سكون القلاية
( أ ) الجلوس في القلاية
+ سؤال : إذا سكن الإنسان ، فما هي الحال التي ينبغي أن يكون عليها في القلاية ؟
الجواب : الجلوس في القلاية
هو أن يتذكر الإنسان خطاياه ، ويبكي وينوح من أجلها ويتحرز ألا يسبي عقله ، وأن سبي فليجاهد أن يرده إليه .
+ سؤال:
علمني يا أبي كيف أقطع هو أي وأنا في القلاية ، وكذلك إذا كنت بين الناس وما هي مشيئة الجسد وما هي مشيئة الشيطان وما هي مشيئة الله ؟
الجواب :
أما قطع الهوى يكون في القلاية ، فذلك برفض كل النياح الجسداني ، أما مشيئة الجسد فهي أن تعمل نياحة دائما في كل الأمور فإذا لم تعمل نياحة ، فاعلم انك قطعت هواك وأنت جالس في القلاية ، وأما قطع الهوي الذي بين الناس فذلك بأن تكون كالمبيت بينهم أو كالغريب عنهم .
أما مشيئة الله فهي ألا يهلك أحد منالناس ، كما قال السيد وأن لا يموت الخاطيء ، كما قال النبي .
وأما مشيئة الله فهي ألا يهلك أحد من الناس ، كما قال السيد وأن لا يموت الخاطيء ، كما قال النبي .
وأما مشيئة الشيطان فهي أن يزكي الصديق نفسه ويطمئن اليها ، عند ذلك يقع في الفخ ، كما ان مشيئة الشيطان كذلك في ألا يتوب الخاطيء عن خطيئته ” .
واستطرد الأب قائلا : ” أن أردنا أن ننجح بالكمال فلنقطع مشيئتنا قليلا لنبلغ إلى عدم الأوجاع ، وذلك بأن لا نتكلم فيما لا تدعو اليه الضرورة ، وأن نرضي بجميع ما يحدث لنا كأنه حسب مشيئته ، وألا يكون لنا ميل إلى شيء ، فمن عدم الميل بالكلية عدم الآلام بنعمة الله .
+ قال القديس برصنوفيوس :
الجلوس في القلاية ، إنما هو الدخول الي القلب وتفتيشه وضبط الفكر من كل شيء رديء ، وقطع الهوي وترك
تزكية الذات ؟،والابتعاد من مرضاة الناس . الخلاص يحتاج الي تعب كثير واجتهاد فلا تسترخ للجسد لئلا يصرعك .
+ قال شيخ :
إذا كنت جالسا في القلاية نشط نفسك . لكتن خدمة القلب عند افضل من خدمة الجسد . لأن الله يريد القلب أن يكون ملازما اسمه القدوس كل حين مقل عبد ملازم سيده وخائف منه .
+ سأل أخ الأنبا بيمن قائلا :
” كيف ينبغي للراهب أن يجلس في قلايته ؟ “
فقال واحد فقط كل يوم ، والهذيذ في المزامير وقراءة الكتب والتعليم .
أما غير الظاهر والسري من الأمور فهي أن تلوم نفسك في كل أمر تصنعه وحينما توجهت ، وفي ساعة صلاتك لا
تتوان من جهة أفكارك ، وأن أردت أن تقوم من عمل يديك الي الصلاة ، فقم وأكمل صلاتك بلا سجس ، وتمام هذا كله أن تسكن مع جماعة صالحة ، وتتباعد من جماعة السوء ” .
+ وسأله آخر قائلا :
” ماذا أصنع لأن نفسي ، إذا كنت في القلاية ؟ “
وقال له : : لا تدن أحدا ، ولا تقع بإنسان ، والله يهب لك الهدوء والنياح في القلاية ” .
+ قال شيخ :
” اذا كنت جالسا في قلاية بسكوت ، فلا تظن أنك تفعل أمراً كبيراً بل افتكر انك كلب عقور مسجون ، كيلا تبصر
الناس فتعقرهم ” .
+ عندما كان أحد الأخوة في الاسقيط ذاهبا إلى الحصاد مضي إلى الأنبا موسي الاسود وقال له :
يا أبي : ” قل لي ماذا أعمل ، هل أذهب الي الحصاد ؟ ” .
