عدم الإدانة
+ قال الأب نستاريون :
” لا تحسن لذاتك أن تدين أحداً ، لأن الدينونة ، والكذب ، واللعن ، والشر ، والشتم ، والضحك ، كل هذه غريبة عن الراهب ، وأما الذي يكرم أكثر مما يستحق فأنه يسخر كثيرا ”
+ قال أحد الشيوخ لتلاميذه :
” لا تدينوا أحدا من الأخوة ، وأنتم تقومون على كل أوجاع الشياطين ” .
+ قال شيخ :
” أياك أن تقول في قلبك من جهة إنسان ، أنك أحرص منه ، أو أكثر منه معرفة ، أو أبر منه بل أخضع لنعمة
الله ، ولروح الحكمة ، والحب الذي ليس فيه غش ، لئلا تنطفيء بالعظمة ، وتضيع تعبك لأنه مكتوب : ” يا أيها الذي تظن أنك قائم احذر لئلا تسقط ” .
+ قال شيخ لأنبا بيمن :
” أن رأينا أحد الأخوة يخطىء ، فهل ينبغي لنا ان نبكته ؟ ” فقال أنبا بيمن : ” أني أذا كنت راهبا لقضاء مصلحة ما وعبرت عليه ورأيته يخطيء ، حتي ولو جزت بجانبه ، فما كنت أبكته ، لأنه ، ولو أنه مكتوب : ” أشهد بما تراه عيناك ” ولكني أقول لكم : ” أن لم تجسوا بأيديكم ، فلا تشهدوا ، لأنه حدث مرة أن لعب الشيطان بأحد الأخوة في هذا الأمر ، فنظر واذا أخوة مع أمرأة في خطي فلما قام عليه القتال جدا ، لم يصبر ، فذهب اليهم وقال لهم : ” كفي ، حتي متي ؟ ” فبغته نظرهم تلاليس قمح . من أجل ذلك أكرر لكم وأقول : ” أن لم تجسوا بأيديكم ، فلا تبكوا أحداً ” .
خطورة الإدانة
1- تعني عدم محبتنا
+ قال القديس دوروثيؤس :
أن اصل الادانة هو عدم المحبة ، لأن المحبة تغطي كل عيب . أما القديسون فأنهم لا يدينون الأخ ، لكنهم
يتألمون معه كعضو منهم ، ويشفقون عليه ويعضدونه ويتحايلون في سبيل خلاصه ، حتى ينشلونه كالصيادين الذين يرخون الحبل للسمكة قليلا حتي لا تخرق الشبكة وتضيع ، فإذا توقفت ثورة حركتها حينئذ يجرونها قليلا قليلا ، هكذا يفعل
القديسون ، فإنهم يطول الروح والمحبة يجتذبون الأخ الساقط حتي يقيموه كما فعل الشيخ .. أذ جلس على
الماجور الذي كانت تحت المرأة ، لكي لا يجدها اولئك الذين نموا على الأخ بشفقة ومحبة ، لا باستنقاص وتعيير ” .
+ أخبر أحد رؤساء الديرة عن شيخ من الشيوخ القديسون :
إنه سكن قريبا من الدير ، وكان ذا نفس راجحة في الصلاة ، فجاوره أخ راهب واتفق في غيبة الشيخ أن طغي الأخ وفتح قلايته ، ودخل فأخذ زنابيله وكتبه ، فلما رجع الشيخ وفتح قلايته ، لم يجد زنابيله ولا باقي حاجاته ، فجاء الي الأخ ليخبره بما جري ، وبدخوله قلاية الأخ وجد زنابيبه وكتبه في وسطها ، لأن الأخ لم يكن بعد قد خبأها ، فلمحبة الشيخ ، أي ألا يحرجه ، أو يوبخه أو يخجله ، فتظاهر بوجود ألم في بطنه ، ويحتاج الأمر لزواله الي قضاء الحاجة ، فدخل الي بيت الراحة .. وأبطأ فيه وقتا طويلا ، حتي أذا تأكد ان الأخ خبأها خرج الشيخ وبدأ يكلمه في أمور أخري ولم يوبخه ، وبعد أيام قليلة ، عثروا علي زنابيل الشيخ عند الأخ ، فأخذه قوم وطرحوه في الحبس ، قام وجاء الي الرئيس وقال له : أصنع محبة وأعطني بيضاً وخبزاً قليلا . فقال
له ذاك : من البين أنه يوجد عندك اليوم ضيوف .
