تقدمة الذات
كان “شاه عباس” احد الملوك العظماء في الامبراطورية الفارسية القديمة. تميّز حكمُه بالقوة والنفوذ، كما تميز بالتواصل مع شعبه الكبير في الإمبراطورية العظيمة.
ولما كان الإمبراطور حريصًا على معرفة أحوال الناس بعيدًا عن التقارير الرسمية، عمد إلى التخفّي، والتجول في الشوارع والأسواق، والاندساس بين العامة، والإصغاء لأحاديثهم، والتحاور معهم.
وفي ليلة من الليالي خلع الإمبراطور ثيابه الملكية وارتدى ثياب عامل فقير، وتسلّل من القصر، ودخل غرفة صغيرة يعيش فيها رجلٌ فقير، يجلس فوق كومة من القش. استقبل الرجل الفقير ضيفه الغريب، واستراح كلّ منهما للآخر، فتبادلا الأحاديث والنصائح. انتعش قلب الرجل الفقير لأنه وجد صديقا حكيما محبّا، وفي نفس الوقت فقيراً مثله يقتات من حشيش الأرض.
قام الرجل الفقير بواجب الضيافة، واحضر ما لديه: خبزٌ جافّ داكن اللون، وكوز ماء، وتناول مع ضيفه عشاءهما المتواضع، وانصرف الضيف.
تركت هذه الزيارة أثرًا عظيما في قلب الرجلين. فكرّر الإمبراطور الزيارة عدة مرات، وكان يأكل الرغيف الأسمر، ويشارك الرجل الفقير بعض أوقاته ثم ينصرف دون أن يفصح عن شخصيته.
وفي إحدى الزيارات، نظر الإمبراطور إلى الرجل الفقير وقال له: “أظنّك تحسب أنّي فقير مثلك؟” لم يجب الرجل. فقال له: “أنا الإمبراطور!” نظر الرجل الفقير إليه نظرة إعجاب ولم يقل شيئا. فقال الإمبراطور: “هل فهمت ما أقول؟” أجاب الرجل: “نعم يا سيدي الإمبراطور فهمت”. قال الإمبراطور: “الآن اطلب ما تشاء، أستطيع أن أجعلك من أغنى الأغنياء، أستطيع أن أمنحك مدينة كاملة، أستطيع أن أقيمك حاكما على ولاية، اطلب”.
لم يطلب الفقير شيئا، فدُهش الإمبراطور. عندئذ قال الرجل الفقير: “سيدي الإمبراطور، تستطيع أن تمنح هداياك الثمينة لأي إنسان في الإمبراطورية، لكنك – رغم غناك – لا تقدر الآن أن تمنحنَي اكثر مما منحتني في الليالي الماضية. لقد منحتني ذاتك، إذ تركتَ عرشك وقصرك ومجدك لتجلس معي في حجرتي المظلمة، كما تركت طعامك الملكي وأكلت من رغيفي اليابس. فماذا يمكنك أن تمنحني أكثر من ذلك. طلبي الوحيد هو أن لا تسحب مني صداقتك”.
عزيزي. عزيزتي.
ألا تذكرنا هذه القصة وهذا الملك بملك آخر! ملك تواضع ونزل من علياء عرشه ليسكن في قلوبنا الصغيرة ومنحنا كل شيء من غير أن نطلب !
أهذا الملك يطلب منا شيئاً واحداً أن نقبلا صداقته! فهل نرفضه؟
Discussion about this post