+ فأجاب أنبا موسي :
إذا أجبتك ، هل تقتنع بقولي ؟ أجاب الأخ : نعم : سأنصت اليك .
قال شيخ :
” إذا كان الأمر كذلك ، فقم وحرر نفسك من الذهاب إلى الحصاد وهلم أخبرك بما تفعله : حينئذ رحل الخ وحصل
على حل من أخوته وأصحابه كما أخبره الشيخ ، ثم جاء اليه . فقال الشيخ : ” أمض الي قلايتك ، واحفظ نعمة الروح التي فيك وكل الخبز الجاف والملح مرة واحدة في اليوم ، وبعد أن تفعل هذا سوف أخبرك عن أمر آخر تؤديه بعد ذلك “
فمضي الأخ وعمل حسب ما اوصاه الشيخ وعاد اليه مرة أخرى . ولما رأي الشيخ أنه كان يقوم بعمل اليدين أطلعه على الطريقة المثلي للحياة في القلاية ، وذهب الأخ إلى قلايته وسقط على وجهه إلى الأرض وظل يبكي أمام الرب ثلاثة أيام كاملة بلياليها .
وحدث بعد هذه الأمور عندما كانت أفكاره تحدثه قائلة : ” لقد صرت رجلا مغبوطا عظيما كان يقاطعها واضعا أمام عينيه عيوبه ونقائصه السابعة ويقول :
” وهذه كلها خطاياك . ومرة أخرى عندما اعتادت أفكاره أن تقول : ” لقد أديت أعمالا كثيرة بتراخ ” كان يقولأيضا : ومع ذلك اؤدي أعمالا قليلة جدا لله وهو الذي يسيغ علي رحمته وعندما كان يتغلب على الأرواح بطرق كثيرة هكذا كانت تظهر له في هيئة مخلوقات جسمانية قائلة له : ” لقد قهرتنا : فكان يقول : ” لماذا ؟ ” فيجيبونه ” إذا وضعناك ، فنحن نرتفع بواسطتك إلى مكانه عظمي ، وإذا رفعناك فنحن نتضع اليك ” .
( ب ) الحبس في القلاية
+ جلس راهب من الرهبان
في البرية صامتا في قلايته ، فضغط عليه الضجر وأقلقه الفكر وضيق عليه شديدا حاثا اياه علي الخروج منها ، فقال في ذاته ” يا نفسي لا تضجري من الجلوس في القلاية ، وان كنت لا تعلمين شيئا ، فيكفيك هخذا ، أنك لا تحزنين أحدا . ولا أحد يحزنك ، فأعرفي كم من الشرور خلصك الله ، لأن في سكوتك وصلاتك لله تكونين بلا هم يشغلك ولا تتكلمين كلاما باطلا . ولا تسمعين ما لا ينفعك ولا تبصرين ما يضرك ، وأنما قتالك واحد ، وهو قتال القلب ، والله قادر أن يبطله ، وإذا قتنيت الاتضاع عرفت ضعفي ” فعند افتكار الأخ بهذا ، صار له عزاء كثير في صلاته .
+ طلب أخ من الأب باريكوس
أن يقول له كلمة : ” أجلس في قلايتك وأن جعلت كل ، وأم عطشت أشرب ، ومنها لا تخرج ولا تتكلم بكلمة سوء ، وأنت تخلص “
+ سأل أخ شيخا قائلا :
” ماذا أعمل يا أبي ، فإني لا أمارس أمرا من أمور الرهبنة ، وهمي كله هو في أن أكل وأشرب وأرقد ، وأنا في
ذكريات سمجة وسجس كثير ، أخرج من هذا الفعل الي ذاك ، ومن هذا الفكر الي غيره ؟ ” .
فقال له الشيخ :
” أجلس في قلايتك وأعمل بقدر استطاعتك بلا سجس ، فأنه يرضيني هذا القدر اليسير الذي تعمله الآن ، مثل تلك الأمور الكبار التي كان أنطونيوس يعملها في البرية . ولي ايمان أن كل راهب يجلس في قلايته من أجل الله مفتشا أفكاره ، تاركا التفتيش عن عيوب الآخرين ، فإن ذلك يؤهله لأن يكون شبيها لأنبا أنطونيوس .