فقال : نعم . فأخذ الشيخ ما طلبه ، ومضي اليه في الحبس ليجد الأخ غذاء من الطعام . فلما دخل ليفتقده ، خر الأخ علي رجليه وقال ك يا معلم ، لقد جيء بي إلى ههنا لأني أنا هو الذي سرقت زنابيلك ، وكتبك تجدها عند فلان ، وثوبك تجده أيضاً عند فلان . فقال له الشيخ : بالحقيقة يا ولدي أعلم تماما أني لست من أجل هذا الأمر دخلت الحبس ، ولم أعلم بوجه من الوجوه أنك جئت من أجلي إلى ههنا ، لكني سمعت أنك محبوس فاغتميت وجئت مصلحا لك طعاما تتغذي به فأقبل الخبز والبيض وخذه من أجل محبتي .
ثم أن الشيخ خرج إلى أكابر البلد وأعلمهم بأن هذا الأخ بريء ، وسألهم ألا يجلبوا علي أنفسهم خطيئة .
ولكونه معروفا بينهم بالفضل والخير سمعوا لكلامه ، وأوقتهم أطلقوه . فهذا الأخ بقي تلميذاً عند الشيخ بقية أيام حياته ، ولم يكمله بكلمة واحدة قط .
+ قال أخ للأب بيمين :
أن أنا رأيت أخا قد سمعت عنه سماعا قبيحا ، فهل من الواجب علي ألا ادخله قلايتي ؟ وأن رأيت أخا صالحا
فهل أفرح به ؟
فأجابه الشيخ : أن أنت صنعت مع الأخ الصالح خيراً قليلا ، فاصنع ضعفه مع ذاك ، لأنه أخ مريض .
+ قيل عن القديس أنبا أمونيوس الأسقف :
انه من فرط صلاحه كان يعرف الشر . فبعد ما صار أسقفاً قدموا له عذراء حبلت ، وقالوا له لقد فعل هذا فلان
وفلان دعهم ينالون قصاصهم . أما القديس فرشم علامة الصليب علي أحشائها وأمرهم أن يعطوها ستة أزواج من قطع التيل قائلا : ربما تموت هي أو طفلها عندما تلد . وإن مات كليهما ادفنوهما .
قال له الحاضرون : ما هذا الذي صنعت ؟ مر قداستك أن يأخذوا عقوبتهم .
قال لهم : أنظروا يا أخوتي ها أنها قد أوشكت على الموت ، فماذا استطيع أن أعمل ؟ .
ثم طردها القديس . وهكذا لم يكن يحاكم انساناً ما لأنه كان مملوءا محبة مترفقة وصلاحاً لأبناء البشر جميعا
2- اغتصابنا حق الله
+ قال شيخ :
اذا كان لا يعرف ما في الإنسان إلا روحه كقول الرسول ، وإذا كنا نعلم أن كثيرين تابوا ولم نعلم بتوبتهم ، وإذ قد يتفق أن يتوب أنسان في آخر حياته ويقبل كاللص ، فسبيلنا أذن أن لا ندين أحداً ، فالديان هو الله وحده فكيف يجسر أحد أن يتدخل فيما هو خصيص بالإله ؟
+ حدث أن أتي اسحق القس التبايسي الي الكنونيون ، ودان أخا على فعل أتاه ، فلما خرج إلي البرية ، أتاه ملاك الرب ، ووقف قدام باب القلاية وقال له : الرب يقول لك أين تشاء أن نطرح نفس ذلك الأخ المخطيء الذي أنت ادنته ؟ . فتاب لوقته قائلا : أخطأت فاغفر لي . فقال له الملاك : لقد غفر لك الله ، ولكن عليك أن تحفظ ذاتك من الآن وألا تدين أحداً من الناس قبل أن يدينه الله .
