الشاب الشقي وكلمات التشجيع
كان ديفيد صبيًا شقيًا للغاية. يذهب إلى المدرسة بثياب قذرة، شعر رأسه ونظراته تكشف عن عنفه الشديد. لم تكن المُدرسة تستطيع أن تتحكم في الفصل بسببه. حاولت معه كثيرًا بلا جدوى، وكان فاشلاً في دراسته، لا يعطي اهتمامًا للدرس.
فكرت المُدرسة ماذا تفعل. كتبت في تقريره في السنة الأولي: “ديفيد وعد بأن يكون مجتهدًا، ظروفه العائلية صعبة.”
في السنة التالية كتبت التقرير التالي: “ديفيد أفضل من العام الماضي بسبب تحسن ظروفه الأسرية”.
وفي السنة الثالثة: “ديفيد شخص ممتاز وجاد، لكن وفاة والدته أثر علي دراسته”.
وفي السنة الرابعة: “ديفيد في تحسن بطيء لأن والده لا يهتم به”.
شعر ديفيد أنه مع مقاومته للمُدرسة وسلوكه غير السوي تحاول المدرسة أن تشجعه بكلمات لطيفة مع تبرير فشله وسوء سلوكه دون أن تجرح مشاعره. لاحظ أيضًا أنها ليست مجرد مُدرسة لكنها أم تشاركه مشاعره وتحس بآلامه.
في عيد الميلاد “الكريسماس”، قدم الصبيان هدايا للمُدرسة، وقد حاول كل صبي أن يقدم أفضل ما يمكنه ويزين الهدية بطريقة جذابة. أما ديفيد فقدم هديته مغلفة بورق رخيص غير ملون.
فُتحت المدرسة الهدايا أمام الطلبة، وكان الكل يتطلع إلى هدية كل صبي ويصفقون له، وكانت المُدرسة تشكره علي حسن اختياره ولمسات الذوق؟
أخيرًا أمسكت بهدية ديفيد، وقبل أن تفتحها أظهر الكل استياءهم بسخرية من أجل التغليف الرديء. أما المدرسة ففي ابتسامة فتحت الهدية فوجدت “عقدًا” من مادة رخيصة، به عدة أحجار رخيصة للغاية، وقد انكسر بعضها، كما وجدت زجاجة رائحة من الأنواع الرديئة.
في سرعة خاطفة قبل أن يعلق أحد الطلبة قالت المُدرسة: “أشكرك يا ديفيد علي هديتك الجميلة. إنه عقد جميل للغاية. يا لها من زجاجة رائحة ممتازة!”
لبست العقد ووضعت من الرائحة علي يدها، وهي تقول لكل طالب: “شم،إنها رائحة جميلة”.
انتهى العام الدراسي وجاءت الإجازة الصيفية، وانتقل ديفيد إلى المدرسة الثانوية فلم يعد يرى المُدرسة.
فوجئت المدرسة بخطاب من ديفيد جاء فيه:
“السيدة/…
أشكرك على اهتمامك بي، فمع كل شقاوتي وسلوكي الرديء كنتِ دائمًا تسنديني بكلمات التشجيع.
لن أنسى قط الاهتمام الذي قدمتيه، الأمر الذي لم أجده في والدي وحرمت منه من أمي بسبب طول فترة مرضها وبسبب مشاكلها مع والدي.
اسمحي لي أن أعتبرك أمًا لي. لقد قدمت لك أغلى ما لديّ، العقد الذي كانت تلبسه والدتي الفقيرة، وقدمت لك زجاجة رائحة من التي كانت تستخدمها والدتي، حتى أشتم فيكِ رائحتها!
إني لن أنسى كلمات التشجيع، فهي التي تسندني وسط ظروفي العائلية القاسية”.
انهمرت الدموع من عيني المُدرسة التي شعرت بحاجة كل إنسانٍ إلى كلمات التشجيع، وتذكرت قول الرسول بولس:
“شجعوا صغار النفوس، اسندوا الضعفاء تأنوا على الجميع” (1 تسالونيكي 5 : 14).
بعد أعوام فوجئت المُدرسة بخطاب من ديفيد يقول لها فيه:
“أشكرك فإن كلمات التشجيع التي سمعتها منكِ في إعدادي هي سرّ نجاحي، لقد نجحت بتفوق، فإني قد نلت شهادة الثانوية العامة، وترتيبي الثاني على كل القطر. أشكرك لما قدمتيه لي، فإني مدين لك بالنجاح”.
وبعد سنوات أرسل لها خطابًا مشابهًا يبشرها فيه بأنه قد تخرج في كلية الطب وترتيبه الأول على الدفعة.
وبعد أربع سنوات استلمت كارت دعوة بزواجه ومعه خطاب رقيق فيه يقول:
“لقد حُرمت من أمي في سنٍ مبكرٍ، وكلماتك سندتني، وهي سرّ نجاحي في كل جوانب حياتي.
أشعر أنكِ أمي.
أتقبلين أن تحضري حفل زواجي بعد أن نجحت في عملي كطبيب، وتقفين في موضع أمي. سأكون سعيدًا. لن أنسى قط دورك في نجاحي وسلامي!”
إذا استلمت الخطاب ركعت المُدرسة تشكر الله الذي استخدمها لبنيان حياة الكثيرين خلال توبتهم ونجاحهم.
بفرحٍ شديدٍ حضرت حفل الزواج لا كمدعوة بل كأم تحمل محبة صادقة وحكيمة في الرب.
علمني يا رب كيف أسند كل نفس بحكمة.
علمني أن أترفق بكل ضعيف.
هب لي أن أعين الآخرين ولا أحطمهم.
أنت معيني، هب لي أن أكون معينًا لإخوتي..
أبونا تادرس يعقوب
Discussion about this post