لأنّ اللهَ مَعَنا
الأب نقولا مالك
«نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ كُلُّ شَيْءٍ يُعاوِنُهُمْ لِلخَير، أَيِ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ بِحَسَبِ القَصْدِ. فَإِنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَحَدَّدَ أَنْ يَكُونُوا مُشابِهِينَ لِصُورَةِ ابْنِهِ، حَتّى يَكُونَ بِكْرًا ما بَينَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَحَدَّدَهُمْ إِيّاهُمْ دَعا، وَالَّذِينَ دَعاهُمْ إِيّاهُمْ بَرَّرَ، وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ إِيّاهُمْ مَجَّدَ. فَماذا نَقُولُ في ذلك؟ إِذا كانَ اللهُ مَعَنا فَمَنْ عَلَينا! الّذي لَمْ يُشْفِقْ على ابْنِهِ بَلْ أَسْلَمَهُ عَن جَمِيعِنا، كَيفَ لا يَهَبُنا أَيضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ!». (رو 28:8-39)
لا مَفَرَّ مِنَ الشَّدائد:
“كُلُّ شيْءٍ يُعاوِنُهُم لِلخَير”: هل يقصدُ الرَّسولُ بكلامِهِ هذا أنّ اللهَ يُجَنِّبُ أحبّاءَهُ كُلَّ أنواعِ المَصاعبِ والتَّجارب؟ هل يقصد أنَّهم لا يتعرَّضُونَ لأمورٍ صعبة، بل كلُّ الأشياء تكونُ سهلةً وممهَّدةً أمامَهم؟ بالتّأكيد لا. فبولسُ الرَّسولُ نفسُه، عِندَما تَوَسَّلَ ثَلاثَ مَرّاتٍ إلى الرَّبِّ أن يُعْتِقَهُ مِنَ الأخطار، سَمِعَ صَوتًا يَقُولُ لَهُ: “تَكفِيكَ نِعمَتي، لأَنَّ قُوَّتي في الضَّعفِ تُكْمَلُ” (2كور 9:12)؛ فَفَهِمَ أَنَّ عليهِ أن يتحمَّلَ نصيبَهُ مِنَ الصُّعوباتِ بِصَبرٍ، وأَنْ يتقَبَّلَ ضعفَهُ البَشَرِيَّ، وَيَعيشَ حياةَ الجِهادِ ضِدَّ الأهواء، ضِدَّ الذّات. وعندئذٍ صارَ “يُسَرُّ بِالضَّعَفاتِ والشَّتائمِ والضَّروراتِ والاضطهاداتِ والضِّيقات” (2كور 10:12).
وبَعدَ هذا الوَعي، تَبَلْوَرَتْ مَعَهُ النّتيجةُ: الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ كُلُّ شَيْءٍ يُعاوِنُهُمْ لِلخَير. وبِقَولِهِ “كُلُّ شيء”، يقصدُ الأُمُورَ الصَّعبةَ: الشِّدّة، العَوَز، السَّجن، الجُوع، الموت، وَكُلّ المصائب الأُخرى.
لَمْ يَقُلْ: الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ لا يُواجِهُونَ الأخطار، بَلْ قالَ كُلُّ شَيْءٍ يَعمَلُ لِخَيرِهِم. هذه التَّجارِبُ مِن شأنِها أن تجعلَهُم يختبرونَ ما هو أسمى مِن كلّ شيءٍ آخَر.
مَثَلاً، في أتُّونِ بابل، لَم يَمْنَعِ الرَّبُّ رَمْيَ الفِتْيَةِ الثَّلاثَةِ في الأَتُّون، لكِنَّهُ أَهَّلَهُم لاختِبارِ أعجوبةٍ أكبر.