+ قال أخ لشيخ :
إن أفكاري تدور وتحزنني جدا .
فقال له الشيخ :
” أجلس في قلايتك ولا تخرج منها ، والأفكار تعوج اليك كمثل حمارة مربوطة وجحشا يدور ثم يرجع اليها ، فكذا من يصبر في قلايته. من أجل الله ، فإن دارت الأفكار فإنها ترجع إليه .
+ وكان أخ
مقاتل بأن يخرج من ديره ، فذهب وأعلم رئيس الدير ، فقال له الرئيس : اذهب وأجلس في قلايتك ، وأرهن جسدك رهينة لحائط القلاية وأترك الفكر يهيم حيثما شاء ، وأنت لا تبرح من القلاية قط .
+ انحبس الأب سيصوي
الذي من جبل أنطونيوس مرة في قلايته ، ومنع خادمه من القدوم اليه عشرة شهور، لم يبصر فيها انسانا ، وفيما هو يمشي في الجبل ذات يوم ، إذا به يجد إنسانا اعرابيا يتصيد وحوشا برية ، فقال له الشيخ : أين جئت ، وكم لك من الزمان ههنا ؟ فقال له الرجل : صدقني يا راهب ، أن لي في هذا الجبل أحد عشر شهرا لم أر أحدا قط غيرك . فلما سمع الشيخ ذلك ، دخل الي قلايته وصار يضرب صدره ويقول : يا سيصوي ، لا تظن أنك صنعت شيئا ، لنك لم تصنع مثل ما صنعه هذا الأعرابي .
+ قيل عن أنبا اور وأنبا تادرس .
إنهما كانا يطليان قلاية بالطين ، فقال أحدهما للآخر : ” لو افتقدنا الرب في هذه الساعة فماذا نصنع ؟ ” فبكيا وتركا الطين ، وانصرف كل واحد منهما إلى قلايته.
+ سؤال :
” بأي فكر يخرج الراهب إبليس المحتال من قلايته ؟ ” .
+ الجواب :
” ان ابليس راق ( ساحر ) او ( حاوي ) فعلي مثال الراقي الذي يخرج الحية من عشها بكلام لطيف ، فاذا أخذها
فأنه يطوف بها ويطرحها في شوارع المدينة يلاهي بها الناس ، حتي اذا شاخت معه ، فأما أن يحرقها بالنار ، أو يغرقها في الماء ، وعلي هذا المثال يكون الراهب ، اذا سحبته الأفكار وترك قلايته ” .
+ قيل عن أنبا لانجيوس ،
إن أفكاره قاتله بالخروج إلى البرية الداخلية لكي يستريح فجاء صوت سمعه سماعا بليغا وهو يقول : ” قلايتك أعظم من خروج البرية ، وهي ضخمة أكثر من البرية ” .
فنهض بسرعة ، وأخذ بيده عصا ، وبدأ يمشي في القلاية ويقول :
” من هذه الجهة الشرقية ، يمضي الناس إلى القدس ، والقدس هذه هي المدينة المقدسة وفيها صلب الرب ، وأيضا قتل فيها الأنبياء ، وذبح فيها زكريا بن براخيا ، بين الهيكل والمذبح ، فما اعظم ما في هذا الشمرق ، الذي منه المجوس أقبلوا كذلك ” ، وانتقل الي غرب قلايته ، وهو يقول :
” وأما هذا الغرب ، فهو الجبل المقدس ، وه والمعروف بالأسقيط وأسماه أنبا بلا ماي ، جبل شيهات ، الذي هوميزان القلوب فما أعظمه من جبل ، فالرب وعد بالمغفرة لجميع من يسكنونه ، ويموتون فيه ، وبالراحة لهم يوم الدين ” .
