لاهوت أدبي: الوصية السابعة والعاشرة
الوصايا الخاصة بالعلاقة بالقريب في ممتلكاته
“لا تسرق … لا تشته… شيئاً مما لسواك” ( تث 19:5 و 21 )
الارتباط بالوصية الأولى الأساسية:
تخص هاتان الوصيتان العلاقة بالقريب في ممتلكاته.
تأمر الوصية السابعة: “لا تسرق” (تث 19:5).
وتأمر الوصية العاشرة : ” لا تشته بيت أحد ولا حقله ، ولا عبده ولا أمته ، ولا ثوره ولا حماره ، ولا شيئاً مما لسواك ” (تث 21:5).
ترتبط هاتان الوصيتان بالوصية الأولى والأساسية: “أنا هو الرب الهك”.
ومثلما أنظر إلى إمكانياتي وممتلكاتي أنظر أيضاً إلى ممتلكات الغير وأكون أميناً على خيراتي، وعلى خيرات الآخرين.
ويعلن بولس الرسول: “تظلمون وتسلبون حتى الذين هم اخوتكم! أما تعرفون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله ؟ لا تخدعوا أنفسكم … ولا السارقون ولا الجشعون … ولا السالبون يرثون ملكوت الله ” ( 1كور 10: 8-10).
فملكوت الله هو ملكوت المحبة، ولا مكان فيه إلا لمن يعيش في المحبة.
كما في الوصايا السابقة، نجد هنا نهياً عن العمل الخارجي، وعن الشهوة الداخلية التي تدفع إلى الفعل الخارجي المضاد لمحبة القريب.
الوصية السابعة: السرقة وأنواعها
كل ما يتعلق بممتلكات القريب، من أشياء مادية أو معنوية، ليس للإنسان الحق في امتلاكه، وإلا كان ذلك اغتصاباً وسرقة. هكذا مثلاً:
– وضع اليد على أملاك الغير.
– اغتصاب أموال اليتامى، أو استغلالها، أو سوء إدارتها.
– اكتساب ملكية بطريقة غير مشروعة، مثلاً عند الميراث بتزوير المستندات.
– ظلم البنات في توزيع الميراث.
– الغش في أسعار ومواصفات السلع التجارية.
– الغش في مجالات الحياة المختلفة، مثل انتحال شخصية الغير للحصول على المال.
– الغش في الامتحانات، فهو سرقة لمجهود الآخرين.
– الفشل.
– النصب والاحتيال.
– الاختلاس.
– فرض الإتاوات (إكراميات) لتأدية الأعمال الواجبة.
– التهرب من الديون المستحقة.
– الرشوة.
– التهرب من دفع الضرائب، حتى وإن كانت ظالمة، لأنها تخدم الخير العام. ونحن متضامنون من أجل الخير العام. والتهرب منها يُعتبر سرقة للخير العام.
هذه الأنواع كلها وأمثالها، هي تعدي على حقوق القريب المقدسة. وعادة تقود إلى ارتكاب خطايا أخرى، مثل الكذب، والقتل، والانسياق لأنواع كثيرة من الشرور والمفاسد.
واجب التعويض
يوجد مبدأ لاهوتي يقول : ” لا تُغفر الذنوب ، ما لم يُرَد المسلوب ” . ودائماً يطلب الكاهن من المعترف أن يعوّض المسلوب ، بصورة وطريقة مناسبة وفعالة. فإذا اعترف الشخص ، وأخذ الحِل من الكاهن ، ولم يعوّض عن المسلوب ، تبقى الخطيئة قائمة
ومبدئياً يجب التعويض للشخص ذاته ، بطريقة تتناسب مع ظروف الاثنين. ويمكن هنا الاسترشاد برأي الكاهن.
الوصية العاشرة: اشتهاء خيرات الغيرخطايا اشتهاء خيرات الغير
اشتهاء خيرات الغير هو الرغبة في حرمانه منها، لنقلها إليّ، أو لإنقاص سعادته، أو لضرره. ويأخذ هذا الاشتهاء صوراً مختلفة، أهمها الحسد والغيرة.
الحسد: أتمنى أن يخسر ويفقد القريب ما يتمتع به من خير … وفي هذا تفكيك لجسد المسيح، الذي نحن كلنا أعضاؤه.
الغيرة: النظر إلى خيرات القريب وإلى ظروفه الشخصية، والمادية، والاجتماعية، على أنه لا يستحقها، وأنني أنا أولى بها.
