لا تقتل… لا تشهد على أحد شهادة زور
الارتباط بالوصية الأولى:
تمنع الوصية الخامسة عن القتل ، والثامنة عن الشهادة زوراً.
وترتبط هذه الوصايا بالوصية الأولى الأساسية: “أنا هو الرب إلهك”.
لأن الله أساس كياننا ومصدر وجودنا. وحياتنا ملك له وحده. فالقتل هو تعدي على الله ذاته.
والقتل هنا ليس قتلاً جسدياً فقط، إنما أيضاً القتل المعنوي، وأخطر أشكاله يكمن في الشهادة زوراً. ومنه أيضاً الكلام على سمعة الآخرين ، والقتل اجتماعياً عن طريق الإشاعات.
يقتصر مفهوم أغلب الناس لهذه الوصية على تحريم القتل الجسدي، وكذلك الشهادة على القريب زوراً.
شهادة الزور على القريب، بالكذب والافتراء، تختلف بالطبع عن شهادة الحق فكما في المحاكم وأمثالها يصير التصريح بالحق عن الغير واجب ضميري حتمي،. وإلا نعرّض آخرين للظلم بسبب صمتنا.
يرتفع بنا المسيح إلى روح وكمال الوصية:
“سمعتم أنه قيل لآبائكم لا تقتل، فمن يقتل يستوجب حكم القاضي. أما أن فأقول لكم: من غضب على أخيه باطلاً، استوجب حكم القاضي. ومن قال لأخيه: يا أحمق، أستوجب حكم المجلس. ومن قال له: يا جاهل استوجب نار جهنم” (مت 21:5-22).
يؤسس المسيح الوصية هنا على كرامة الإنسان الأصلية. وبذلك يرتفع بنا إلى عمق الوصية وروحها.
يقوم الخطأ أساساً في المساس بكرامة الإنسان.
من هنا كان القتل الجسدي خطيئة جسيمة للغاية، وكذلك كل ضرر نمس هذا الجسد به.
لأن كرامة الشخصية الإنسانية هبة وعطية من الله نفسه، الذي خلقه على صورته ومثاله.
ما تحرمه الوصية الخامسة: “لا تقتل”
1- الانتحار:
يُعتبر الانتحار خطيئة عظمى، لسببين أساسيين:
ثانياً: الانتحار أسوأ تعبير عن غياب الإيمان والرجاء والمحبة .
عدم إيماني الحقيقي بالله
يجعلني أتصرف في حياتي بأسوأ صورة . وعدم الرجاء يفقدني الثقة في الله وحبه ورعايته لي ، وهذا دليل على أنني لا أحب في الحقيقة مَن وهبني الحياة.
كانت الكنيسة، ولمدة طويلة، ترفض الصلاة على الشخص المنتحر، ولكنها الآن، ومنذ فترة قصيرة، تسمح بذلك، على أساس أنه بين لحظة الانتحار والموت، يمكن أن يكون الشخص مرّ بالتوبة.
2- الإجهاض:
هو قتل إنسان بريء. وللأسف، ينادي الكثيرون بالإجهاض كحل لمشكلة الأسرة، وتزايد السكان، وتحقيق التنمية.
لكن كل هذه حلول خاطئة. فلا شيء يمكن أن يبرر قتل حياة، بريئة وضعيفة، لا حول ولا قوة لها، ملك لله وحده.
وللأسف، يمارس الكثيرون حتى من المسيحيين الإجهاض بكل بساطة.
ودون أن يمثل لهم ذلك أية مشكلة نفسية أو أسرية أو ضميرية. ويُقبل عليه بالأخص مَن وقع في خطأ جنسي محاولاً التخلص من ثمرة الخطأ والخطيئة بجريمة قتل.
ويقوم المتزوجون بالإجهاض، بحجة أن الجنين جاء خطأ وبدون رغبة منهما.
ولكن الإجهاض ، في جميع الحالات ، جريمة قتل لنفس بريئة ، ومعاندة وتحد لترتيب الله، ولإعلان حبه لنا في منح الحياة.
3- قتل المرضى الميئوس من شفائهم
انتشرت الآن فكرة “الموت الرحيم”، أي التعجيل بموت المرضى الميئوس من شفائهم.
ولكن لا يحق لأي شخص، مهما كان، أن يُقبل على هذا القتل، حتى لو طلب منه المريض نفسه ذلك.
ولا صحة أبداً لمن يزعمون أن هذا العمل عطف على المريض حتى لا يستمر في الألم أو الغيبوبة، فهذا العمل هو دائماً جريمة قتل وهو دليل على غياب الرجاء والإيمان والمحبة الحقيقية.