وأما الجهة القبلية ، فما أعظمها ، فقد كان يسكن فيها رأس الآباء البطاركة ابراهيم أبو الأمم ، وعلي رأس هذه الجهة القبلية ، تكلم الله مع ابراهيم واستضافه وملائكته “
وفي هذه الجهة القبلية ، صعد ابراهيم علي رأسها ، وربط ولده اسحق بيديه ورجليه ، فقال له ولده اسحق ، يا أبتاه ، هوذا الرباط ، وها هي النار والحطب والسكين ، فأين هو الحمل ، العلي أنا هو الضحية اليوم ؟ فنادي الرب ابراهيم قائلا : ” لا تمد يدك إلى الغلام ، قد قبلت ضحيتك ” ، ثم صار يمشي في القلاية الي الجهة البحرية ، وفكر قائلا : ” هذا شرح يطول ، هذه القلاية أعظم وأوسع من البرية ” .
ولما أعيس من الفكر والمشي ، جلس ، ثم أدركه المساء ، وبدأ يقول لأفكاره :” لقد دخلنا في البرية ، ووصلنا الي المشرق والمغرب ” ثم قال لنفسه ” أن الذين يبتغون سكني البرية ، خبزا لا يأكلون ، وماء لا يشربون ، فافعل أنت هكذا ” .
وخرج علي باب قلايته ، وأكل قليلا من نبات الأرض ، ثم قال لنفسه : ” والذين في البرية ، لا ينامون تحت سقف ، بل تحت السماء ” ، وفعل كذلك ، بأن ألقي بنفسه على الصخرة ونام متعبا .
وأقام على هذه الحال ثلاثة أيام ، يمشي من بكرة إلى عشية في جوانب قلايته ، ويأكل البقل الأخضر ، ويضطجع
قليلا تحت السماء ، حتي أعيي وضجر ، وبدا يخاصم نفسه بحرج ، ولطم علي خديه قائلا : ” أدخل بعد إلى قلايتك ،وأبك علي خطاياك ، ولا يطيش عقلك بقولك : البرية : ” ، قد دخلت البرية ، أما سمعت داود يقول : ” عين الرب علي خائفيه ، وأذناه تنصتان إلى تضرعهم ، ولا يخفي عنه شيء من أفكارنا ” فلما نظره المجرب هكذا ، خاف منه ، وانصرف عنه .
+ سأل الأخوة شيخا :
لقد قال أنبا أنطونيوس : ” كما تموت السمكة إذا أخرجت من الماء هكذا يموت الراهب اذا مكث طويلا خارج قلايته ” فنرجو أن تشرح لنا هذا الكلام .
قال الشيخ :
” لأنه في المسيح يسوع يكون تذكر الله حياة الروح ، الأمر الذي يسميه الآباء : ” مختزن الحياة ” ، ” وأساس حياة الروح والعقل ” . فاذا بقي الراهب في المدن يرى ويخاطب بني الناس فإنه يموت من ناحية أساس الحياة في الرب أي أنه ينسى الله وتبرد المحبة التي للمسيح في قلبه ، التي أقتناها بأتعاب كثيرة . ثم ينسى الله وتبرد المحبة التي للمسيح في قلبه ، التي أقتناها بأتعاب كثيرة .
ثم ينسى فضائله ، ثم يتهاون في الرغبة في الجهادات ويحب الملذات ويميل إلى الشهوات . وحينئذ تتزعزع غيرته القلبية أمام الاضطراب الذي توغل في حواسه عن طريق النظر والكلام والسمع . هذه الأمور التي هي مغذيات الروح . ثم يحدث أنه يهوي في عذابات كثيرة . الرب يسوع ينجينا من جميعها آمين .
+ قال الاخوة لشيخ :
فسر لنا ما قصده القديس أنطونيوس بقوله : ” أن قلاية الراهب هي آتون بابل حيث أبصر الثلاثة ابن الله . كما أنها عمود النار والسحابة التي منها كلم موسي ” .
أجاب الشيخ :
هناك أمران يتعبان القلاية :
الأول يشعل النفس والثاني يضيئها ويفرحها .
فإن حروبها مع المبتدئين تستثيرهم وأما مع الكاملين فأنها تبهجهم وتنير قلوبهم . تخلصهم من الآلام وتكشف الأنوار أمامهم بل هي كذلك مع المبتدئين في حياة السكون الذين تنتابهم الحروب والآلام والشياطين لفترة من الوقت فإن المعونة الألهية لا تتركهم لأن ربنا نفسه يسوع المسيح ابن الله يزورهم سرا ويكون لهم معينا ورفيقا وهكذا بعد أن يتغلبوا على الأتعاب والشياطين حسب النظام القانوني يجعلهم أهلا للسعادة في حبه الكامل وإعلان نور مجده .
