لاهوت أدبي: الوصية الثانية
“لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً …”
بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس
1) ما تمنع عنه الوصية الثانية:
“لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً” (تثنية 11:5)
يوجد ارتباط عميق بين الاسم والشخص. فعندما أذكر اسم الله، فأنا أتحدث عن ذات الله. لذلك فالوصية الثانية ترتبط ارتباطاً كاملاً بالوصية الأولى الأساسية، وتفرع منها وتكملها.
فالله الواحد الأحد، يستحق ويقتضي كل إكرام وتقديس. وكما سبق وقلنا، الوصايا هي كلمة الله. والجواب عليها موقف كياني يقوم على الفضائل الثلاث: الإيمان والرجاء والمحبة.
– بالإيمان: أدرك وأعيش القيمة المطلقة لله في حياتي، فيكون له التكريم الأسمى.
– بالرجاء: أعيش الثقة في شخص الله، وأحترم اسمه ووجوده.
– بالمحبة: يدفعني الحب أن أتلفظ باسم المحبوب باحترام، ولا أستعمله بطريقة خاطئة قد تسيء إليه.
تحذرنا هذه الوصية من أن نستخدم اسم الله لخدمة أغراضنا الشخصية، بدلاً من تقديسه. ويقوم الخطر في التعود على استخدام اسم الله بطريقة غير واعية. فنتخذه شاهداً وضامناً لصدقنا ولكلامنا، أياً كان. فإذا أقسمت باسم الله على شيء باطل، أجعل الله شريكاً في خطئي. وهنا يقوم شر الحلفان، بأن يخطئ الشخص في حق اله والقريب والذات.
تمنع الوصية الحلفان باسم الله باطلاً. وذلك إذا كان الاستشهاد باسم الله:
1- على كلام كاذب وغير صادق وغير صحيح. وللأسف كثيراً ما نلتجئ إلى الكذب خوفاً من كلام الناس، أو من المساءلة أو العقاب.
2- على كلام غير هام، أو تافه، أو مشكوك فيه وغير أكيد.
3- بدون احترام، أو بدون مناسبة كبيرة الأهمية.
ويستخدم بعض الناس القدسيات في الحلفان. فيحلفون مثلاً بالمسيح الحي- بالقربان- بالكنيسة- بالهيكل…الخ، لكي يحملوا السامعين على التصديق. وهذا كله من نفس نوع الحلفان باسم الله. لأنه يستخدم القدسيات المرتبطة بذات الله، أو بما يمسه عن قرب، من أجل مصلحة شخصية.
متى يجوز القسم (الحلفان)؟
يكون القسم (الحلفان) جائزاً، في الضرورة ولموضوع هام جداً. وفي الكتاب المقدس، خصوصاً عند الأنبياء، نجد آيات كثيرة يقسم فيها الله بذاته، لإعلان قرار هام، في موقف خطير.
وفي القسم الجائز، يجب أن تتوافر ثلاث صفات:
1- الحق: أي أن يكون الموضوع حقيقياً وصحيحاً.
2- الإدراك (الحكم): أن يتمّ بعد إدراك الموضوع والتأكد منه، وأن يكون الموضوع خطيراً، أو له أهمية كبيرة.
3- العدل: أن يكون الموضوع صالحاً ولائقاً.
هكذا مثلاً، يجوز القسَم لجل الشهادة الحق. حين تتوفر الصفات الثلاث المذكورة:
1- الحق: صدق الكلام وحقيقة الموضوع. ويكون استخدام اسم الله تعبيراً عن إيماني، بأن الله هو أساس كيان ومرجع كل سلطة. وهنا يظهر الارتباط بالوصية الأولى. لأني أتخذ الله شاهداً على صدق كلامي، في أمر كبير الأهمية.
2- الإدراك (الحكم): أن يكون الشخص المطلوب منه القسم واعياً بالموضوع، وبمدى أهميته، وبمدى تأثيره، سواء على المستوى الشخصي أو الجماعي.
3- العدل: أن يكون الموضوع لائقاً وصالحاً. ويمكن أن يكون القسم بالحق والعدل، حتى في أمور تتعلق بالشخص نفسه.
مَن له الحق أن يطلب القسم؟
يجوز القسم، عندما يطلبه أو يفرضه مَن له الحق في ذلك. ويرجع هذا الحق إلى السلطات الكنسية… ولابد أن يكون الموضوع هاماً، أو أن تتطلب الإجراءات الرسمية ذلك، للأهمية. ويعني القسم هنا أن الله شاهد على كل ما أقوله، وطرف في هذا الأمر، لأني أجعله ضامناً لصدق ما أقول.
المسيح وكمال الوصية
يوصينا السيد المسيح: “أما أنا فأقول لكم: لا تحلفوا مطلقاً، لا بالسماء لأنها عرش الله، ولا بالأرض لأنها موطئ قدميه، ولا بأورشليم لأنها مدينة الملك العظيم. ولا تحلف برأسك، لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة منه بيضاء أو سوداء. فليكن كلامكم: “نعم” أو “لا”.وما زاد على ذلك، فهو من الشرير” (مت34:5-37).
بهذه الوصية يرتفع بنا المسيح من الحرفية إلى الجوهر والروح. إنه يمنع أيضاً عن القسم بالأمور الشخصية الخاصة مثل الرأس… إنه يعلمنا ويطلب منا أن تكون كلمتنا صادقة صريحة، وأن تكون كلمة نعم بالفعل نعم، وكلمة لا بالحق لا.
يريدنا السيد المسيح أن تكون لدينا شخصية روحية عميقة وواعية. ندرك الموضوع الذي نرفضه بكلمة لا، أو نقبله بكلمة نعم.
وهذا ما يتحقق لنا بالفضائل الثلاث. فإذا عاش المسيحي بموجب الإيمان والرجاء والمحبة، وكان ممتلئاً بروحها، استغنى عن القسم نهائياً وصارت حياته وكلامه وأعماله كلها حق وصدق وأمانة وعدل. نحن في احتياج إلى تعميق الإيمان وإلى تثبيت الرجاء، وإلى تقوية المحبة داخلنا، لكي نعيش الصدق في المجتمع، دون خلل في باطننا. فإذا عشنا في الحق والصدق، ما احتجنا أن نلفظ اسم الله.
من كل ذلك يظهر كيف يرتبط عدم القسم بالوصية الأولى: “أنا هو الرب إلهك”.
Discussion about this post