ولا ننسى أن للآلام بركات ونعماً والحمد لله أن الكثير من المرضى والمتألمين، يفهمون معنى الألم ويمجدون الله به. فيصبحوا بركة ومثالاً للآخرين، الذين يمرون بأزمات صحية أو نفسية، أو بمشاكل مختلفة.
وإذا كان قتل المريض جريمة كبرى محرمة، فالتعاطف معه واجب ضروري.
4- اللعب بعواطف وأحاسيس الآخرين:
أما العبث الوجداني فهو قتل معنوي خطير وخطيئة جسيمة. وهو يكمن في اللعب بالعلاقات العاطفية، نتيجة لسعي الشباب وتنافسهم في الإيقاع بطرف آخر في قصة حب وهمية، يهدف التسلية أو العبث.
وعندما يكتشف الطرف البرئ هذه اللعبة، يصاب بجرح قاتل في كرامته وإحساسه وشعوره. فيخرج من هذه التجربة المريرة ، وهو فاقد الثقة في المجتمع ، وفي نفسه ، وأيضاً في القيّم السامية مثل الحب والأخلاق وغيرها.
وربما يفكر في الانتقام لنفسه من كل الذين حوله.
أما الطرف الآخر المذنب، فهو مجرم في حق الذي انقاد إليه بصدق وسذاجة.
ولذلك ندعو الشباب وبالأخص الفتيات، إلى الحرص الشديد في مثل هذه العلاقات.
الكذب هو إخفاء الحقيقة عمن له الحق في معرفتها. وتوجد حقائق لا يمكن الإعلان عنها، لأنها أسرار أشخاص، سواء كانوا أصدقاء أو غير أصدقاء.
لذلك يجب أن نميز بين الشخص الذي له الحق بالفعل أن يعرف حقيقة ما، وبين الشخص الفضولي، الذي يهوى معرفة أسرار الآخرين.
ولا ننسى أن كشف السر قد يؤدي إلى موت الشخص، معنوياً وأحياناً جسدياً.
هذا النوع من الكلام يكون أحياناً أخطر من الكذب ، لأنه يؤدي إلى تشويه سمعة الشخص .
والكلام الملتبس يؤدي إلى الشك والحيرة تجاه شخص معين ، مما يدفع الناس إلى التعامل معه بأسلوب مختلف ، بينما هو برئ في أغلب الأحيان.
وهذه النتائج أكثر من الموت، لأنها تجعل الإنسان في عزلة عن الجماعة.
النميمة هي نقل الأخبار السيئة عن الغير .
والافتراء هو اتهام الغير باطلاً بأمور سيئة غير حقيقية . وعادة ما توصل النميمة إلى الافتراء عن طريق المبالغة في الكلام عن شخص ما . ونتيجة ذلك خطيرة
ويمكن أن تقتل الشخص معنوياً ، بأن تشوه سمعته وسط المجتمع الذي يعيش فيه . وكثيراً ما نعطي مبرات كاذبة لهذه الخطيئة الكبيرة، ونسميها صراحة أو تقييماً.
هي الحكم على الآخرين بالسوء، بدون حق أو أساس . وللأسف ، كثيراً ما نتسرع في الحكم على الآخرين أو إدانتهم، حتى في أبسط الأمور.
ولكن عندما نقع نحن في أخطاء أكثر منهم، نبحث عن مبررات وأعذار لأنفسنا. ويوصينا السيد المسيح: “لا تدينوا لئلا تدانوا” (مت 1:7).
ولا يكتفي المسيح بهذا، بل يرتفع بنا إلى جوهر وروح الوصية فيضع لنا هذه القاعدة الذهبية: “عاملوا الآخرين مثلما تريدون أن يعاملوكم . هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء” (مت12:7).
بهذه الوصية يمكننا أن نعيش كمال الوصية الرابعة
بروح الفضائل الأساسية : الإيمان والرجاء والمحبة .
بالإيمان أنظر لكل شخص لأرى صورة الله فيه . وبالرجاء أعيش الثقة في الله ، الذي يشرق شمسه على الصالحين والأشرار ، وأتذكر في صلاتي كل البعيدين عن الله.
وبالمحبة التي أستمدها من الله ، أنطلق لبناء الآخر وليس إلى هدمه . وهكذا نلتقي بالوصية الأولى والأساسية :
” أنا هو الرب إلهك”.
Discussion about this post