+ سأل أخ الأنبا ارسانيوس :
” لأي شيء أضجر اذا ما جلست في قلايتي ؟ “
فأجاب الشيخ قائلا :
” لأنك الآن لم تبصر ولم تتيقن من نياح الآخرة ولا عذابها لأنك لو تيقنت من ذلك حقا وكانت قلايتك مملوءة دودا وأنت غارق فيه الي عنقك لما ضجرت بالمرة ” .
+ وأيضاً قال أحد الأخوة للقديس ارسانيوس :
” ماذا أصنع فأن الأفكار .. تحزنني وتقول لي : إذا لم تستطيع الصوم أو العمل فلا أقل من أن تذهب لأفتقاد المرضى فهذه هي المحبة ” .
قال له الشيخ :
” أمض كل واشرب وأرقد ولا تخرج من قلايتك ” لأن الشيخ عرف أن الصبر في القلاية يرد الراهب الي طقسه ، فذهب الأخ إلى قلايته . فلما استمر ثلاثة أيام كما أمره الشيخ ضجر فأخذ قليلا من الخوص وشققه وبدا يضفر . فلما جاع قال لفكره لنفرغ من هذا الخوص القليل الذي معنا ثم ناكل ” فلما فرغ من الخوص قال أيضاً : لنقرأ في الانجيل ثم بعد ذلك نأكل ” فلما قرأ قال : لأرتل مزاميري ثم بعد ذلك آكل بلا هم : وهكذا قليلا قليلا بمعونة الله كان يفعل حتي رجع الي سيرته الاولي وأخذ سلطانا على الأفكار وكان يغلبها .
+ سأل أخ القديس مقاريوس الكبير قائلا :
ماذا أصنع يا أبي والأفكار توعز إلي بأن أمضي وأفتقد المرضي فأن هذه هي الوصية .
أجابه الشيخ قائلا :
إن كلمة النبوة لا تسقط أبداً ، فإنه يقول : ” جيد للرجل أن يحمل النير منذ صباه ويجلس وحده صامتاً ” أما
قول ربنا يسوع المسيح : ” كنت مريضا فزرتموني ” فقد قاله لعامة الناس . وأني أقول لك يا أخي أن الجلوس في القلاية افضل من افتقاد المرضي لأنه يأتي زمان يضحك فيه على سكان القلالي فقد تم كلام البار انطونيوس إذ قال : ” يجيء زمان يجن فيه جميع الناس . واذا أبصروا واحدا لم يجن يذيعون عنه بأنه مجنون لأنه لا يشبههم ” .
وإني أقول لك يا ولدي أن موسي النبي العظيم لو لم يبتعد من مخالطة الناس ، ومحادثتهم ودخل في الضباب وحده ؟، لما تسلم لوحي العهد المكتوبين بأصبع الله.
+ سأل أخ انبا مقاريوس قائلا :
” قل لي كلمة منفعة ؟ “
قال له : ” اجلس في قلايتك ، ولا تكن بينك وبين أحد خطة ، وابك على خطاياك ، وأنت تخلص ” .
+ جاء أخ إلى الأنبا موسي الأسود في الأسقيط وطلب منه كلمة :
فقال له الشيخ :
” أمضي واجلس في قلايتك وسوف تعلمك هي كل شيء ” .
+ سأل انبا أشعياء
” الأب مقاريوس : قائلا : ” قل لي يا أبي كلمة “
فأجاب الشيخ : ” اهرب من الناس“
فقال أنبا اشعياء :
” وما هو الهروب من الناس ؟ ” .
فأجاب الشيخ :
” هو جلوسك في قلايتك :وبكاؤك على خطاياك ” .