+ قال يوحنا السينائي :
أنه في حال جلوسي في البرية الجوانية ، جاءني أحد الأخوة متفقداً من بالدير ، فسألته : كيف حال الأخوزة ؟. فأجابني : بخير بصلاتك . فسألته أيضاً عن أخ واحد كانت سمعته قبيحة .
فأجابني : صدقني يا أبي ، أنه لم يتب بعد منذ ذاك الوقت الذي أشيعت عنه فيه تلك الأخبار . فلما سمعت ذلك قلت : أف .. فعند قولي أنه أخذني سبات وكأن نفسي قد أخذت ز فرأيت أني قائم قدام الجلجثة ، والمسيح مصلوب بين لصين ، فتقدمت لأسجد له ولكنه أمر الملائكة الواقفين قدامه بابعادي خارجا قائلا : ” أن هذا الانسان قد اغتصب الدينونة مني ودان أخاه قبل أن أدينه أنا “
فوليت هاربا ، فتعلق ثوبي بالباب وأغلق عليه ، فتخليت عن ثوبي هناك . فلما استيقظت قلت للأخ الذي جاءني : ما أراد هذا اليوم علي . فأجابني : ولم يا أبي ؟ فأخبرته بما رأيت وقلت : لقد عدمت هذا الثوب الذي هو ستر الله لي .
ومن ذلك اليوم ، أقام القديس هكذا تائها سبع سنين في البراري ، لا يأكل خبزا ولا يأوي سقف ولا يبصرإانسانا . وأخيرا رأى في منامه كان الرب قد أمر أن يعطوه ثوبا ، فلما أنتبه فرح عظيما ،وبعد أن أخبرنا بذلك بثلاثة أيام تنيح . فلما سمعنا ذلك تعجبنا قائلين : إن كان الصديق بالجهد يخلص ، فالمنافق أين يظهر .
3- تمنع عنا نعمة الله
+ قال القديس دوروثيئوس :
أنه لا شيء أردأ من الدينونة للإنسان لأن بسببها يتقدم الي شرور ويسكن في شرور ، فمن دان أخاه في قلبه
وتحدث في سيرته بلسانه ن وفحص عنأعماله وتصرفاته وترك النظر فيما يصلح ذاته ، وانشغل عما يلزمه بما لا يلزمه من الأمور التي ينشأ عنها الازدراء والنميمة والملامة والتعيير ، فحينئذ تتخلي المعونة الإلهية عنه ، فيسقط فيما دان أخاه عليه .
+ قال أنبا زينون :
إن كنت تريد أن تقطع عروق شيطان الزنى ، وتهلكه عنك ، فكيف عن دينونة الناس كلهم ، ولا تقع بواحد من ورائه
وقر بخطاياك دائما ، فهذا هو عون لك وسلاح قوي ، أما أن أسلمت نفسك لكثرة الكلام ، فأن الملاك الذي معك يتنحي عنك ، ويلتقي بك الشياطين أعداؤك ، ويمرغونك في دنس الخطية .
+ كان أحد الأخوة :
يرى نعمة الله علىي الهيكل ، فلما قال ، لأخيه : لم تأكل مبكراً ؟ . ارتفعت ولم يرها بعد .
+ وقيل أيضاً :
كان أخوان كنونيون ، واستحق أن ينظر كل واحد منهما نعمة الله علي أخيه . فعرض لأحدهما أن يخرج يوم الجمعة خارج الكنونيون ، فرأي أنساناً يأكل مبكراً ، فقال له ، أفي هذا الوقت تأكل يوم الجمعة ؟ ! .. ولما كان الغد رآه أخوه ولم يبصر عليه النعمة التي كانت ترى عليه ، فحزن لذلك ، ولما جاء إلى قلايته قال له : ماذا عملت يا أخي ؟ قال : ما عملت شيئا حتي ولا فكرت فكراً رديئاً . قال له : ألم تتكلم بشيء ؟ فقال : نعم بالأمس رأيت أنسانا خارج الكنونيون يأكل مبكراً ، فقلت له : أفي هذا الوقت تأكل يوم الجمعة؟ فقام بالصلاة مدة أسبوعين وسأل الله بتعب ، فظهرت نعمة الله على الأخ ، فشكرا الله كلاهما .
