شذرات من الآباء الشرقيين
الصعود
للقديس يوحنا الذهبي الفم
قدَّمَ المسيح الى الآب باكورة طبيعتنا، ونالت التقدمة حُظوة في عينيه نظرًا لنقاوتها وسموِّ مُقدِّمها، فقبِلَها وأقامها إلى جانبه، قائلًا له:
“اجلِسْ من عن يميني”.
فمن هي تلك الطبيعة التي قال لها الله: “اجلسي من عن يميني”؟ منَ الواضح أنها تلك التي كانت قد سمعت هذا القول: “إنك ترابٌ وإلى التراب تعود”.
ألمْ يكفِ أن تُرفَع فوق السموات؟ وتُقيم بين الملائكة؟ ألم يكن في هذا كفايةٌ للتعبير؟
كلا، وأَيْمُ الحق! لقد ارتفعتْ على الملائكة، وفاقت مراتب رؤسائهم ومقامَ الكروبين والسارافيم وسَمَتْ على القوَّات ولم تقف إلى أن استولت على عرش الرّب عينه.
ألا ترى بُعدَ المسافة الفاصلة بين الأرض والسماء؟ أو لننطلق بالأحرى مما هو أسفل، ألا ترى المسافة بين الجحيم والأرض، والأرض والسماء، والسماء وأعلاها، وأعلاها والملائكة ورؤسائهم والقوَّات السماوية وأخيرًا عرش الملك؟ لقد جعل المسيح طبيعتَنا تجتاز هذه المسافة كلَّها.
تأَمَّل إذًا عمق الهاوية التي تدهورت فيها تلك الطبيعة في دورها الأول، وإلى أيِّ سموٍّ قد رُفعت.
لقد كان من المَحال أن تهبُطَ الطبيعة البشريَّة إلى أدنى مما بلغت، كما كان من المحال أن تصعد إلى أسمى مما رفعَها إليه المسيح بعد إنهاضِها.
Discussion about this post