الصعود الإلهي
الأرشمندريت/ سلوان أونر – اليونان
تعيد الكنيسة يوم الخميس الواقع بين أحد الأعمى وأحد الآباء لعيد الصعود الإلهي و يذكره القديس لوقا الإنجيلي في الإصحاح الأخير من إنجيله وفي بداية كتابه أعمال الرسل (لو44:24-53) و (أع1:1-14)، مشكّلًا الحدث الأخير لحياة المسيح على الأرض والظهور الأخير للسيد القائم من بين الأموات، وبه تنتهي مسيرة المسيح الجسدية على الأرض وتبدأ بعدها مسيرة أخرى للتلاميذ متابعين ما بدأه السيد لتأسيس الكنيسة، وكأنه حلقة الوصل بين عمل السيد الخلاصي وبين بشارة التلاميذ للعالم.
فبعد أن عشنا ولمدة أربعين يومًا مع التلاميذ، بعد قيامة السيد، نمجد قيامته الخلاصية ببهجة وفرح نوجّه الآن معهم أنظارنا نحو جبل الزيتون (أع12:1) مودّعين وساجدين للمسيح الصاعد إلى السموات.
يرافق حادثة الصعود أجواء الفرح والتمجيد للانتصار الذي تم. المسيح أنهى عمله الخلاصي منتصرًا على الموت وهو يصعد من الأرض إلى السماء كمنتصر وغالب، أما التلاميذ فيمجّدون المخلّص المنتصر والآب يستقبله مع الملائكة.
هذه الأجواء الفرحة لصعود السيد المجيدة تعبّر عنها القطعة الأولى لصلاة الغروب من خدمة هذا العيد: “إن الرّب قد صعد إلى السموات لكيما يرسل المعزّي إلى العالم”. فالسموات هيّأت عرشه والغمام هيّأ ركوبه.
الملائكة يتعجبون إذ يلاحظون إنسانًا أعلى منهم. الآب يقتبل في أحضانه من كان معه أزليًا.
الروح القدس يأمر جميع ملائكته ارفعوا يا رؤساء أبوابكم.
فياجميع الأمم صفقوا بالايادي لأن المسيح صعد إلى حيث كان أولًا“
فرح هذا العيد ليس فقط لتمجيد السيد الصاعد بل أيضًا لتحقق خلاص البشرية، لأن المسيح صعد إلى السماء حاملًا الطبيعة البشرية وأجلسها عن يمين مجد الآب. وهكذا وكما بقيامته من بين الأموات أصبح بكر القائمين أيضًا بصعوده أصبح بجسده بكر الطبيعة البشرية التي جلست عن يمين الآب. وتعبّر ذكصا أبوستيخن صلاة الغروب عن انتصار الطبيعة البشرية بصعود السيد: “صعد الله بتهليلٍ الرّب بصوت البوق ليرفع صورة آدم الساقطة ويبعث الروح المعزي ليقدّس نفوسنا“
هذا الفرح لصعود المسيح يقترن مع الحزن لفراقه، ويصف كاتب التسابيح، في القطعة الرابعة في صلاة الغروب، حزن التلاميذ عند مشاهدتهم السيد صاعدًا إلى السماء: “أيها المسيح الواهب الحياة إن الرسل لمّا عاينوك متعاليًا في السحاب فامتلأوا عبوسةً وناحوا بعبراتٍ ونحيبً قائلين: أيها السيد لا تغادرنا يتامى نحن عبيدك الذين احببتنا برآفتك بما أنك المتحنن لكن أرسل لنا روحك الكلي قدسه كما وعدت لينير نفوسنا“
فرح لإمكانية نيل الخلاص وحزن لفراق السيد، لكن كلّها برجاء أن السيد لن يتركنا يتامى بل سيرسل لنا الروح القدس المعزي الذي سيبقى معنا دائمًا، فسيتبع صعود السيد إلى السماء انحدار روحه القدوس إلى العالم وهذا ما تعبّر عنه القطعة الأولى من الليتين: “يارب لقد صعدت إلى السموات من حيث انحدرت فلا تتركنا يتامى لكن فليأت روحك حامً سلامةً للعالم وأعلن لبني الناس أفعال قدرتك أيها الرّب المحب البشر“
عيد الصعود هو سر كبير تعيشه الكنيسة ليس فقط في يوم الاحتفال بالعيد بل بكل لحظة يتوجه فيه المؤمن في صلاته نحو المخلص الذي صعد إلى السماء وجلس عن يمين عرش مجد الآب، كما شاهده القديس استفانوس يوم استشهاده: “وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ فَرَأَى مَجْدَ اللهِ وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِماً عَنْ يَمِينِ اللهِ” (أع55:7-56).
المؤمن الذي يعيش في الكنيسة يشعر بيد الله تباركه ويسمع كلامه عن إرسال الروح القدس بأنه سيأتي ليبقى معنا دومًا، فيتأكد الإنسان عندها أنه ليس وحيدًا فيتقوّى ويجابه الخطيئة بنعمة الروح القدس، هو يعيش على الأرض ولكن فكره يجب أن يكون موجّه دومًا نحو السماء وليس فكره فقط بل ونظره وهذا ما يدعونا إليه بولس الرسول: “فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ الْمَسِيحِ فَاطْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ الْمَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللهِ. اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لاَ بِمَا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ” (كو1:3-3).
لكن الشرط الأساسي لكي نراه هو أن نقوم معه، فالذين يعرفون القيامة ويعيشونها في حياتهم سيعرفون كيف صعد المسيح وأين جلس، والشرط الآخر لكي نقوم معه هو أن نمتلئ من نعمة الروح القدس كما حدث مع القديس استفانوس يوم استشهاده.
فهل نحن ممتلئون من الروح القدس لنعيش هذا العيد حقيقة أم بعد نحن غرباء نريد كل شيء إلا الذي يربطنا بالسماء لأنه مُتعب وصعب.
لكن مع ذلك أرسل الآبُ الروحَ القدس الذي ينتظر المجاهدين الظافرين لكي يسكن فيهم ويقدّسهم فيكونوا من أهل القيامة يرون ويسبّحون ويمجّدون الساكن في السماء عن يمين الآب.
Discussion about this post