وصـايا الله العشر
احفظْ يومَ الربّ
إنّ الله قد خلق السماء والأرض وما فيها في ستّة أيّام وفي اليوم السابع استراح من عمله.
وأخرج شعبه من مصر وحرّرهم من عبوديّة الفراعنة في اليوم السابع أيضاً. لذلك أمر بحفظ هذا اليوم تذكيراً براحته من أعمال الخلق العظيمة، بتحريره شعبه من عبوديّة الفراعنة.
فالإنسان، إذاً، يتذكّر في يوم الربّ، قدرةَ الله العظيمة التي أوجدت المخلوقات، ويتذكّر راحة الله أي فرحه وابتهاجه بما صنع، ويتذكّر الحرية التي أراد الله أن يمتّعه بها ليكون فرحاً مبتهجاً.
يوم الربّ في العهد القديم
الوصيّة الثالثة من وصايا الله العشر تذكّرنا بقداسة يوم السبت: “وفي اليوم السابع السبت، عطلة مقدّس للربّ” (خر31/15).
فالكتاب المقدّس يذكر عمل الخلق في هذا الصدد: ” لأنّ الربّ في ستّة أيام خلق السماوات والأرض والبحر وجميع ما فيها وفي اليوم السابع استراح، ولذلك بارك الربّ يوم السبت وقدّسه (خر 20/11)
خصّ الله شعبه بيوم السبت لكي يحفظوه عهداً أبدياً. يوم السبت هو محفوظ للربّ لمدحه على أعمال خلقه وخلاصه.
يروي لنا الإنجيل أحداثاً كثيرة أتُّهم فيها يسوع بخرق حرمة السبت، ولكنّ يسوع لم يكن يتوانى في تقديس هذا اليوم. فقد أعطى بسلطانٍ مفهوم السبت الصحيح: “إنّ السبت جعل للإنسان، وما جعل الإنسان للسبت” (متى 27/2)
وقد أفهم الفريسيين بسؤاله: “أَعَمَلُ الصالحات يحلّ في السبت أم عمل السيّئات، وتخليص نفس أم إهلاكها؟” (مر 3 / 4).
يوم السبت هو يوم رحمة الله وعزّه، فابن الإنسان سيّد السبت” (مر 2/28).
يوم الربّ في العهد الجديد
قام يسوع من بين الأموات: “في أوّ ل يوم من الأسبوع” (متى 28/1). أوّل يوم قيامة المسيح يذكّرنا بأوّل خليقة بعد يوم السبت، نعني الخليقة الجديدة المكرّسة بقيامة المسيح.
وقد أصبح لأجل المسيحيين الأوّل لكلّ الأعياد، يوم الربّ.
يتميّز يوم الأحد عن يوم السبت إذ نذكره لقيامة الربّ يسوع من القبر، لأنّ قيامة الربّ يسوع تتضمّن معاني السبت بنوع أسمى وأكمل.
فسيّدنا يسوع المسيح بموته وقيامته خلقنا خلقاً جديداً وحرّرنا من عبوديّة الخطيئة. فعمل الخلق لم يكلّف الله ما كلّفه عمل الفداء.
وتحريره إيّانا من الخطيئة أعظم بكثير من تحرير شعبه من عبوديّة الفراعنة.
الاحتفال بالقدّاس الإلهي
إنّ الاحتفال يوم الأحد بالقدّاس الإلهي هو قلب حياة الكنيسة النابض. “يوم الأحد، حسب التقليد الرسولي، إذ يحتفل بسرّ قيامة المسيح، يجب أن يحافظ عليه في الكنيسـة جمعاء كوصيّة يوم عيد” (قانون 246).
ولذا، يقوم المسيحي بفروض العبادة الواجبة على الخليقة نحو خالقها الذي خلقها وافتداها وحرّرها. أمّا فروض العبادة فهي حضور القدّاس وسماع كلام الله وممارسة الأمور الدينية والأعمال التقوية والخيرية، ومطالعة الكتب الدينية التي تفقّهنا بالدين وتعمّقنا في الفضيلة ومحبّة الله.
وفي العهد القديم تشكّى الله من شعبه قائلاً: “إنّ سبوتكم وأعيادكم أصبحت ممقوتةً فما ذلك إلاّ لأنّ الشعب كان يمضي هذه الأيام في أفراح مادّية دون مبالاة بالأمور الروحية، كما يفعل اليوم بعض المسيحيين إذ يمضون أيّام الآحاد والأعياد في الملاهي والمنتديات والأفراح الدنيوية ومنها المحرّمة، دون أن يفكّروا في المشاركة في القدّاس وفي الاهتمام بأمر نفوسهم، وكثيراً ما تكون أيّام الآحاد لفعل الخطايا والابتعاد عن الله!
