أهداف ظهورات السيد المسيح
كان السيد المسيح يظهر للتلاميذ عبر 40 يومًا بعد القيامة بدءًا من أحد القيامة وحتى خميس الصعود وكانت أهداف الظهورات كما يلي:
1 – تأكيد حقيقة القيامة:
لقد كان الرّب يظهر للتلاميذ في أماكن كثيرة وبأعداد كبيرة وفي أوقات متعددة على مدى 40 يومًا وكان يظهر لهم بجسد القيامة النوراني ويدخل الى العلية والابواب مغلقة تمامًا كما يدخل النور من الزجاج دون أن يكسره
بالطبع كان من المتوقع أن يشكوا أن جسد القيامة هذا مجرد خيال او رؤيا أو أضواء لذلك كان الرّب يسوع يعود مؤقتا إلى صورة الجسد الاول الحسي الذى يمكن أن ُيرى وُيلمس ويمكن أيضًا أن يأكل و يشرب وذلك لكي يؤكد لهم أن جسد القيامة هو بعينه الجسد الاصلي بعد أن مات وقام وتغير إلى هذا الشكل المجيد النوراني والروحاني.
ولا غرابة فى ذلك ولا صعوبة فنحن رأينا الله في العهد القديم وهو الروح غير المحدود وقد ظهر في شكل انسان يأكل ويشرب كما حدث مع
1 – آدم: فى جنة عدن حين كان يتمشى الرّب في الجنة ويتخاطب مع آدم وحواء.
2 – ابراهيم: حين ظهر له في شكل انسان وأكل معه وشرب وتحدث معه عن خراب سدوم و عمورة وكان مع الرّب ملاكان ذهبا فأهلكا المكان بعد أن ظهرًا مع الرّب فى شكل رجلين وبعد اتمام المهمة عاد الرّب إلى الوضع الاول: روح غير مرئي ولا محسوس وعاد الملاكان إلى شكلهما الاول في السماء روحين لا يأكلان ولا يشربان.
3 – جدعون: حين ظهر الرّب له فى شكل انسان.
4 – منوح: أبو شمشون وامأته.
5 – يعقوب: حين ظهر له فى شكل انسان صارعه حتى طلوع الفجر وباركه.
6 – دانيال: حين ظهر له فى شكل انسان أيضًا .
وهكذا استطاع الرّب أن يؤكد لتلاميذه أنه هو هو المسيح الذي مات وهو الذي قام بجسد نوراني واستطاعوا أن يلمسوا جراحاته ويأكلوا ويشربوا معه وبعدها انطلق التلاميذ يبشرون بالفادى وفي أعماقهم ويقينهم أحداث الصلب وحقيقة القيامة.
2 – اعلان طبيعة جسد القيامة
لقد قام الرب من بين الاموات بجسد يتسم بالصفات التالية:
1 – نوراني: أي مصنوع من النور.
2 – روحاني: أي فيه مسحة روحانية.
3 – سمائي: أي قادر أن يخترق السموات الثلاثة سماء الطيور والجلد وسماء الافلاك والنجوم وسماء الفردوس مكان انتظار الارواح البارة .. ثم يصعد هذا الجسد فوق السموات الثلاثة ليستقر فى سماء السموات حيث عرش الله ليحيا مع الله إلى الابد في ملكوته في أورشليم السمائية.
4 – ممجد: حيت يتمجد هذا الجسد النورانى بأكاليل كثيرة منها:
اكليل القداسة: لأن جسد القيامة لا يخطىء.
واكليل الفرح: فلا حزن هناك.
واكليل الخلود حيث لا موت إلى الابد.
وهذا كله سيحدث في اليوم الاخير في المجيء الثانى للسيد المسيح حين يظهر على السحاب مع ملائكته القديسين والراقدون بيسوع يقومون بأجساد نورانية ويصعدون إلى السماء للقاء الرّب أما الاحياء بالجسد في ذلك اليوم فيتغيرون ( بعد موت سريع جون دون في القبر) ويلبسون أجساد نورانية ويصعدون هم أيضًا الى السحاب بقوة المسيح ليلتقوا بالرّب وملائكته واذ يجتمع الكل حول الرّب يسوع في السحاب يصعد بهم إلى أورشليم السمائية لنكون كل حين مع الرّب وإلى الابد.
3- مكأفأة وطمأنة المحبين:
فبعد الدفن وكان السبت يلوح استراحت المريمات بحسب الوصية وفي الفجر باكرًا جدًا والظلام باقي (كما يحدثنا انجيل معلمنا متى) تحركت المريمات بحب شديد الى القبر ومعهن الحنوط حيث لم يتمكن من تحنيط الجسد بصورة كاملة بسبب دخول السبت (غروب يوم جمعه الصلبوت) لم يأخذن معهن تلاميذ رجال وكن يسألن أنفسهن: من يدحرج لنا الحجر ؟ حيث كان الحجر ثقيلا يغلق باب القبر.
