الرؤى
لا تصدقوا كل روح
+ من كلام انسطاسيوس السينائي :
” ليس كل من يعمل آيات قديساً ، بل نجد كثيرين يعملون آيات وتتلاعب بهم الشياطين ، لننا قد فهمنا من حال أسقف هيراطيقي اسمه مقدونيوس محارب الروح القدس ، أنه قد نقل شجرة زيتون من موضعها وغرسها في موضع آخر بشكل الصلاة .
وحدث كذلك أن رجل ظالم قد أزعج أمرأة لأجل دين كان له علي زوجها ، وزاد قيمة الدين عن الحقيقة ، ولم يكن الميت قد دفن بعد ، فما كان من ذلك الأسقف المذكور الا أن جعل الميت يتكلم ويخبر بمقدار الدين ، كذلك لما مات ذلك الأسقف المذكور ألا أن يجعل الميت يتكلم ويخبر بمقدار الدين ، كذلك لما مات ذلك الأسقف الهيراطيقي ، ظهرت علي قبره خيالات كثيرة وعملت آيات ، من أجل ذلك لا يجب أن تقبل كل من يعمل آيات قائلا أنه قديس ، بل يجب أن يمتحنوا ويختبروا على رأي القائل : ” لا تصدقوا كل روح ، بل جربوا أن كان ذلك الروح من الله ، لأن أنبياء كثيرين كذابين قد خرجوا الي العالم ” والرسول يقول : ” أن هؤلاء رسل كذابون وفعلة غاشون ، متشبهون برسل المسيح ، وأن الشيطان يظهر بشكل ملاك النور ، فلا عجب أن كان خدامه يتشكلون بشكل خدام العدل ” ، لأن الشياطين الأنجاس بواسطة الأنبياء الكذبة يصنعون آيات واشفية جسدية ليخدعوا من كان سهل الانقياد لخداعهم ، وقد يظهرون أحيانا ميتا قائما بواسطة صلاة بطالة من إنسان مضل ، وذلك بأن يدخل ابليس في جسد الميت ويحركه ويخاطب الأحياء من وجه الميت ،ويجيب الانسان المخدوع عما يسأله ، ويخبر عن أشياء مخفية وعما قوم سرا ، حتى إذا وثقوا به أنه صادق ، سهل عليه أدخال الضلالة التي تخصه .
كذلك يتجاسر الشياطين علي أن يحدثوا عن خصب الأرض وجدبها ، واختلافات الأهوية وكثرة الأمطار وقتلها وما شاكل ذلك ، كما يمكنهم فهم آراء الناس من اشارات وأمارات يرونها في الانسان أو يتصيدون ذلك من وجوه أخري ، وليس ذلك فقط ، بل ويسبقون فينذرون بموت قوم من الناس ، لأن العناية الالهية قد وضعت علامات في جسم البشر كما يعرف ذلك أولئك الذين حذفوا صناعة الطب حذقا بليغا ، اذ يستدلون علي موت الناس من علامات تظهر منزيادة الكيموسات ونتقصان الدم ،وتغير المزاجات وغير ذلك ، لا سيما وأن الشياطين لطيفة ولطول مدتهم وكثرة تجاربهم ، فالنساء العرافات والمنجمون يحدثون بما يحكم به الشياطين ، ليس عن سابق علم . بل لزيادة التجربة . وليس ذلك مقبولا ، فقد عرفنا قوما سحرة مشعوذين ، قد صنعوا آيات متنوعة من فعل الشياطين ، مثل هاروت وماروت اللذان كانا علي عهد موسي ، فأنهما جعلا عصيهما حيات ، وقلبا المياه دما ، واصعدا من المياه كثيرة من الضفادع .
كذلك سيمون الساحر في عهد الرسل ، فكم من الآيات صنع ، فلقد حرك أصناما وجعلها تمشي ، وطرح في النار ولم يحترق ، وطار في الهواء ، وحول حجارة الي خبز ، وصار حية ، وتشكل بهيئة حيوانات ، وفتح أبوابا مرتجة ، وفك قيودا ، وحل حديدا وعلى المواليد أظهر
أشكالا ، وجعل الأوعية التي في البيت تتحرك خادمة منها وبها دون أن يرى الذي يحركها ، وجعل ظلا يتقدمه زاعما أنه من أرواح الذين ماتوا ، واذ رام كثيرون من السحرة أن يفضحوه ، غير شكله ، ثم بحجة ما ، دعاهم الي وليمة حيث ذبح ثورا وأطعمهم ، فنزلت بهم اسقام كثيرة ، وصرعتهم شياطين مردة ، وأخيرا لما طلبه الملك ، فزع منهم ، وهرب وطرح شكله علي غيره .