+ من خبر لتأدرس الرهاوي :
كان بتلك النواحي حبيس قديم فمضي اليه القديس تادرس الأسقف ، وسأله أن يعرفه بسيرته من أجل الرب . فتنفس الحبيس الصعداء وتنهد من صميم قلبه وذرفت دموعه وقال : أما سيرتي فأني أخبرك بها ، أنما لا تشهرها لأحد ألا بعد انتقالي . فاعلم أيها الأب ، أني خدمت بدير ثلاث سنوات مع اخ أكبر مني ، وبعد ذلك جئنا إلى البرية في بابل القديمة ، وسكنا مقابر لم يبعد بعضها عن بعض كثيرا ، وكنا نتغذى من الحشائش لغذائنا ، يتراءي مع كل واحد منا ملاك يحفظه ، ولم يكن أحدنا يخاطب طائراً كأنه نجا من فخ ، ومضي هارباً الي قلايته ، فلما عجبت من قفزته ، مضيت إلى ذلك الموضع لا تحقق الأمر ، فوجدت هناك ذهبا كثيرا ، فأخذته ثم جئت الي المدينة وابتعت موضعا لضيافة الغرباء ، وأبتعت برسمه مواضع كافية للانفاق عليه ، وأقمت عليه رجلا خبيرا بتدبيره أما باقي المال فقد تصدقت به علي المساكين حتى لم أبق لي منه ولا ديناراً واحداً ، ثم عدت طالباً قلايتي ، وفكري يوسوس لي قائلا : أن أخي من فشله ما استطاع تدبير ما وجده من المال ، أما أنا فقد دبرته حسنا . وفي حال تفكري بهذا ، وجدت نفسي وقد وصلت بقرب قلايتي ، ورأيت ذلك الملاك الي كان قبلا يفرحني واذا به ينظر إلي نظرة مفزعة قائلا لي : أماذا تتعجرف باطلا ؟ ! أن جميع تعبك الذي اشغلت نفسك فيه كل هذه الأيام ، لا يساوي تلك القفزة الواحدة التي قفزها اخوك ، لأنه ما جاز عن حفرة الذهب فحسب ، بل عبر ايضاً تلك الهوة الفاصلة بين الغني ولعازر ، واستحق لذلك السكني في أحضان ابراهيم ، من أجل ذلك فقد أصبح حالك ليس شيئا بالنسبة لحاله بما لا يقاس ، وها هو قد فاتك كثيرا جدا ، لهذا صرت غير أهل لأن تري وجهه ، كما لأن تحفظ برؤياي معك بعد . وأذ قال لي الملاك ذلك غاب عن عيني . ثم أني جئت الي مغارة أخي قلم أجده فيها ، فرفعت صوتي باكيا حتي لم يبق في قوة للبكاء ، وهكذا أقمت سبعة أيام اطوف تلك
البرية الي ههنا ، فأقمت في هذا العمود 49 سنة محاربا أفكاراً كثيرة ، وشياطين ليست بقليلة وكان على قلبي غمام مظلم وحزن لا يمازحه عزاء ، وفي السنة الخمسين ، في صبيحة أحد أشرق قلبي نور حلو ، قشع عني غمام الآلام ، وبقيت مبتهلاً بقلب خاشع متندبا بدموع ذات عزاء ، فلما جازت الساعة الثالثة من النهار ، وأنا ملازم للصلاة قال لي الملاك : السلام لك من الرب والخلاص فتغزي قلبي .
4 – تفقدنا السلام الداخلي
+ قال أحد الآباء :
إن شئت أن تجد راحة في هذه الدنيا ، قل في كل أمر تعمله : أنا من أنا . كما لا تدن احداً .