وبعد أن سرن فى الطريق الطويل دون اجابة لهذا السؤال وصلن إلى القبر (مع مطلع الشمس كما يقول معلمنا مرقس) واذ بالحجر مدحرج والمسيح قد قام ورأين منظر ملائكة بشروهن بالقيامة المجيدة وطلبن منهن التبشير بالقيامة.
وخارج القبر ظهر الرّب يسوع للمريمتين فسجدتا له وأمسكتا بقدميه وتأكدتا من قيامته المجيدة ورجعتا إلى البيت وتحدثتا مع الرسل.
ثم جاءت مريم المجدلية مرة أخرى مع بطرس ويوحنا وكان يوحنا شابًا فوصل إلى القبر مبكرًا ورأى أن السيد المسيح لم يكن فى القبر ثم جاء بطرس بعده ووجد الاكفان مرتبة فى القبر ويسوع قد قام.
أما المجدلية فجلست تبكي إلى أن ظهر لها الرّب يسوع فظنت أنه البستانى الى أن ناداها باسمها : “يا مريم” فصاحت في فرح: “ربوني “أى يا معلم وتأكدت مرة أخرى من قيامته المقدسة وانصرفت بفرح تكرز بهذه الحقيقة المجيدة .
ونفس الامر حدث مع التلاميذ فى العلية اذ دخل اليهم والابواب مغلقة ثم أكل معهم وأشاع السلام فى قلوبهم وأرسلهم للخدمة والكرازة وقد تكرر هذا الظهور للتلاميذ كثيرا فتيقنوا من قيامته وفى احدى الظهورات ظهر الرب مرة أخرى لأكثر من 500 شخص عاشوا أكثر من 25 سنة بعد القيامة يكرزون بالمسيح الحي إلى أن ظهر لهم – المرة الاخيرة – على جبل الزيتون وصعد أمامهم الى السموات جسديًا.
4- قبول توبة بطرس:
كان بطرس الرسول في ضعف ما قبل حلول الروح القدس قد أنكر 3 مرات أنه يعرف المسيح وكان ذلك أثناء أحداث المحاكمة والصلب حيث كان الجو متوترًا والهجوم على السيد المسيح شديدا تمهيدا لصلبه المحي .
وبعد أن نظر الرّب إلى بطرس وهو ما زال تحت المحاكمة على يد بيلاطس وهيرودس وقيافا، ندم بطرس الرسول على إنكاره للسيد المسيح وتذكر تحذير الرب له حينما صاح الديك وتاب معلمنا بطرس “وبكى بكاء مرًا” ( مت 26: 75)
وإذا أراد الرّب أن يؤكد له قبوله لهذه التوبة الجميلة:
1- ظهر له وحده بعد القيامة “ظهر لصفا”
2- قال الملاك لمريم المجدلية ومن معها: اذهبن وقلن لتلاميذه ولبطرس : انه يسبقكم إلى الجليل هناك ترونه (مر 16 : 7) ومعروف أن بطرس واحد من التلاميذ لكن الرّب خشى أن لا يعتبر بطرس نفسه أنه ما زال من التلاميذ لذلك ذكر اسمه هو بالذات تأكيدا لقبول التوبة.
3- ظهر له مع 6 تلاميذ آخرين على بحر طبرية واختصه بحديث مستفيض وحوار خاص أعلن فيه معلمنا بطرس محبته للسيد المسيح فأعاده الرّب إلى رتبته الرسولية قائلًا: ” ارع خرافي … ارع غنمي (يو 21 : 17،16،15) وهكذا أكد الرّب له 3 مرات أنه أعاده إلى رتبته الرسولية بعد أن كان قد أنكر 3 مرات أنه يعرف يسوع.
ثم أنبأ الرّب معلمنا بطرس بموته (مصلوبًا منكس الرأس) حينما قال له: “اتبعنى ….. مشيرًا إلى أي أية ميتة كان مزمعًا أن يمجد الله بها” (يو 21 : 19) وهكذا أثبت الرّب لنا محبته للخطاة التائبين وغفرانه الأكيد وإعادتهم إلى الخدمة والشهادة.
