في الأرض التي يعطيك الرب ألهك
المقدمــــة
الله في العهد القديم كرّم الوالدين كل التكريم منذ بدء الخليقة وخلق أول إنسان على صورته وأسلمه جنة عدن ليستمتع بها
ومنحه سلطان على جميع الخلائق الأخرى من النباتات والحيوانات وتأكيدا لهذه المحبة خلق له شريكا ليكون عونا له وبذلك تأسست أول عائلة على الكرة الأرضية مؤلفة من آدم الرجل و حوآء المرأة .
غير أن هذه العائلة الحديثة فشلت في أول تجربة مرت بها عندما لم تحافظ على الوعد الذي قطعته للرب في عدم التقرب من الشجرة التي في وسط الجنة والأكل من ثمارها بتحريض من الشيطان في هيئة حيّة مما سبب في غضب الرب منهم وطردهم من جنة عدن ليواجهوا الحياة الصعبة على الأرض .
كما أنهم أيضا فشلوا في تنشأة عائلة متماسكة حيث حدثت أول جريمة قتل على الأرض بقتل قايين أخاه هابيل , وبالرغم من ذلك ولكون الله كله محبة وغفران فقد شائت أرادته أن تستمر الحياة على الأرض فساعدها على التغلب على الصعوبات التي واجهتهم وكان راعيا وحافظا لها لتتكاثر ويكون لهم أبناء ملئوا الأرض .
أما عبارة ( لكي يطول عمرك في الأرض ) فلا أعتقد أن القصد منها أن تطول سنين عمرك على الأرض بقدر ما يقصد منها أن تطول الأيام التي تعيشها وأنت في سعادة وفرح ونعمة على الأرض.
2 – من هم الأب و الأم حسب المفهوم المسيحي في العهد الجديد ؟
الأب والأم هما أنسانان , رجل واحد و أمرأة واحدة , جمعهما الرب برباط مقدس و وحّدهـما لدرجة أنه أعتبرهما واحدا وليس أثنان وسمّى هذا الرباط المقدس بالزواج , و أعتبره سرّا من أسرار الكنيسة السبعة (( المعمودية ـ الميرون ـ التوبة ـ القربان المقدس ـ مسحة المرضى ـ درجة الكهنوت ـ والزواج ))
ذلك لأن هذا الزواج هو وعد من كلا الطرفين , الرجل و المرأة أمام مذبح الرب و يقوم بمراسيمه الكاهن ويشهد عليه جماعة المؤمنين . ليكون أعلانا ببدء تأسيس بيت مسيحي تسكنه عائلة مسيحية مؤمنة بتعاليم الرب وكنيسته المباركة وليضعا نفسيهما تحت تصرف الرب ليساهما في تدبير الرب بديمومة الحياة على الأرض وأنجاب الأبناء لمحبته و عبادته اللذين خلقوا لهذه الغاية ..
3 – الوالدين والتزاماتهما
يؤكـد الكتاب المقدس ( العهد الجديد ) على أهمية رعاية الآباء لأبنائهم وذك كما جاء في رسالة رسول الأمم القديس بولس الرسول الى أهل آفـسـس عندما قال ( و أنتم أيها الآباء ,لا تغيظوا أبنائكم ,بل ربوهم بتأديب الرب ونصحه ) آفـسـس 6 : 4
حيث أنه للوالدين الدور الأول في تربية أولادهم و توجيههم وزرع التربية و الأيمان المسيحي في نفوسهم وقلوبهم وعقولهم كما علمنا الرب في كتابه المقدس وذلك منذ صغرهم وقبل أختلاطهم بالمجتمع والمدرسة .
فالطفل يقلد والديه في كل شيىء فأذا كانوا مداومين على الصلاة , فالأبناء سيلتزمون كذلك بهذه العادة الحميدة . وأذا كان تعامل الوالدين مع بعضهما البعض بالود والمحبة , فالأبناء أيضا سيكتسبون هذه العادة منهما ويتعاملون مع بعضهم البعض ومع أصدقائهم في المدرسة والمجتمع بالود والمحبة .
وإذا كان الوالدين بعيدون عن الكذب والنفاق والكبرياء والنميمة والتكلم عن الناس في غيابهم فأن الأولاد كذلك سيكتسبون هذه الصفات الحميدة . و أذا كان تعامل الآباء مع آبائهم وأمهاتهم ( الجد و الجدة ) تعاملا حسنا وكما أوصى الرب . فأن الأولاد أيضا سيكتسبون هذه العادة و سيحترمون والديهم في المستقبل في كبرهم .
وكذلك على الوالدين الأستمرار في واجباتهم تجاه أولادهم بعد خروجهم الى المجتمع وأختلاطهم بأنواع متباينة من التربيات سواء من أولاد في سنهم أثناء الدراسة أو من أناس في مختلف طبقات المجتمع.
وعليه فعلى ألوالدين متابعة أولادهم في المدرسة بأتصال وثيق مع معلميهم و مدرسيهم وكذلك مراقبتهم في أختيار أصدقائهم وأبعادهم عن أصدقاء السوء وتشجيعهم على مصادقة ذوي التربية القويمة والأخلاق السليمة . كل ذلك بأسلوب تربوي يعتمد على الأقناع والحوار والنصح الهاديء بعيدا عن الزجر والعنف والدكتاتورية.
4 – الأبناء وألتزاماتهم
تتمحور الوصية الرابعة من وصايا الله العشرة حول ضرورة أكرام الأبناء لآبائهم ونصها ( أكرم أباك و أمك لكي يطول عمرك في الأرض التي يعطيك الرب ألهك ) *
و جاء في الكتاب المقدس ( العهد القديم ) في سفر الأمثال عدة تأكيدات حول نفس الأمر.