+ كذلك قيل :
أن أخا من الأخوة جاء إلى آخر ، وتحدثا بشأن أخ لا يحفظ العفة ، فأجاب الآخر وقال : وأنا سمعت بهذا أيضاً . فلما مضي ذلك الأخ إلى قلايته لم يجد فيها الراحة التي تعودها ، فقام ورجع إلى ذلك الأخ وضرب له مطانية قائلا : أغفر لي ، فاني لم أسمع شيئا عن ذلك الأخ . فقال له الاخر كذلك : ولا انا سمعت شيئاً . فلما ندما علي ما قالا وجدا راحة .
5 – تشغلنا عن إدانتنا نفسنا
+ سأل أحد الأخوة شيخا قائلا :
” ما السبب في أني أدين الأخوة دائماً ؟ .
فأجابه الشيخ : لأنك ما عرفت ذاتك بعد ، لأن من عرف ذاته ، لا ينظر عيوب أخوته .
+ وحدث مرة أن هفا أخ بالاسقيط ، وانعقد مجلس بسببه ، فقام الأب بيور وأخذ خرجا وملأه رملا وحمله علي ظهره ، كما أخذ كيساً صغيراً ، ووضع فيه قليلاً من الرمل وجعله قدامه . فسألوه : ما هذا الخرج المملوء كثيراً ؟ فقال : أنه خطاياي قد طرحتها وراء ظهري حتى أنظرها ولا أتعب لأجلها ز أما هذا الرمل القليل الموجود قدامي فهو خطايا أخي ، وقد جعلتها قدامي لأدينه عليها فلما سمع الأخوة ذلك انتفعوا ن وغفروا للأخ .
6 – توقعتا تحت الدينونة
+ قال القديس دوروثيئوس :
النميمة تصدر من ذاك الذي يخبر بما فعله أخوه من خطايا شخصية فيقول عنه أنه قد فعل كذا كذا .. وأما
الدينونة فبأن يخبر بما لأخيه من خلق رديء ، فيقول أنه سارق ، أو كذاب ، أو ما شابه ذلك ، فيحكم عليه بالاستمرار فيها وعدم الإقلاع عنها . وهذا النوع من الدينونة صعب جدا ، ولذلك شبه ربنا خطية الدينونة بالخشبة ، والخطية
المدانة بالقذى . من أجل ذلك قبل توبة زكا العشار ، وصفح عما فعله من آثام ، وشجب الفريسي لكونه دان غيره ، مع ما له من صدقة وزصوم وصلاة وشكر لله على ذلك . فالحكم علي خليقة الله يليق بالله لا بنا ، فدينونة كل واحد وتزكيته هي من قبل الله وحده في كل أمر وعلي كل شخص ، إذ يتفق أن يعمل إنسان عملا بسذاجة وبقصد يرضي الله ، وتظن أنت غير ذلك ،، وأن كان قد أخطأ فمن أين كان قد تاب وغفر الله له ، أو أن كان الله قد دانه في العالم أزاء ذنوبه ؟ فالذي يريد الخلاص اذن ، ليس له أن يتأمل غير نقائص نفسه ، ذلك الذي رأي أخاه قد أخطأ فبكي وقال : اليوم أخطاً هذا الأخ وغدا اخطيء أنا ، وربما يفسخ الرب لهذا فيتوب ، وقد لا يفسخ لي أنا . فبالحقيقة ويل لمن يدين أخاه فأنه سيهلك نفسه بكونه صار ديانا ولكونه يؤذي الذين يسمعونه ، وعنه يقول النبي : ” ويل للذي يسقي أخاه كأساً عكرة ” ، وكذلك: ويل للذي من قبله تأتي الشكوك ” .
+ قال شيخ :
إذا شتم الراهب أخاه بذكر شيء من الخطأ مثل أن يقول : يا زان يا سارق ويا كذاب ، فأن سكت المشتوم وغفر للشتائم وقال في نفسه . بالحقيقة أني خاطيء . فأن تلك الخطية التي شتم بذكرها والتي أشار اليها بقوله : بالحقيقة أني خاطىء ، تغفر له ، وتصبح علي الشتائم ، لأنه ترك الاعتراف بخطيئته وأظهر خطية اخيه ، ولكن المشتوم احتمل إشهار خطيئته فحسب له عترافا ولكونه غفر لأخيه نال المغفرة .