5- علاج شك توما الرسول:
فحين ظهر الرّب في العلية بأورشليم يوم أحد القيامة لم يكن معلمنا توما معهم ولما قال له الرسول: “إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أؤمن” ( يو 20 : 25 )
وإشفاقا على معلمنا توما ومزيدًا من تأكيد القيامة ظهر الرّب في العلية في الأحد التالي للقيامة “اليوم الثامن” ( ورقم 8 هو رمز للأبدية بعد رقم 7 … أيام الخليقة ) وأعطى الرب فرصة لمعلمنا توما الرسول أن يلمس أثر المسامير في يديه ويضع يده في جنبه المطعون قائلًا له: “هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا”
فصاح معلمنا توما الرسول قائلًا: “ربي والهي”
ولئلا يصير هذا منهجا يتبعه الناس في الإيمان بالمسيح فيطلبون البرهان الحسي بدلا من يقين الإيمان قال الرّب لتوما في عتاب رقيق: “لأنك رأيتني يا توما آمنت طوبى للذين آمنوا ولم يروا” (يو 20 : 26-29)
وهكذا تأكدنا من حقيقة القيامة وضرورة الإيمان ورفض منهج الشك وطلب البراهين الحسية مكتفين بيقين الإيمان الذي شرحه لنا معلمنا بولس قائلًا: “أما الإيمان فهو الثقة بما يرجى والايمان بأمور لا تُرى” (عب 11 : 1)
فنحن مهما حاولنا بالعقل البشرى أو بالعين المجردة أن نتعرف على حقيقة وجود الله لن نتمكن من ذلك دون إيمان يقيني بأن عين الروح ترى ما لا تراه عين الجسد.
6- أحاديث أمور الملكوت:
قضى الرب يسوع الأربعين يومًا، من أحد القيامة وحتى خميس الصعود، يشرح ويفسر لتلاميذه “الأمور المختصة بملكوت الله” (أع 1 : 3)
وهذه الأحاديث الهامة كلها تسلمها الآباء الرسل شفويًا وسلموها لنا من خلال تعاليمهم ومبادئهم وقوانينهم وترتيباتهم في الصلوات والأسرار المقدسة .. وهي أمور في غاية الأهمية لم ترد مكتوبة بالحرف في أسفار الإنجيل ولكنها وردت في تسليم الآباء الرسل لتلاميذهم فيما بعد كالقديس بوليكاربوس أسقف أزمير والقديس أغناطيوس “حامل الإله” وغيرهما ….
وهذه حقيقة بل عقيدة هامة وهى أننا نستلم تعاليمنا المسيحية من مصدرين هما:
1- الكتاب المقدس كما سلمته لنا الكنيسة في العصور الأولى.
2- التقليد الكنسي الرسولى كما استلمه آبائنا الرسل من السيد المسيح وكما سلموه للأجيال التالية.
وها نحن نقرأ أن السيد المسيح عمل معجزات كثيرة لم تدون في أسفار الإنجيل كما نرى معلمنا يوحنا الرسول مشتاقا أن يتكلم مع تلاميذه فما لفم وليس ” بحبر وقلم ” ( 3 يو 13 )
كما أن الرسول بولس أوصى تلاميذه في تسالونيكي قائلًا: “اثبتوا إذا أيها الإخوة وتمسكوا بالتقليدات التي تعلمتموها سواء كان بالكلام أم برسالتنا” (2 تس 2 : 15) “نوصيكم أيها الإخوة باسم ربنا يسوع المسيح أن تتجنبوا كل أخ يسلك بلا ترتيب وليس حسب التقليد الذي أخذه منا” (2 تس 3 : 6)
إن الأربعين المقدسة التي سلم فيها الرب تلاميذه أسرار ملكوت الله هي أقوى دليل على أهمية “التقليد الرسولي الكنسي “بجوار أسفار الكتاب المقدس فهو بمثابة المذكرة التفسيرية التفصيلية للكتاب المقدس التي تشرح لنا عمليا ممارسات الكنيسة في الأسرار والقداسات والطقوس و الرسامات …. الخ.
7 – أرسال التلاميذ للكرازة:
أرسل الرّب من خلال هذه الظهوارات، تلاميذه القديسين للخدمة والبشارة قائلا لهم: “سلام لكم كما أرسلني الآب أرسلكم أنا” ( يو 20 : 21 ) قال لهم هذا يوم أحد القيامة في العلية و “نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت” ( يو 30 : 22 ، 23 )
وهكذا أعطى الرّب تلاميذه سر الكهنوت المقدس وسلطان الحل و الربط الذى سبق أن أنبأهم به قائلً: “كل ما تربطونه على الارض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلونه على الارض يكون محلولا في السماء” ( مت 18 : 18 )
وهو نفس ما قاله سابقا لمعلمنا بطرس حينما أعلن إيمانه بالرّب في نواحى قيصرية إجابة على سؤاله للتلاميذ: “من تقولون إني أنا؟ فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحي فأجاب يسوع وقال له: طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحما ودما لم يعلن لك يا سمعان لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أيضا أنت بطرس ( = صخرة ) وعلى هذه الصخرة أبنى كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك مفلتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السموات وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات ” (مت 16 : 15 -19 )
وهكذا من خلال الأربعين المقدسة حصلنا على البركات الكثيرة التالية:
1- تأكيد حقيقة القيامة 2- إعلان جسد القيامة
3- مكافأة المحبين وطمأنتهم 4- قبول توبة التائبين
5 – علاج شك الشكاكين 6- إعلان أسرار ملكوت الله
7 – إرسال التلاميذ للكرازة بالانجيل
Discussion about this post