وصـايا الله العشر: الوصيّة الثانية
لا تحلِفْ باسم الله باطلاً
إعداد
المطران بطرس مراياتي
والأب جان قـداديحي
يجب على الإنسان أن يحترم اسم الله ويجلّه لأنّه لاسم الله تجثو كلّ ركبة في السماء وعلى الأرض، وينحني له كلّ رأس من الملائكة والبشر، ويمدحه كلّ إنسان في السماء وعلى الأرض.
لذلك قال الربّ: “لا تحلِفْ باسم الله باطلاً” .فمن يحلف باسم الله باطلاً يحتقر الله ويستخفّ باسمه القدّوس، “فليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا، وما زاد على ذلك كان من الشرير” (متى 5/34-37). “لا تحلِفْ أبداً لا بالسماء ولا بالأرض”.
اسم الله قدّوس
بين جميع كلمات الوحي ثمّة كلمة فريدة هي اسم الله وقد أودع الله اسمه من آمنوا به. إنّ إعطاء الاسم يعني الثقة والمودّة لأنّ “اسم الله قدّوس”. لذا يجب ألاّ نسيء استعماله، بل علينا أن نحفظ ذكره في صمت العبادة المحبّبة وألاّ ندخله في أحاديثنا إلاّ لنباركه ولنمدحه ولنمجّده. على المؤمن أن يشهد لاسم الربّ بإجهار إيمانه بدون خوف.
إنّ عمل البشارة والتعليم يجب أن يتحلّى بروح العبادة والاحترام لاسم ربّنا يسوع المسيح.
التلفّظ باسم الله بالباطل
تنهى الوصيّة الثانية عن سوء استعمال اسم الله، أي كلّ استخدام غير لائق لاسم الله، ولاسم يسوع المسيح والعذراء مريم، ولجميع القدّيسين.
إنّ الوعود المقطوعة للآخرين باسم الله تلزم الشرف والوفاء والحقيقة والسلطة الإلهية ويجب أن تُحترم من باب العدالة. لذا، فإنّ عدم الإيفاء بها هو سوء استعمالٍ لاسم الله، وبنوع ما، نحن نجعل الله كاذباً (1يو 1/10).
التجديف هو التلفّظ بألفاظ محقّرة لله أو للقديسين أو للأشياء المقدّسة. التجديف هو تدنيس لاسم الله وهو إثمٌ فظيع لما فيه من التحقير لله تعالى وهو وقاحة كبرى، إذ إنّ الإنسان الحقير يتجاسر على شتم خالق السماء والأرض. وفي العهد القديم كان المجدِّف يُرجم بالحجارة حتى يموت. وكان الملك لويس في القرون الوسطى يأمر بقطع لسان المجدِّف.
القسم أو الحلف باسم الله
الحلف أو القسم هو اتّخاذ الله شاهداً على ما يؤكّده الإنسان. إنّه اعتماد صدق الله عربوناً للصدق الذاتي.
القَسَم أو الحلف باطلاً هو أن نحلِف كذباً أو لأمر تافه، أو لأمر لا نريد أن نتمّمه، أو لا نتمّم ما حلفنا أن نتمّمه.
متى يجوز الحلف؟ لا يجوز أن نحلف باسم الله أو بالإنجيل أو بالقدّيسين إلاّ لأمر صادق ومهمّ وصالح، فالحلف لأجل إثبات كلام بسيط أو لأجل اللعب غير جائز وإن كان صادقاً، فهو غير مهمّ.
الحلف غير الصالح: من يحلف أنّه يضرب أو يقتل أو يسرق أو يفعل شرّاً فلا يجوز له أن يتمّم حلفه لأنّ هذه الأعمال غير صالحة تخالف شريعة الله.
الحلف الكاذب: إنّ الحلف الكاذب باسم الله والقديسين احتقار عظيم لله وللقدّيسين.
أمّا الحلف الصادق لأجل أمر مهمّ أمام القاضي أو الأسقف أو غيرهم فهو يمجّد الله.
ذكر يسوع الوصيّة الثانية في عظة الجبل “سمعتم أنّه قيل للأولين: “لا تحنث (أي لا تخالف اليمين التي أقسمتها)، بل أوفِ للربّ بإيمانك”. أمّا أنا فأقول لكم: “لا تحلفوا أبداً، لا بالسماء فهي عرش الله، ولا بالأرض فهي موطئ قدميه… فليكن كلامكم: نعم نعم، ولا لا. فما زاد على ذلك كان من الشرّير”.
إنّ يسوع يعلّم بأنّ كلّ حلف يتضمّن إفادة لله وبأنّ حضور الله وحقيقته يجب أن يحترما في كلّ كلام.
لقد فهم تقليد الكنيسة كلام يسوع هذا بأنّه لا يتعارض والقسم عندما يتمّ لأجل أمر خطير وصوابي (أمام المحكمة مثلاً). “القسم أي استدعاء اسم الله كشاهد للحقيقة يجب أن يستعمل للحقيقة فقط ببصيرة وصواب ” كما جاء في تعاليم بولس الرسول (2قور 1/23، غلا 1/20).
النذور
النذر هو أن نعد الله بعمل صالح أو شيء صالح نكرّمه به. وبقدر ما نحترم الله نتمّم وعدنا له. فمن يعد وعداً يلتزم أن يتمّ وعده. والنذر هو وعد من الإنسان لله فيجب على الإنسان أن يتمّمه.
النذر غير الصالح: من نذر بأن يقدّم شيئاً لله أو للكنيسة فقدّم شيئاً زريّاً حقيراً، كانت تقدمته كتقدمة قايين التي رذلها الله لأنّها كانت من نفاية ما عنده.