+ وقال آخر :
لا تدن الفاسق أيها الضعيف لئلا تصير مثله مخالفا للناموس ، لآن الذي قال لا تزن ، قال أيضاً لا تدن ، والرسول يعقوب يقول أن من حفظ الناموس كله ، وزل في واحدة منه ، صار مطالبا بالجميع .
+ وقال شيخ بخصوص لعازر المسكن :
إننا لم نجده قد عمل شيئا من الفضيلة غير أنه لم يدموم قط علي ذلك الغني الذي لم يرحمه ، كما كان شاكرا الله على ما كان فيه ، فمن أجل هذا فقط رحمة الله .
+ قال أنبا يوسف :
أنا أعرف أنساناً له السيرة الجسدية ، فكان يصوم إما يومين ، وإما أربعة أربعة ، واتفق مرة وهو صائم
أربعة أيام أن أصابه الضعف في قواه ، فجءة صوت يقوله له : لا تحتقر أحدا من الأخوة ، ولا تدن أحدا من خليقة الله ، وما استنطعت أن تعمله فاعمله ، لكن ضع ذاتك فقط وتحفظ على قدر قوتك وأنت تخلص .
وأنبا يوسف هذا ، هو الذي قاتله الشيطان بالزنى وهو صبي ، فأرسله أبوه ليقيم منفردا أربعين يوما ، فأبصر الشيطان بشكل امرأة بشعة الصورة .
+ قال القديس أنسطاسيوس :
لا تكن ديانا لأخيك لتؤهل أنت للغفران ، فربما تراه دائما خاطئا لكنك لا تعلم بأي خاتمة يفارق العالم ، فذلك اللص المصلوب مع يسوع ، كان للناس قتالا وللدماء سفاكا ، ويوداس كان تلمذا للمسيح ومن الاخطاء اذ كان الصندوق عنده ، الا أنهما في زومن يسير تغيرا ، فدخل اللص الفردوس واستحق التلميذ المشنقة وهلك .
+ وقال أيضاً :
إن أخا من الرهبان كان يسير بتوان كثير ، هذا وجد على فراش الموت وهو في النزع الأخير بدون جزع من الموت ، بل كانت
نفسه عمد انتقاله في فرح كامل وسرور شامل ، وكان الآباء وقتئذ جلوسا حوله ، لأنه كانت العادة في الدير أن يجتمع الرهبان كلهم أثناء موت أحدهم ليشاهدوه ، فقال أحد الشيوخ للاخ الذي يموت : يا أخانا ، نحن نعلم أنك أجزت عمرك بكل توان وتفريط فمن أين لك هذا الفرح والسرور وعدم الهم في هذه الساعة ؟ ! فإننا بالحقيقة لا نعلم السر ، ولكن بقوة الله ربنا تقو وأجلس وأخبرنا عن أمرك العجيب هذا ، ليعرف كل منا عظائم الله .. وللوقت تقوي وجلس وقال : نعم يا آبائي المكرمين ، فاني أجزت عمري كله بالتواني والنوم ، الا أنه حدث الآن في هذه الساعة ، أن أحضر لي الملائكة كتاب أعمالي التي عملتها منذ أن ترهبنت . وقالوا لي : أتعرف هذا ؟ قلت : نعم، هذا هو عملي ، وأنا أعرفه ؟، ولكن من وقت أن صرت راهبا ما دنت أحداً من الناس قط ، ولا نممت قط ، ولا رقدت وفي قلبي حقد علي أحد ، ولا غضبت البتة ، وأنا أرجو أن يكمل في قول
الرب يسوع المسيح القائل : ” لا تدينوا لكي لا تدانوا ، أتركوا يترك لكم ” ، فلما قلت هذا القول ، تمزق للوقت كتاب خطاياي بسبب أتمام هذه الوصية الصغيرة. واذ فرغ من هذا الكلام أسلم الروح . فانتفع الاخوة بذلك وسبحوا الله .
Discussion about this post