( جـ ) الاستمرار في السكون
+ قال أنبا يوحنا القصير :
كلما استمر السكون ضعفت الأوجاع . وكلما ضعفت الأوجاع قوي العقل قليلا قليلا ، إلى أن يصح ويستريح وحينئذ
لا يذكر الإنسان أوجاعه وأحزانه السالفة وذلك كما قال ربنا عن المرأة التي تلد . وإذا أنعتق الإنسان من الأوجاع الشريرة التي كان يعانيها دائما فقد انعتق من الأحزان والآلام والأمراض العارضة كلها تلك التي يؤنب بها الخطاة . وبدوام السكوت يعتق من الأوجاع الذميمة ، أما الذين يعوقونا من معرفة الله ويبعدوننا عن عمل الضيلة فأنهم لا يلامون لأنهم لا يعرفون ، أما نحن فإذ قد عرفنا ربحنا وخسارتنا ينبغي لنا أن نبتعد عنهم ونسكت لكي تحيا نفوسنا .
عدم الانتقال من مكان إلى مكان آخر :
+ قال شيخ :
” إذا كان راهب مقيما في موضع ، وأراد أن يصنع في ذلك الموضع خيرا ، ولم يستطيع ، فلا يظن أنه إذا ذهب إلى
موضع آخر ، يستطيع أن يصنع ذلك الخير “
+ كذلك قال شيخ :
” إذا كان وجع يقاتلك في موضع ما ، وتترك ذلك الموضع طنا منك أنه يخف عنك دون أن تقاتله ، فاعلم أنك إذا لم تغلبه حيث قاتلك ، فأنه سوف يسبقك إلى كل موضع تمضي إليه ، لأني أعرف أخا كان ساكنا ديرا وكان مداوما علي السكوت ، إلا أنه كان كل يوم ييترك من وجع الغضب فقال في نفسه : ” أمضي وأسكن وحدي في قلاية ، وحيث أنه لن يكون هناك أحد ساكنا ، فسوف أهدأ ويخف عني الوجع ” . فخرج وسكن وحده في مغارة ، وفي أحد الأيام ملأ القلة ماء ، ووضعها علي الأرض ولو قتها تدحرجت ، وانسكبت ، وأنسكب ما فيها ، فأخذها وملأها مرة ثانية ، ووضعها فانسكبت كذلك ، فملأها دفعة ثالثة ، فانقلبت أيضاً ، فغضب وأمسكها وضرب بها على الأرض فكسرها ، فلما خفض قلبه علم أن الشياطين قد سخروا منه ، فقال : هوذا قد انغلبت وأنا في الوحدة كذلك . فلأذهب الي الدير لأنه في كل موضع يحتاج الأنسان الي جهاد وصبر ومعونة من الله ” ، ثم قام ورجع إلى موضعه .
+ وقال آخر :
” كما أن الغرس إذا قلع من موضع وغرس في غيره فلا يثمر ما لم يثبت في موضع واحد . كذلك الراهب الذي ينتقل من دير إلى دير ، لا يثمر ما دام منتقلا “
سئل شيخ :
” كيف أسكن في دير بغير قلق ؟ ”
فقال : ” ذلك بأن تعد نفسك غريبا ،ولا تطلب لك فيه كلمة مسموعة ، كما تقطع هواك ولا تحسب نفسك شيئا ً ” .
+ وقال المغبوطة سفرنيكي :
” إذا كنت في دير فلا تستبدله بآخر ولا الآخر بغيره لئلا تستكمل زمانك بدون ثمرة ، مثل الطائر الذي يقوم
عن البيض فيفسده ويصير عديم التوليد كذلك الراهب الكثير التنقل ، تبرد حرارة الرهبنة وتموت من قلبه ” .
+ وقال أخ لأنبا أغاثون :
” يا أبي أمرت أن أقيم في مكان ما ، وإنني أجد قتالا هناك ، وأريد أن أرحل ، أنني مستعد أن أنفذ الوصية
ولكنني أخشى القتال ” قال له الشيخ : ” إذا كان هذا الأمر مع اغاثون فإنه يحفظ الوصية ويغلب القتال ” .
+ سؤال :
هل ينبغي لي أن أصنع لنفسي حدا أن أخرج إلى موضع آخر ؟
+ الجواب :
لا تربط نفسك تحت أمر ما ، حتى أن اضطررت للخروج خرجت بدون حزن أو أرتباك أفكار ، بل في كل شيء أقتن لك صبراً
Discussion about this post