+ ومن كلام الباب اثناسيوس :
سؤال :
كيف يصنع الهراطقة آيات لمرات كثيرة ؟ ” .
الجواب :
” سبيلنا الا نستغرب ذلك ، لأننا قد سمعنا الرب قائلا : أن كثيرين يقولون لي في ذلك اليوم يارب يارب ، أليس باسمك تنبأنا ، وأخرجنا شياطين وصنعنا قوات كثيرة ؟ فأقول لهم ، أني لا أعرفكم قط ، انصرفوا عني يا فعلي الاثم ” ، فعلي أكثر الحالات يتسبب الشفاء بايمان المتقدم وليس بسيرة المجترح ، لأنه مكتوب : ” أن ايمانك خلصك “ ، لأنه ليس في الاثوذكسية فقط اجتراح آيات ، بل وقوم أردياء ، مراراً كثيرة تقشفوا وقدموا لله أتعاباً ، فأخذوا أجرتهم في هذا العالم فسحه من الله ، كشفاء الأمراض لكيما يسمعوا ذلك في العالم العتيد : ” أنك قد استوفيت خيراتك في حياتك ” .
( أ ) هل تعتقد في الأحلام
+ في بعض الأوقات جاء أخوة إلى الأب انطونيوس
يخبرونه عن أحلام يرونها ليعلموا هل هي حقيقة أم من الشياطين ، وكان معهم أتان قد مات في الطريق ، فلما سلموا عليه ابتدرهم قائلا : ” كيف كان طريقكم ؟ وكيف مات الأتان الصغير ؟
فأجابوه :
” من أين علمت يا أبانا ؟ “
فقال لهم : ” أن الشياطين أروني ذلك في الحلم ” ، فقالوا له :” ونحن لهذا الأمر بعينه جئنا نسألك ، لئلا نضل ، لأننا نري أحلاماً ونصدقها مراراً كثيرة ” ، فأكد لهم الشيخ من حال الزمن الذي أخبرهم به أن هذه التخيلات من الشياطين .
+ من كتاب الدرج :
المصدق المنامات يشبه من يريد أن يلحق ليمسكه ، فأن شياطين العجرفة ينذرونا في الحلم بما يكون مكرا منهم ، فإذا تمت المنامات نتخشع نحن ماننا قد تقربنا من نعمة النبوة فيتعجرف فكرنا جملة ، طائعين الشيطان ، أن الشيطان هو روح علام بما في سقطس الهواء فإذا عرف أنه قد مات فلان يسرع ويخبو به ويخدع الخفيفي العقول وقد يتشكل مرات بشكل ملاك نور أو شهيد من الشهداء ، ويرينا ذلك في الحلم وإذا انتبهنا يملأنا فرحا وابهة .
+ راهب اسمه نونمينوس :
هذا أظهر من ضبط الهوى مقدارا زائداً ومكث سنين كثيرة حابسا نفسه في قلاية ، فهذا تلاهت به الشياطين فيما بعد وهزات به باعلانات ومنامات أظهروها له ، فتهود واختتن ، بعد أتعاب وفضائل جزيلة فاق بها جميع الاخوة ، لأن الشيطان لما رام خديعته أراه مرارا منامات صادقة ليحسن قبول نفاقه ، ويجعله حسن الانصياع لقبول الضلالة التي كان عتيدا أن يميلها عليه أخيراً ، فأراه في بعض الليالي شعب المسيحيين مع الرسل والشهداء مظلمين مكمدين معبسين مغمومين من كل خزي ، ثم أراه شعب اليهود مع موسي والأنبياء ملألئا ، باشا مستبشرا ، وعرض عليه الخداع قائلا :
” أن شئت نوال فرح وضياء هذا الشعب تهود واختتن ” .