مِرساة الإيمان:
ولكنْ، مَن هُمَ المَعنِيُّونَ بهذا الكلام، والمُستفيدونَ مِن هذه النّعمة؟
نقولُ، بَدءًا، إنَّ اللهَ يُريدُ أن يستفيدَ مِن نعمتِهِ جميعُ النّاس. إلاّ أنَّ البعضَ لا يَتَجاوَبُونَ مَعَها، فيأتي الرَّفضُ مِنهُم.. مِنَ الإرادةِ البشريّةِ المريضة.
وهذا ما دَفَعَ الرَّسُولَ إلى رَبْطِ كَلامِهِ أعلاه بِقَولِه: “الّذينَ يُحِبُّونَ الله”: أَي على الإنسانِ أن يَتَجاوَبَ مَعَ النِّعمةِ الإلهيّة، فيتقبّلَ محبّةَ الله ويُبادِلَها بمحبَّةٍ مُماثِلة… “الّذين هُم مدعوّونَ بحسبِ القصد”: أي الّذين أطاعوا مشيئة الرّبّ، ولبَّوا دعوَتَهُ، فَجَعَلُوا مشيئتَهُم خاضعةً لِقَصدِهِ الإلهيّ. هؤلاء هُم الّذينَ كُلُّ شيءٍ يُعاوِنُهم للخير.
مَدعوّونَ إلى ماذا: إلى أن يصيروا مشابِهِينَ لِصُورةِ ابنِه. هذا مجدٌ عظيمٌ هيَّأهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحبُّونَهُ. فَبَعدَ أن نَعرِفَ كُلَّ هذه الخيرات، يحقُّ لنا أن نقولَ مَعَ الرَّسُول: إذا كانَ اللهُ مَعَنا فَمَنْ عَلَينا! أيْ: لا تَهُمُّنا الأخطارُ والتّجاربُ الآتِيَةُ مِنَ الجميع.
الدّعوةُ المسبَقة:
هُنا يَبرُزُ تساؤُلٌ: أَلا يَعني هذا الكَلامُ (الّذينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُم.. سَبَقَ فَحَدَّدَهم) أَنَّ اللهَ قد عَيَّنَ مُسبَقًا الّذينَ يخلُصُونَ والّذينَ لا يَخلُصون؟
يقولُ القدّيسُ سمعانُ اللاهُوتِيُّ الحديث، مُوضِحًا هذا الكلام: يَدعو اللهُ الكُلَّ، يَهُودًا وَوَثَنِيِّينَ. كانَ يَعرِفُ مُسبَقًا أنَّ قِسْمًا مِنَ اليَهُودِ لَن يَقبَلَ دَعوَتَهُ. وَمَعَ ذلكَ عَيَّنَ مُسبَقًا أنَّ الَّذِينَ يُؤمنونَ به، مِن يهودٍ ووثنيّينَ، سَوفَ يعتمدونَ باسمِه، وسوفَ يتبرَّرُونَ مِنَ الخطيئة، وَيَتَمَجَّدُونَ في الحياةِ الأبديّة. هذا كُلُّهُ عن طريقِ الإيمانِ بالمسيح، والمعموديَّةِ المقدَّسة.
مَن عَلَينا؟
العالَمُ ضِدُّنا: الطُّغاة- الشَّعب ? الأقرباء…
لكنَّ كُلَّ مَن هوَ ضدُّنا، بِشِدَّةٍ، لا يؤذينا؛ لأنَّهُ، وبغيرِ إرادته، يصيرُ سَبَبًا لِخَلاصِنا، وَبِسَبَبِهِ نَنالُ الأكاليلَ والخيراتِ الّتي لا تُحصى.
مَثَلاً، أَيّوب كانَ الشَّيطانُ ضِدَّه، فَأَثارَ عَلَيهِ أَصدِقاءَهُ، وامرأَتَهُ، وعبيدَهُ، مَعَ جِراحاتٍ وَمَكائدَ أُخرى. لكنْ، في النِّهايةِ انقَلَبَ كُلُّ شَيْءٍ مِن أجلِ فائدتِه. لماذا؟ لأَنَّ اللهَ كان مَعَه.