شروط النذر: أن يكون برويّة ومعرفة وحرّية، وإذا نقصه شرط من هذه الشروط فلا يلتزم به صاحبه. مثلاً: أمّ فقيرة داهم ابنها خطر فجائي فخافت وفي حال خوفها نذرت دون تروٍّ أن تقدّم إلى مار الياس إسوارة ذهبية. فنذرها ينقصه التروّي.
ابنة نذرت أنّها إذا شفيت من مرضها ستزور ديراً مقدّساً مشياً على الأقدام فلمّا شفيت وجدت أنّ المزار بعيد جدّاً ولم تكن عارفة بذلك، فنذرها تنقصه المعرفة.
ابنة أجبرها أحد أهلـها على الترهّب فدخلت الدير ونذرت النذور الرهبانية مرغمةً، فنذرها تنقصه الحريّة.
على الناذر في هذه الظروف أن يعرض أمره على الكاهن المعرِّف.
النذر يلزم صاحبه فقط: لا يلتزم الإنسان بإيفاء ما نذره عنه آخر. مثلاً: اشتدّ المرض على شابّ وقارب الموت، فأخذ كلّ من الأهل والأقارب والأصحاب ينذر عنه نذراً. شُفي الشاب وتعافى فجاؤوا يخبرونه بالنذورات التي نذروها عنه، فالشريعة لا تلزم الشابّ أن يفي هذه النذورات لأنّ النذر يلزم صاحبه فقط، أي الذي نذره.
يمكن إبدال النذر بما يماثله. فمثلاً نذرتَ أن تقدّم للكنيسة تمثالاً للعذراء، وكان في الكنيسة تمثال للعذراء فيمكن أن تقدّم شيئاً آخر بثمن التمثال. مَن نذر نذراً ولم يتمكّن من إتمامه فليعرض ذلك على مرشد اعترافه، والمرشد يبدّله له. امرأة نذرت بأن تمشي حافية طيلة شهرٍ ولم تتمكّن من ذلك بسبب صحّتها أو بسبب آخر، فالمعرّف يمكنه أن يبدّل لها هذا النذر.
زوال النذر: يزول النذر بالإبطال أو بالتفسيخ أو بالإبدال. يمكن للأب أن يُبطل نذر ولده، والرئيس نذر مرؤوسه والزوج نذر زوجته، إذا كان النذر يتعارض وسلطتهم.
النذور الرهبانية ثلاثة: العفّة والفقر والطاعة. هذه النذور تكون مؤقّتة أي تجدّد كلّ سنة، أو مؤبّدة أي مدى الحياة.
هذه النذور هي مقاومة تيّار العالم وخاصّة العالم العصري، إنّ روح العالم العصري يوجّه الشباب كي يشبع من ملاذّ الحياة ونعيمها، فبنذر العفة يتخلّى الإنسان عن اللذّات الجسدية حتى الجائزة منها ضمن الزواج.
يدعو روح العالم أن يكون الإنسان صاحب ثروةٍ كبيرةٍ يستخدمها للمجد والفخر ورغد العيش وهناءة الحياة، والعالم يعتبر الفقير حقيراً والغنيّ عظيماً. فبنذر الفقر يتخلّى الإنسان عن كلّ ملكية ولا يحقّ له أن يتصرّف في شيء دون إذن الرئيس.
ينادي روح العالم بأن يكون الإنسان حرّاً، والحريّة هي أعزّ شيء على قلب الإنسان. ها هي الشعوب في اقتتال للدفاع عن الحريّة أو للحصول عليها. إنّ الإنسان يتباهى ويفاخر بالحريّة، وإذا فقدها عُدّ عبداً. فبنذر الطاعة يتخلّى الإنسان عن حريّته وإرادته ويطيع الرئيس ولا يعمل عملاً دون إذنه.
فالشابّ أو الشابّة اللذان يتنازلان، حبّاً لربّهما وبقريبهما، عن إرادتهما وعن خيرات الأرض وعن ملاذّ الجسد، يستحقّان الإكرام والإعجاب والمحبّة!
الاسم المسيحي
يُمنح سرّ المعمودية “باسم الآب والابن والروح القدس” (متى 28/19). في المعمودية يقدّس اسم الربّ الإنسان ويحصل المسيحي على اسمه ضمن الكنيسة. قد يكون اسم قدّيس عاش حياة أمانة مثالية لربّه، ورعاية القديس تقدّم لحامل اسمه مثالاً للمحبّة وتؤكّد شفاعته. “اسم المعمودية” يطبع المؤمن بالفضائل المسيحية.
يبدأ المسيحي يومه وصلواته وأعماله بإشارة الصليب “باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين”. يقدّم المعمّد يومه لمجد الله، ويستدعي نعمة المخلّص التي تمكّنه من التصرّف بحسب الروح كابنٍ للآب. هذا وإنّ إشارة الصليب تقوّينا في التجارب والصعوبات.
يدعو الله كلّ واحد باسمه، اسم كلّ إنسان مقدّس. فالاسم هو أيقونة الشخص. لذا، يقتضي الاحترام، دلالةً على كرامة مَن يحمله.
في ملكوت الله تشعّ بنور ساطع العلامة السرّية والوحيدة لكلّ شخص ممهور باسم الله.
يقول الربّ “سأعطي الغالب منّاً خفيّاً وحصاةً بيضاء، حصاةً منقوشاً فيها اسم جديد لا يعرفه إلاّ الذي يناله” (رؤيا 2/17) هذا الاسم يمنحنا الله إيّاه في جرن المعمودية عندما نصبح أبناءه.
المراجع:
– كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية.
– “المسيحية في أخلاقيتها”
( التعليم المسيحي الكاثوليكي للبالغين) سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليــوم، رقم 19 – منشورات المكتبة البولسية، لبنان،1999.
Discussion about this post