+ وآخر أيضا :
كان كثير الصلاة والصوم والجهاد ، وكان كل يوم في ازدياد وحرص ، وحدث أنه أن أتكل على أعماله الصالحة ،
فجاءه المجرب في الليل في شبه أمرأة تائهة في البرية ، ووثبت ودخلت قلايته ، ووقعت بين رجليه وكانت تطلب اليه أن تستقر عنده تلك الليلة ، فظن في نفسه حينئذ أن يصنع معها خيراً ، وبدأ يسألها كيف تاهت ؟ فأخبرته بكل ما اصابها .. ثم بدأت تكلمه وتزرع في قلبه الأفكار الدنسة ، وترثي لحاله ، وتتظاهر بالاشفاق عليه ، وهكذا أطالت في كلامها حتي أمالته الي الشهوة النجسة ، مريدة جذبه الي نفسها ، وبالضحك السمج أضلته حتي أنه بسط يديه اليها ، فاقترب منها مسبيا بها ، مقدما نفسه ليتم الشهوة ، فصاحت بغتة . وخرجت هاربة مثل الدخان ، وصوت الضحك سمع في الهواء من الأرواح النجسة يصيحون ويقولون : ” يا من تعظم ونرفع الي العلا ، أنظر كيف هبطت الي الهاوية ” . ومن بعد هذا غدا حزينا ولبث هكذا في حزن أياماً كثيرة حتى قطع رجاؤه ورجع إلى العالم . وعلي هذا المنوال يفعل الشيطان ، فإنه إذا غلب إنسانا يجعله بغير معرفة لئلا يقوم من سقطته . من اجل ذلك يجب علينا الهروب من العالم ،والحذر من ملاقاة أمرأة ، ولا نقطع رجاءنا أبداً من رحمة ربنا .
( ب ) خيالات التنبؤ
+ قل القديس أنطونيوس :
وإن تظاهر الشياطين بسابق المعرفة ، فلا تمل اليهم ، لأنهم يخبرون بأشياء كثيرة قبل كونها بأيام ، ليقنعوا الذين يصغون اليهم بصدقهم ، فاذا صدقوهم بعد ذلك ، أهلكوهم . أما هم ( أعني الشياطين ) فليس لهم سابق معرفة لأن علم الغيب لله وحده ، وأنما هم سعاة خفيفيون مسرعون في الهواء ، والذي يرونه يسبقون وينذرون به فأطلبوا من الله ليؤازركم علفي دحضهم ، متي طرقوكم ليلا علي انهم ملائكة ، لا تصدقوهم لأنهم كذبة .
+ وقال أيضاً :
إذا ما بدأ الإنسان في المجيء من بلدة بعيدة ، فعندما يراه الشياطين هكذا يسبقون وينذرون بمجيئه قبل أن يجيء وقد يتفق مرارا كمثيرة ان ذلك الانسان يعاق أو يرجع لعارض ما فيظهر كذب الشياطين ، وهكذا ينبئون عن ماء النيل ، لأنهم متي عاينوا الأمطار الكثيرة في بلاد الحبشة ، يعرفون أن ماء النهر يكون كثيرا ، فيسبقون ويخبرون بذلك ، وكما كان ديدبان داود الملك يقف في أعلي موضع فينظر ما لم ينظره من كان تحته فيخبر به ، هكذت هؤلاء الأرجاس أيضاً يفعلون ذلك ليضلوا ..
+ دخل راهب الي البرية وكان يصوم الستة أيام ، وفي اليوم السابع كان يأتي إلى الصلاة ويتناول الطعام ، ولا يزيد عن الصلاة كلمة ، فهذا مضي اليه الشياطين وخدعوه في أشياء كثيرة وانذروه بأمور جرت في بلدان مختلفة ، فصدق بما خيل له وظن بالمخيلين له أنهم ( أرواح ) قوات قديسة ، واتفق وقتئذ أن مضي ليفتقد أخا مريضا وتظاهر القوم كانوا هناك كأنه يحكي عن غيره فقال : هل يمكن لإنسان أن يعلم ما يجري في العالم ؟ .. فلما سمعوه فهموا انه هو المخدوع ، فزجروه قائلين : أن اشغلت فكرك بمثل هذا سمعوه فهموا أنه هو المخدوع ، فزجروه قائلين : أن اشغلت فكرك بمثل هذا الخداع فلا تعد الينا وللوقت الي حيوانات مفزعة وتهددوه وانصرفوا عنه .