نصائح تُساعدُ على تَقَبُّلِ الشَّدائد:
– إذا أساءَ أَحَدٌ إِلَيكَ، تَقَبَّلِ الإساءةَ على أنّها أداةٌ مِنَ الله. فَبِإمكانِكَ، إذا رَغِبتَ، أن تستعملَها لِتَقتَلِعَ كُلَّ جُذُورِ القَذارَةِ مِن قَلبِكَ.
– إبتعدْ عَنِ الغَضَبِ قَدْرَ المُستَطاع، فالتّدبيرُ الإلهيُّ يَسمحُ بالصُّعُوباتِ بِهَدَفِ خلاصِ النَّفس. تَذَكَّرِ القدّيسَ بولسَ الّذي واجَهَ مَخاطِرَ في الأنهار، مِنَ الأعداء، مِن مُواطِنِيه، مِنَ الوَثَنِيِّين، مِن إخوةٍ مُزَيَّفِين، في المُدُنِ والصَّحارى وَالبِحار، مِنَ الأمراضِ على أنواعها.
– لا تُعِرْ أَيَّ اهتمامٍ لأَيِّ شخصٍ يُزعِجُكَ. تَذَكَّرْ فقط أنّهُ ما مِن أحدٍ يستطيعُ أن يُسيءَ إليكَ إذا كانَ اللهُ لا يُريدُ ذلك. وَمِنَ الأفضلِ أن تشكرَ اللهَ لأنَّهُ يُريكَ بِوُضُوحٍ مِن خلالِ المصاعبِ كم أنتَ قَريبٌ منه، وهو يَقُودُكَ إلى عالَمِ الجنّة. يقولُ الكتابُ المقدَّس: “إنْ كُنتُم تحتملونَ التّأديبَ يُعامِلُكُمُ اللهُ كالبَنِين؛ فَأَيُّ ابنٍ لا يُؤَدِّبُهُ أَبُوه!” (عب 7:12).
– تَحاشَ دائمًا أن تكونَ متجَهِّمًا أو عابسًا. أمامَ الرَّبِّ يجبُ أن تكونَ بريئًا كالأولادِ في علاقاتِكَ مَعَ الآخَرين.
– إستَرِحْ في مَحَبَّةِ الله. تَعَلَّمْها. تَنَفَّسْها. اللهُ مَحَبّة، وَمَنْ يَثبُتْ في المَحَبَّةِ يَثْبُتْ في الله، وَيَثبُتِ اللهُ فيه. مَعَ اللهِ تُصبحُ الحياةُ الصَّعبةُ حُلْوَةً.
– تَجَنَّبِ المُخاصَماتِ الّتي تُسَبِّبُ الاضطِرابَ في القَلب، وتَحرمُكَ مِن سلامِ الرُّوح. قاوِمْ كُلَّ أفكارِ المُخاصَماتِ بواسطةِ صلاةِ يَسُوع.
– أُطلُبِ الأشياءَ مِنَ الآخَرِين، مُتَحَلِّيًا بِصَبْرِ المرأةِ الكنعانيّة.
– إنتَصِرْ على الشَّرِّ بالخَير، فالسُّوءُ لا يُمكِنُ أن يُصَحَّحَ بالسُّوء.
– عندما تتوَتَّرُ علاقتُكَ مَعَ المُقَرَّبِينَ إليك، الْتَفِتْ أَوّلاً إلى نفسِكَ وافحَصْها بِشِدَّة. فَغالِبًا ما تَكُونُ أنتَ السَّبَب.
– عندما يَشْتَدُّ غَضَبُكَ ابْقَ صامِتًا، وَصَلِّ صلاةَ يَسُوع.
– لا تَشْتَكِ مِنَ الحياة. الأشرارُ فقط لا يحتملُونَها. وهذا لا يَنطَبِقُ على الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِيَسُوعَ المسيحِ وَيَثِقُونَ بِهِ وَيُحِبُّونَهُ
Discussion about this post