لا تتقدّم إلى مشاهدة الله كأنّه منظر غريب، بل اخلع نعليك أمامه.
جان لافرانس
1- إذا أردت أن تعرف الله، عليك أن تقتفي آثار كبار المصلّين في الكتاب المقدّس، أولئك الذين كشف الله لهم عن ذاته. وتأمل اليوم مشهد العلّيقة الملتهبة ( خروج 3، 1-6 ). ومع موسى، انزع نعليك لكي تعرف الله، فهو سيكشف لك عن ذاته كنار آكلة.
2- أنظر أولا موسى متوغلا في الصحراء؛ فجبل الله نبلغه دوما في ما وراء المنظور. كان على موسى تبديل خطّته والارتداد. ها هوذا يتقدّم ليشاهد هذا المنظر الغريب، وليرى لماذا لا تحترق العلّيقة.
موسى فضولي، يجذبه الشيء الخارق، ويريد الإحاطة بمسألة الله: ” ورأى الربّ انه قد مال لينظر “( خروج 3،4 ).
3- انه يحاول أن يفهم من الخارج، لماذا الله، بواسطة اعتبارات عقليّة.
ولكنّك لا تستطيع الدنو من الله بدافع الفضول، لأنّ الله لا يسمح لك أن تحبسه ضمن مفاهيم بشرية. فهو، دوما، ما وراء أفكارك، وخارج قبضتك. ليس الله معضلة يجب حلّها، بل سرّ ينبغي اكتشافه.
4- لذلك يأخذ الربّ بزمام المبادرة في اللقاء، فيدعو موسى باسمه. والموقف الوحيد أمام الله هو أن تقول له: ” هاءنذا“. انه فعل الحضور والتواضع والفقر والقبول.
ويطلب الربّ من موسى أن يخلع نعليه، أي أن يفقد كلّ ضماناته وحماياته وأفكاره عن الله. فالله هو المثلّث التقاديس الذي يكشف عن ذاته في حوار تسوده الحرية والسجود.
5- أن تعرف الله، ذلك يعني أنك تعترف بكونه حاضرا ههنا، ولا يمكن أن تحدّه أفكارك؛ بل انه يكشف عن ذاته حينما يشاء ولمن يشاء. يقول القديس بولس: ” إنّ سرّ الله يفوق كلّ إدراك“.
6- لا تحاول الدنوّ من الله للكشف عن تفصيلات سرّه. وكفّ عن معاملته كأحد الأشياء، بل ناجه كشخص حرّ.
واللحظة الحاسمة التي فيها يبدأ اللقاء بالله هي في حركة التراجع والتواضع، حركة تضمحلّ بها أمامه. فليس الله بلادا يتمّ غزوها، بل هو أرض مقدّسة عليك أن تطأها عاري القدمين.
7- وحينما ترضى بألاّ يكون لك، بعد اليوم، أفكار حول هذه المسألة، عندئذ يكشف الله لك عن ذاته. وبالرغم من ذلك، فإنك لن تتوصل إلى ترجمة هذه الخبرة بعبارات واضحة وجليّة.
فان الله ينكشف لك، كما لموسى، مثل النار، أي مثل شيءٍ لا يمكنك أن تقبضَ عليه وتبقيه بين يديك.
إنه يعطي ذاته مثل نار آكلة. فالنار مادّةٌ باهرة وغريبة. إنّها تنير وتحوّل إلى ذاتها كلّ ما تلمسه.
8- وفي التأمّل، قف فقيرا وعاريا أمام العلّيقة الملتهبة والمتوهجّة. لا تقل شيئا، بل قدّم لهذه النار الآكلة كلّ السطح العاري من كيانك. فالله هو ذاك الذي يريد التهامك، فتصبح كيانا واحدا معه وشريكا في طبيعته الإلهية.
انّه يحوّل إلى ذاته جميع الذين يقدّمون ذاتهم لنعمته المحوّلة، في وقفة الحفاة.
وباتّحادك بالله، ستكون له من القدرة، ما يكفي ليُضرم العالم، وبطريقة سرّية، بنار حبّه>
No Result
View All Result
Discussion about this post