(ج ) خيالات الرؤي
+ سئل شيخ :
ما رأيك في أناس يقولون انهم يبصرون ملائكة ؟
فأجاب الشيخ :
طوبي لمن أبصر خطاياه كل حين .
+ وقال آخر:
أن الشياطين يخفون شرهم وراءهم ، ونورهم آخره ظلام ، فلا تعمل شيئا بغير مشورة الآباء العارفين بقتالهم .
+ من رسالة للقديس سمعان :
جميع المناظر التي يمكن للناس إبانتها في الأجسام ، انما هي من تخايل أفكار النفس وليست من أفعال النعمة ، لأن من شأن هذا الأمر ان يتبع الرهبان الشديدي البحث ، محبي العجرفة ، الجانحين الي الكبرياء والأبهة ، المتمسكين بالرفيعات ، المرأئين .
إنسان سكن طور سيناء ، وكان يظن أنه يسلك سلوكا حسنا ، هذا عجرفته الشياطين في المنامات ، وتخيل أنه قبل شرطونية الأسقفية ، فجلس وأخذ يعمل عمل الأساقفة .
ولقد رأينا أيضاً متواحداً ساكناً مغارة ، لعبت به المنامات فأعيا أهويته وطارد ضلالات فضاع عقله وفسد قلبه وسقط من السيرة الفاضلة ومات مجنونا
+ وراهب آخر اسمه ولاس :
قورنثاني العقل متشامخ ، هذا جاء الي البرية وسكن مع الآباء لعدة سنين ، واتقن التقشف وشظف السيرة إلى اقصي غاية فخدع من الأبهة وتناهي في العجرفة كثيرا ، واقنعه ابليس بأن ملائكة تخدمه في كل ما يحتاج إليه ، وكما حكي عنه رفاقه ، انه في وقت من الأوقات وهو يخيط الزنابيل في ليل عميق داج أن رمي بالمسلة علي الأرض فظهرت له شمعة بفعل ابليس ، فتعجرف واستكبر من هذا الحادث المر ، فاتفق ان قوما غرباء أحضروا الي الاخوة فاكهة ، فأرسل الأب مقاريوس الطوباوي لكل واحد نصيبا بمقدار حفنة ، وأنفذ له ضمنا ، فلم يأخذ ما أرسل اليه ، بل شتم وضرب موصله .
وقال له :
” امض وقل لمقاريوس ما أنا دونك لتنفذ لي بركة ” ، فعلم الأب أنه قد خدع .
وبعد يوم مضي اليه ليعزيه ، وقال له :
يا أخي لقد ترهت بك الشياطين ، فكف واطلب من الله أن يرحمك . فلم يصغ إلى كلامه ، فمضي من عنده حزينا متحققا انخداعه ، فلما رأي ابليس أنه قد أنخدع له وانقات اليه ، تشكل له بشكل المخلص وأتاه بالليل مع شياطينه كملائكة الرب حاملين أنوارا ، وظهر له في كرة نارية قد تخيل له في وسطها المخلص ، وأن واحدا من الشياطين قال له ان
المسيح قد احب سيرتك وقد جاء لينظرك ، فأخرج من قلايتك ولا تعمل شيئا آخر . سوي أنك تقوم من بعيد ، واذا نظرته قائما وسط الكل ، خر له ساجدا ، ثم أرجع أدخل قلايتك .
فلما خرج ولاس وراء المصاف وحاملي الأنوار وقف علي بعد وسجد لضد المسيح ، وهكذا انخدع عقله المفسود لدرجة أنه جاء إلى البيعة في اليوم التالي وبمشهد من جماعة الأخوة قال : أني لست في حاجة الي قربان لأني بالأمس قد شاهدت المسيح . وحينئذ ربطه الآباء بالحديد مدة سنة كاملة حتي كسروا عجرفته وكبرياءه بسيرة لا عجبة فيها ، وشفوا الضد بالضد على ما يقال .
فأن كان مع غروس الفردوس نبت معرفة الخير والشر ، فلا عجب أن نبتت مع المناقب الشريفة أثمار ردية تولد الموت ، فيليق بالمفرز أن يكون كل حين حذرا ، لآنه مرارا كثيرة تصير الفضائل الجلية أسبابا لسقطات عظيمة متى لم يحكمها بنية متضلعة ذات افراز .