*** أسمعوا أيها البنون تأديب الأب , و أصغوا لأجل معرفة الفهم ( أمثال 1 – 4 )
*** أسمع يا أبني تأديب أبيك , و لا ترفض شريعة أمك ( أمثال 1 – 8 )
*** من يحب التأديب يحب المعرفة , و من يبغض التوبيخ فهو بليد ( أمثال 1 – 2 1 )
وفي العهد الجديد يؤكد القديس بولس الرسول في الفصل السادس من رسالته الى أهل آفسس على طاعة الأبناء الى الوالدين عندما يقول ( أيها الأبناء , أطيعوا والديكم في الرب , فذلك عدل )(( أكرم أباك و أمك ))
تلك أول وصية يرتبط بها وعد وهو (( لتنال السّعادة و يطول عمرك في الأرض )) آفسـس 6 : 1 – 3 .
لذلك يحـمـّل الرب الأبناء ألتزامات كثيرة تجاه الوالدين والكتاب المقدس يزخر بأمثال عديدة و وصايا ألهية تلزم الأبناء بأكرام و طاعة الآباء والعمل لأكرامهم ويسفّــه ويحتقر الأبناء العاصين والذين لا يقدمون الأكرام لوالديهم
كما ورد في سفر التكوين وغضب نوح على أبنه حام ولعنه أياه لأنه أستهزأ بعورة أبيه , كما يورد أيضا مثالا على الطاعة التي أبداها أسحق لأبيه أبراهيم وهو يأخذه ليقدمه ذبيحة للرب كما أمر الرب كأمتحان لأبراهيم وكذلك لطاعة أسحق لأبيه دون مناقشة . وكذلك أولاد يعقوب العشرة وأستمرارهم بطاعة و أكرام أبيهم بالرغم من معرفتهم أن أبيهم يعقوب يفضل ولديه , يوسف و بنيامين عليهم جميعا.
5 – ماذا أذا قصّر الوالدين في ألتزاماتهم
في جميع المجتمعات تبرز حالات كثيرة لأهمال وتقصير الوالدين تجاه أبنائهم أما لظروف أجتماعية أو تربوية أو دينية أو ثقافية مما يسبب خللا في توفير التربية الصالحة للأولاد قد يؤدي ذلك في سلوكية غير قويمة لدى الأولاد .
فهل يعني ذلك أن ينتقم الأولاد من والديهم لأنهم قصروا في واجباتهم تجاههم ؟
أن الرب لم يعط هكذا صلآحية للأبناء في وصيته أعلاه ولم يذكر من هم الآباء المستحقين الأكرام و الآباء المستحقين أن يهملوا في شيخوختهم نتيجة لأهمالهم في تربية أولادهم . بل أكد على أكرام الأب والأم مهما كانت الظروف بل على الأولاد أن يطبقوا وصية الرب بالأكرام أما محاسبة المقصر فهي من سلطة الرب وحده فالله وحده له السلطة على غفران الذنوب أو معاقبة المسيء .
والأبناء اللذين لا يكرمون آبائهم فأنهم بذلك يخالفون أحدى وصايا الرب وسوف يكونون خاضعين للعقوبة . أما الأبناء اللذين يطبقون وصية الرب فيكرمون أبائهم أو أمهاتهم فأنهم بذلك ينالون أستحسانا من الرب .
ويكون الأستحسان والأجر أضعافا مضاعفة للأبنـاء اللذين يكرمون والديهم بالرغم من تقصيرهم تجاه الأبناء . فالمسيحي الحقيقي هو الذي يقابل الشر بالأحسان والأعتداء بالغفران والكره بالمحبة.
6 الخاتمـــــة:
نستخلص مما ورد أعلاه مبادىء مهمة أكد عليها الكتاب المقدس بعهديه ( القديم و الجديد ) أهمها : ـ
أ – أكرام الوالدين هو أمر من الرب لا يمكن فيه الأجتهاد أو التأويل.
ب – لا يجوز للأبناء محاسبة الوالدين , فالحساب والثواب هو من الرب وحده.
ج – كل ما يقوم به الأبناء لوالديهم من أكرام أو أهمال فسوف يسري عليهم مستقبلا .
مثال من واقع الحياة (1 )
كان لأب أبن وحيد , أعتنى و تعب في تربيته , فكبر الولد وتزوج و سكن الأب مع أبنه في نفس البيت أذ لم يكن له أي مكان آخر للسكن . كبر الأب و سا ء ت صحته , أذ أصيب بمرض عصبي ادى الى أن ترتجف يداه ورأسه يهتز من شدة المرض فكان كثيرا ما يقع الطعام منه وهو يحاول أن يضعه في فمه , و أحيانا أذا مـــــا أرتجفت يداه كثيرا وقع منه الصحن على الأرض منكسرا . فأتفق الأبن و زوجته أن يجلسوا الأب في زاوية من المطبخ منفردا , بينما هما مع أبنهما الصغير يأكلان على الطاولة الكبيرة , و صنع لأبيه صحن من الخشب ليأكل فيه حتى أذا ما وقع من يده على الأرض لا ينكسر .لم يعترض الأب على ذلك ولكن كان حزينا في داخله .
مرت الأيام و ذات يوم بينما الولد الصغير يلعب , وجد قطعة من الخشب فأخذ يلعب بها محاولا أن يصنع منها شيئا , فسأله والديه ماذا تريد أن منها ؟ فأجابهما , أحاول أن أصنع منها صحنا أقدمه لكم عندما أكبر . لدى سماعهما ما قاله أبنهما الصغير , أخذ الأبن وزوجته يبكيان واتجها نحو الأب المسن و بكل رفق أخذاه من زاوية المطبخ , و أجلساه معهما على نفس المائدة ليأكلا سويــة
Discussion about this post