشهامة.
ولا يتحرك هذا ( الوديع )، لأنه يحب أن يكون باستمرار هادئاً ولطيفاً!! وفى تصرفه هذا لا يكون إنسانًا فاضلًا. لأن كل موقف يحتاج إلى الفضيلة التى تُناسبه.
وكما قال سليمان الحكيم: “لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السموات وقت”.
من الخطأ أن يكتفي إنسان بالوداعة، ويبتعد تماماً عن الشجاعة والقوَّة حين يأتي الوقت اللازم لهما.
كذلك مثل هذه الوداعة الخاطئة تحوّله إلى جثة هامدة بلا حركة، لا نخوة فيها ولا شجاعة.
بل الوضع السليم أن يستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة، ويستخدم الشجاعة حين تلزم الشجاعة. تكون كلتاهما فيه.
وتظهر كل منهما في الحين الحَسن. كما أن الوداعة ليس معناها الضعف. والقوة ليس معناها العنف.
والوداعة والقوة تمتزج كل منهما بالحكمة والفهم. كما أن الإنسان القوي لا ينحرف إلى التهوّر، ولا يفقد وداعته وأدبه.
أيضاً كثيرون يحاولون أن تكون لهم فضيلة طيبة القلب، لأنها فعلاً ميزة واضحة لأنقياء القلب.
ولكنهم إذ يسلكون في طيبة القلب وحدها، بلا إفراز ولا فهم، ما أسهل أن يصبحوا العوبة وهزأة في أيدي المستهترين.
كُن إذن طيب القلب. ولكن أضف إلى الطيبة فضيلة الحكمة.
كُن طيباً، ولكن ليس بالقدر الذي تفقد فيه كرامتك وهيبتك.
وإلاَّ فإن البعض ـ بسببك ـ سوف يكرهون الطيبة التي تجعل الغير يستغلَّهم ويتعبهم! المشكلة إذن ليست في الطيبة، وإنما في عدم مزجها بالحكمة وبقوة الشخصية.
يُمكن أن تكون طيب القلب. ولكن ليس معنى الطيبة أن تُسلِّم قيادتك لغيرك، أو أن تشترك بضعف شخصية في أخطاء الآخرين!
أو أنك خوفًا من أن تغضب غيرك تشترك معه في خطأ، أو تجامله في ذنب واضح!
إذًا يجب عليك أن تزن كل فضيلة بميزان دقيق.
ولا تمارسها منفردة عن باقي الفضائل. وإن رأيت من نتائجها وحدها بعض السلبيات، فتأكد أن السلبيات ليست بسبب هذه الفضيلة،
وإنما بسبب وقوفها وحدها بعيدة عن سائر الفضائل التى ينبغى أن تصاحبها وتحميها.
يحدث أحيانًا أن يكون شخص مُتصفاً بالحنو وينقصه الحَزم. أو آخر يتصف بالحَزم وينقصه الحنو وكلاهما مخطئ.
ومن الأشياء العجيبة التي نجدها أحياناً فى محيط الأسرة، أن الأبويْن قد يوزعان الحِنو والحَزم بينهما. فيكون الحِنو مثلاً للأم، والحَزم للأب!!
بينما الحنو والحزم يجب أن يتصف بهما كل منهما. ولكن الذي نراه أنه إذا أخطأ الابن، أو حاول أن يُخطئ، تقول له الأم:
لا تفعل هذا لئلا يَغضب أبوك ويُعاقبك! دون أن تقول له إنها هي أيضًا لا ترضَى عن تصرفه. ويختلط الأمر على الابن ولا يعرف أين الحق. كل ما في الأمر أنه يتقي غضب أبيه. ويحدث أحيانًا أن رئيس إدارة يحب أن يكسب محبة مرؤوسيه: من أجل هذا يتهاون في حقوق العمل إرضاء لهؤلاء!!
الإنسان الروحي يمكنه أن يجمع الأمريْن معاً. ولا يستخدم الحِنو بدون حَزم، ولا الحَزم بدون حِنو.
هناك أشخاص يُركِّزون على خدمتهم أو عملهم كل التركيز.
ومن فرط إنشغالهم يفقدون أهمية الصلاة والتَّأمُّل في حياتهم، كما يهملون واجباتهم الروحية بينما غيرهم يركِّزون على عبادتهم وروحياتهم، بطريقة يفقدون بها الإخلاص لعملهم. وكلاهما يسلك بطريقة خاطئة. بينما الإنسان الروحي يجمع بين الأمريْن معاً. ولا يكتفي بفضيلة منهما مُهملًا الأخرى.
لقد أمر اللَّه ـ تبارك اسمه ـ بطاعة الآباء والمرشدين الروحيين.
وما أكثر الأتقياء الذين يتمسَّكون بفضيلة الطاعة للكبار مهما كان الأمر. وهنا نسأل هل تجب الطاعة إن كان الأمر مُتعباً للضمير؟! ونحن لا نُنادي إطلاقاً بما يسمونها (الطاعة العمياء).
فينبغي أن يكون الإنسان واعياً في طاعته. وأن يدرك أن الطاعة أولاً وأخيراً هى الطاعة للَّه.
وداخل الطاعة للّه تكون طاعة الآباء وطاعة الرؤساء وطاعة المُرشدين. فإن صدر من أحد هؤلاء أمر، تكون إلى جوار طاعته عبارة “ينبغي أن يُطاع اللَّه أكثر من الناس”.
واجب عليك أن تُطيع الأب والرئيس والمُرشد الروحي.
ولكن واجب على كل هؤلاء أن يطيعوا اللَّه فيما يأمرونك به.
فإن لم يفعلوا فلا طاعة لهم عليك. واعرف أنه إن كان هناك أشخاص يهلكون بالعصيان، فهناك مَن يهلكون بالطاعة!
إن كانت هذه الطاعة ضد ما يأمر به اللَّه. والأمر يتوقف على نوعية الطاعة والعصيان ونوعية المشورة أو الأمر.
فإن كانت وصية اللَّه واضحة أمامك يحب أن تطيع الوصية الإلهية مهما كانت شخصية الذي يُقدِّم لك المشورة
أو يصدر لك الأمر.
إن فضيلة الطاعة فضيلة جميلة تدل على الأدب والتواضع واحترام الكبار والخضوع لهم.
ولكن هناك بعض المواقف التي يجب أن تقول فيها ” لا ” لِمَن هو أكبر منك. ولكن تقول هذه العبارة في أدب.
وبخاصة في بعض المواقف التي تكون ترى واجبك فيها أن تشهد للحق.
بشرط أن تكون متأكداً أن ما تُدافع عنه هو الحق فعلًا.
لأنه ليس من الحق أن يُخطئ إنسان بِاسم الدفاع عن الحق.
Discussion about this post