وعلى ما كتب :
” رأيت صديقا هالكا ببره : مع أن ألبر لم يكن بسبب الهلاك بل العجرفة .
+ وأيضا إنسان اسمه ماليطون :
كان يرى آراء غريبة ، ويتجاسر على العظائم ، هذا تنسك محتملا الأتعاب والمعاطب الكثيرة ، متشبثا بامساك
الهوى لأبعد غاية ، وعلى ما قيل تتلمذ لأوليانوس الطوباوي مدة من الزمان ، وصحبة الي طور سيناء وإلى بلد القبط ، وشاهد انطونيوس الكبير وصحبه ، وصاحب غيره من القديسين الكبار ، وسمع منهم أقولا كثيرة تتعلق بالطهارة وخلاص النفوس ، وأشياء كثيرة من التذكارات التي تهون من احتمال المصاعب ، وما يتعلق بمناظر الروح ، وسمع أيضاً أنه يمكن للنفس اذا ما نظفت كما يجب وبلغت الي عدم الانفعال ، أي انها إذا ألقت عنها يحفظ الوصايا لبأس الآلام العتيق ، وثبتت ثيابا قويا بالله علي صحتها الطبيعية التي كانت لها أولا ، فأنها حينئذ تبلغ إلى المناظر الإلهية .
فهذه الأمور وما شاكلها لما سمعها ماليطون ، التهب بالعجرفة كالملتهب بالنار ، ثم أنه انفرد في موضع وانفصل من الاجتماع بالباقين وانعكف علي نصب وتعب طويل ، وتبتل للصلوات الكثيرة والطلبات ليحظي فقط بما كان يؤمله من المناظر الرفيعة التي سمع بها ، وكان شغوفا بنوالها ، مع أنه لم يكن قد احترف صناعتها ، أي تواضع القلب وتمسكن القلب وجعل اعتماده علي مواصلة الأتعاب والتوفير علي الأصوام دون أن يذلل ذاته أو يخضع عقله جملة ، ودون أن يفهم حيل وكمائن ابليس المحارب ، ولم يصغ الي القول القائل : ” اكملتم كل شيء فقولوا أنا عبيد بطالون ” ، بل تعجرف عقله بالكبرياء والأبهة ، فلما نظر الشيطان أنه لا هم له إلا في عدم تمسكن العقل ، ولا تعرض له سوي رغبة نوال المناظر العالية ، أظهر له ذاته محاطا بمجد عظيم ونور كثير وقال له : ” أنا هو البارقليط ، أرسلت الآن من الآب اليك لأهبك شيئا من المناظر الرفيعة جزاء لأتعابك الكثيرة ، هذه المدة الطويلة ، لأنك اكملت زمان العمل ، وقد حان أوان الراحة ” . وطلب منه السجود له ، ففرح جدا بما سمع ولم يشعر بالعطب ، وللوقت خر ساجدا له ، فلما نال العدو السجود الذي أراده ، استولي عليه بالكلية ، وأعطاه تخيلا شيطانية عوض المناظر الالهية ، التي كان يشتاق لرؤياها ، وفرغ من الاتعاب والاغراق كأنه قد بلغ إلى عدم الانفعال ، وقال له : ” أن كنت قد بلغت الي هذا الحد من عدم الآلام ، فليس هناك حاجة بعد الي تعب وعرق جسدي ” . ومن ههنا جعله ابليس مقدما واماما لمقالة ( لبدعة) الساجدين المصلين ، فيما أنكشف أمره للأسقف ، أبعده ورذله ونفاه بعيدا .
+ قيل عن بعض الآباء :
” أن الشيطان تراءي له في شبه ملاك نوراني وقال له ” أنا غبريال ؟، قد أرسلت اليك .
أجاب الشيخ :
” لعلك أرسلت الي غيري وأما أنا فخاطىء ” .
فلما سمع الشيطان هذا الكلام منه باتضاع ، اختفي ولم يرده .