عواقب اشتهاء خيرات الغير
هذا الاشتهاء يفقدني السلام الداخلي ، لأنه يفقدني القناعة، هذا الكنز الباطن الذي لا يفنى . ومن هنا نفقد علاقة البنوة مع الله ، والأخوة مع اخوتنا .
وتكون النتيجة أن يضع فينا الشكر لله على كل ما يعطينا ، وعلى ما نحن عليه، بل قد نتهم الله بعدم العدل، ونعيش في التذمر والمرارة.
بهاتين الوصيتين يريدنا الله أن نكون أمناء فيما يخص الأشياء ، لنكون أمناء مع الأشخاص . إنه يدعونا أن نعيش في وعي وتمييز للصح والخطأ . ويوجههنا إلى أن نرتفع إلى عمق روح الوصايا ، وبالفضائل الثلاث .
بالإيمان أنظر إلى خيرات الغير ، في ضوء ارتباطي بالله . وبالرجاء أنال الهدوء الداخلي ، والثقة في الله، الذي ينعم على كل واحد بالخيرات . وبالمحبة أرفع قلبي بالشكر لله ، وأفرح بكل خير لي وللغير.
بالإيمان والرجاء والمحبة ، أتعامل بأمانة مع الأشخاص ومع الأشياء . وأعيش بالقناعة والرضى والشكر التي بها أشهد عن حبي وحمدي لله.
خاتمة عامة لموضوع الوصايا
يتضح لنا من كل ما سبق ، أن حرفية الوصايا ليست إلا سبيلاً إلى الارتقاء إلى روحها ، الذي يشركني في صداقة وحب الله ، فيكون هو الأول والآخر.
وبهذا أستطيع أن أعيش وأحقق كياني وكرامتي وسعادتي ، كما أرادني الله ، انساناً مخلوقاً على صورة الله ومثاله، متمتعاً بحرية وحب داخلي . ومن يحاول تحقيق إنسانيته ، يحقق صورة الله فيه .
ولقد علّم أباء الكنيسة أن ” مجد الله هو الإنسان الحي”، متى حقق صورة الله فيه.
حبي لله وللقريب ، هو الذي يرفعني إلى روح الوصايا ، لأنها تجعلنا في ارتباط به هو المبدأ ، وباتجاه دائم إليه، هو الغاية .
وعندئذ أعيش السعادة الحقيقية الباقية ، لا السعادة الزائفة . والهناء الحقيقي هو في العمل بكلمة الله ، لا في امتلاك خيرات الأرض والتمتع بملذات الجسد.
يخبرنا الإنجيل أن امرأة من الجموع رفعت صوتها ، وهتفت ليسوع : “هنيئاً للمرأة التي ولدتك وأرضعتك . فقال يسوع : بل هنيئاً لمن يسمع كلام الله ويعمل به” (لو 27:11-28).
بالسمع والعمل بكلام الله ، يتحقق ملكوت الله على الأرض .
لذلك يعلن يسوع هناء من يسمع ويعمل . ولا تكتمل سعادة الإنسان إلا بالعمل من أجل سعادة الآخرين . لأن الأسرة ، أسرة أبناء الله ، لا تكون سعيدة إلا معاً ، في الرب.
الحياة بروح الوصايا هي حقاً الأسلوب الأمثل للشهادة لله الخالق والآب الحنون، وللمسيح المخلّص، الذي تجلى فيه حب الله بأكمل صورة. من أجل هذا أعطى الله الوصايا.
“والآن… ما الذي يطلبه منك الرب الهك، إلا أن تخافه، وتسلك في كل طرقه ، وتحبه وتعبده ، بكل قلبك وكل نفسك وتعمل بوصاياه وسننه ، التي أنا آمرك بها اليوم لخيرك” (تث 12:10-13).
وأكد لنا المسيح أن قمة الارتقاء إلى روح الوصايا هو المشاركة مع الله المحبة ، بحياة المحبة ، فيدعونا (مت 34:22-40):
“أحب الرب الهك بكل قلبك ، وبكل نفسك ، وبكل عقلك”:
هذه هي الوصية الأولى والعظمى.” والوصية الثاني مثلها : أحب قريبك مثلما تحب نفسك “ .
“ وعلى هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها وتعاليم الأنبياء ” .
Discussion about this post