عمَّ ينهانا الله في يوم الأحد وبماذا يسمح لنا؟
ينهانا الله بهذه الوصيّة عن العمل وهو نوعان: عقلي وجسمي.
فالعمل العقلي هو الذي يعمل فيه العقل أكثر من الجسم، وهو مسموح يوم الأحد.
أمّا العمل الجسمي فهو الذي يعمل فيه الجسم أكثر من العقل وهو غير مسموح به يوم الأحد إلاّ للضرورة.
بعض الأعمال تعتبر عقلية ولو عمل فيها الجسم مثل عمل التصوير، وبعض الأعمال لا تعتبر جسمية ولو عمل فيها الجسم كثيراً مثل الألعاب الرياضية.
أمّا الكتابة والقراءة والدرس والقيام بالأشغال المنـزلية الضرورية كإعداد الطعام وتنظيف البيت وترتيبه، وعرض بضاعة أو أمتعة كثيرة الأنواع
وقد صارت عادة في بعض البلدان يوم الأحد لعدم إمكانية اجتماع الناس في غير أيّام الآحاد، وبعض المهن مثل الحلاقة والتزيين.. هذه كلّها مسموح بها.
ونظراً إلى الاختراعات الحديثة في عصرنا يصعب تحديد العمل الجسمي أي العمل الذي يتعب فيه الجسم أكثر من العقل.
مثلاً: “مراقبة آلة تعمل دون أن تحتاج من المراقب إلى أيّ تعب سوى الانتباه”. فإذا كان عمل المراقب ضرورياً لمصلحة عامّة يسمح له بالعمل كيفما اعتبر عمله جسمياً كان أم عقلياً.
وأيضاً، نظراً إلى حركة العمل في عصرنا كعمل عامل الهاتف وعامل القطار وعامل الفندق وغيرهم من العمّال الذين يؤمّنون مصلحة عامّة فإنه يسمح لهم بالعمل يوم الأحد، سواء اعتبر عملهم جسمياً أم عقلياً، لأنّ الضرورة تقضي بالعمل العامّ. لكن، على هؤلاء أن يهتمّوا بخلاص نفوسهم من حضور قدّاس وإتمام صلوات في وقت راحتهم
ولذلك فقد سهّلت الكنيسة القدّاس المسائي و الصوم القرباني.
قدسيّة يوم الأحد
إنّ وصيّة الكنيسة تحدّد شرعية الربّ وتحقّقها “يوم الأحد وأيّام الأعياد المأمورة، على المؤمنين الاشتراك في ذبيحة القدّاس ” (قانون 881/1)
“إنّ الذي يحضر القدّاس يوم العيد أم في مساء قبل يوم العيد يكون قد وفّى وجوب حضور القدّاس” (قانون 881/2).
إنّ قدّاس يوم الأحد يؤسّس ممارسات الشعائر الدينية ويثبّتها ولذا، فالمؤمنون مجبرون أن يحضروا القدّاس في الأيّام المفروضة إلاّ في حالة المرض أو الإعفاء من قبل الرئيس الروحي (قانون 881/1) وكلّ من يخالف هذه الوصيّة يرتكب خطيئة كبيرة.
إنّ الاشتراك في الاحتفال الجماعي في الذبيحة الإلهية هو شهادة لاتّباعنا وإخلاصنا للمسيح ولكنيسته.
بهذا العمل يحقّق المؤمنون شركتهم في الإيمان والمحبّة. إنّهم يشهدون معاً لقداسة الله ولرجائهم في الخلاص. إنّهم يتقوّون بعضهم مع بعض بقيادة الروح القدس.
في احترام الحرّية الدينية ومصلحة الجميع يجب على المسيحيين أن يعرّفوا للجميع بأنّ أيّام الآحاد والأعياد الكنسية هي أيّام عطل شرعية.
يجب أن يعطوا للجميع مثلاً جماعياً للصلاة، وللاحترام والفرح في الدفاع عن تقاليدهم كفريضة ثمينة للحياة الروحية. إذا كانت قوانين البلد تفرض العمل يوم الأحد أو ثمّة سبب آخر، لنعشْ هذا اليوم مثل يوم خلاصنا الذي يشركنا في “حفلة عيد” في
“جماعة الأبكار المكتوبة أسماؤهم في السماوات” (عب 12/22 – 23).
المراجع:
-كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية.
-“المسيحية في أخلاقيتها” (التعليم المسيحي للبالغين) سلسلة الفكر المسيحي بين الأمس واليوم، رقم 19 – منشورات المكتبة البولسية – لبنان – 1999.
-“يوم الربّ” رسالة رسولية لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني – الفاتيكان 1998، طُبعت باللغة العربية – جلّ الديب – المركز الكاثوليكي للإعلام – لبنان.
Discussion about this post