+ كان أحد الشيوخ جالسا في قلايته مجاهدا
وكان ينظره الشياطين عياناويحتقرهم ، فلما رأى ابليس نفسه مقهورا من الشيخ ، ظهر له قائلا : أنا هو
المسيح . فأغمض الشيخ عينيه ، فقال له الشيطان : أنا المسيح ، وتغمض عينيك مني ؟ فأجابه الشيخ قائلا : لا أريد أن أبصر المسيح ههما .
فلما سمع ابليس منه ذلك ، غاب عنه .
+ قال أحد الشيوخ :
حتي ولو ظهر لك ملاك حقيقي فلا تقبله بل حقر ذاتك قائلا : أنا عائش بالخطايا فلا أستحق أن أنظر ملاكا .
+ قال الشيخ أوغريس :
لا تشتق أن تنظر ملائكة أو قوات ، أو المسيح حسيا ، لئلا يضيع عقلك بالكلية ، وتقبل ذئبا بدلا من خروف ، وتسجد لأعدائك الشياطين ، لأن بدء ضلالة العقل التيه والكبرياء ، إذا ما بدأ العقل يتحرك في العجرفة ، فإنه يروم أن يحضر الاله في صور وأشكال ، لذلك يجب الا تجهل هذا الغش ، وهو أنه في وقت ما ، يقسم الشياطين ذواتهم ، فبعض منهم يبدأون بمحاربتك ويحققون عندك أنهم شياطين ، فاذا طلبت المعونة ، تجد البقية يدخلون اليك في شكل ملائكة قديسين وهم شياطين ويطردون اولئك الأولين ليخدعوك ، فتظن أنهم ملائكة قديسون ، وهم شياطين ، كذلك توسوس لك الشياطين في وقت ما بأفكار ، ثم يحركونك للصلاة عليهم ومقاومتهم فينصرفون باختيارهم ، كيما ؟إذا انخدعت طننت بنفسك شيئا ، فتتكبركأنك قد بدأت أن بدأت أن تقهر أفكارك وتفرع الشياطين .
+ جلس أحد الرهبان ناسكا في قلايته .
فأراد الشياطين أن يخدعوه بصورة ملائكة ، وأنهم أنهضوه للذهاب غلى اجتماع الكنيسة وأروه أنوارا ، فجاء إلى شيخ وقال له : يا أبانا ، أن الملائكة تأتيني بصورة وتقيمني لأذهب الي اجتماع الكنيسة .
قال له الشيخ :
لا تقبل منهم ذلك يا ولدي ، أنهم شياطين ، فاذا أتوك قل لهم : أنا متى أردت قمت ، ومنكم لا أسمع .
وفي الليلة التالية جاء الشياطين فنبهوه كعادتهم ، فأجابهم بما قال له الشيخ . فقالوا له : هذا الشيخ السوء الكذاب إنما يخدعك . فقد أتاه أخ يستعير منه شيئا مان عنده ، لكنه كذب وقال : ليس عندي ، وصرفه دون ان تعطيه شيئا . فجاء الأخ بكرة إلى
الشيخ وأخبره بما كان ، فقال له الشيخ : أما ما طلبه الأخ مني وكان عندي ولم أعطيه فذلك لأني عرفت أنه شيء يسبب له خسارة نفسه ، فرأيت أن أتجاوز وصية واحدة ولا أتجاوز عشرة وصايا كي لا ينتهي أمرنا إلى الحزن ، فأما أنت فلا تسمع من الشياطين الذين يريدون ان يخدعوك . وبعد أن دعمه بالتعليم صرفه إلى قلايته .
+ قال أنبا أور :
أني أبصرت أنسانا في البرية خليت له الشياطين طغمات ملائكة ومراكب حافلة ، ومكلكا في وسطهم ، فقال له : يا أيها الانسان لقد اتقنت كل شيء ، اذن خر لي ساجدا وأنا أرفعك كما رفعت إيليا . فقال الراهب في فكره : أنا في كي يوم أسجد لملكي المسيح ، فلو كان هذا هو المسيح حقا ، لما التمس مني السجود الآن . ولما جال هذا في فكره قال: أن ملكي هو المسيح وأنا دائما أسجد له ، وأما أنت فلست بملكي . ولما قال هذا الكلام ، تلاشي ذلك الخيال للوقت . هذا ما شرحه ذلك الأب كأنه عن غيره ، وأما الآباء الذين كانوا معه فقالوا : أنه هو هو الذي رأي ذلك .
+ جلس أخ
” في برية ملآنة من الشياطين مدة من الزمان وكان يظن أنهم ملائكة ، وكان والده يزوره من حين إلى حين ،
وفي بعض الأيام أخذ منه فأسا ليحطب به ويعيده اليه ، وحدث في عودته إليه أن سبق أحد الشياطين وقال له : أن شيطانا يشبه أباك آت ومعه فأس في زمبيله يريد أن يضربك به ، فلما جاء أبوه حسب عادته ، أخذ الابن الفأس وضربه فقتله ، وللوقت صرعه الروح النجس وخنقه .
+ راهب آخر:
كان ينظر دائماً في قلايته ضوء سراج ، فانقاد لعدم التمييز وقبل في بعض الأوقات شيطاناً على أنه ملاك ، فأمره ذلك الشيطان ان تقدم لله ولدا له معه في الدير لينال بذلك كرامة أب الآباء ابراهيم ، فانقاد لهذه المشورة لدرجة انه كاد أن يتممها بالفعل ، لولا أن الغلام نظره يسن السكين بخلاف العادة ويجهز ما يربطه به ، فهرب منه ونجا .
+ حكى راهب تقي قائلا :
أني في حال سفري لأسجد في أورشليم جئت إلى موضع حيث كان هناك جرف عال وفيه مغارة ، ومن تحته يوجد دير
فدخلت اليه ، فقال لي سكانه أن أحد الرهبان أراد أن يسكن تلك المغارة ، وسأل الرئيس في ذلك ، فقال له : يا ولدي ، أنك لا تقدر أن تسكن المغارة ، لأنك لم تخضع أسقام نفسك بعد ، ولا آلام جسمك للقوة الناطقة ، كما أنك لا زلت تجهل حيل ابليس المتفننة . فالأجود لك أن تقيم بالدير ، وتخدم آباءك وتربح صلواتهم ولا تبق وحدك مقاتلا شياطين خبثاء .
ولكنه لم يقتنع ، فأفسح له الرئيس في ذلك ، وصعد الي المغارة ورقع السلم . وكان الاخوة يحضر له طعاما ويرفعه في زنبيل . ثم أن ابليس الذي لم يزل محاربا للسالكين طريق الفضيلة دبر له وهقا ليرميه في هوة الكبرياء ويأخذه أسيرا ، فظهر له شكل ملاك نوراني وقال له : أعلم أهيا الأخ أنه لطهر نيتك وشرف سيرتك ، أرسلني الرب خادماً لقدسك .
فأجابه الراهب : وما الذي فعلته حتى تخدمني ملائكة ؟
قال له ذاك : أن جميع اعمالك جليلة وقد أنعزلت عن الرهبان وسكنت وحدك في هذا الموضع ، فكيف لا تخدمك ملائكة ؟
بهذه الأقاويل وأمثالها نفخ التنين في ذلك الراهب ، وصار يأتيه كل يوم ويخاطبه بمثل هذا الكلام .
ثم أنه حدث في بعض الأيام أن رجلا وقع بين اللصوص وسلبوا ماله ، فسعي إلى مغارة ، فتقدم ابليس وجاء اليه في صورة ملاك وقال له : أن انساناً يقبل اليك ، سرق اللصوص بيته ووضعوا ما أخذوه منه في مكان كيت وكيت . فأتي الرجل وسجد تحت المغارة فأجابه الراهب من فوق : مرحبا بك يا أخي ، قد عرفت حزنك ، أن لصوصا أخذوا حاجاتك وهي كذا وكذا ، وهي مخبأة في المكان ، امض خذها وصل علي .
فرجع الرجل إلى ذلك المكان ولما وجد اشياءه انذهل ، وأشاع الخبر بين الناس ان الراهب ساكن المغارة يعلم الغيب . فأقبل اليه جمع غفير ، رجالا ونساء وأحداثا متسائلين . ودخل فيه الشيطان وصار يخبر كل واحدج بما ناله في زمانه وما يناله ، فلما سمع رهبان ديره عجزوا كيف بلغ هذه المنزلة في زمن يسير . وفي يوم الاثنين ثاني أسبوع القيامة ، ظهر له ابليس وقال له : أعلم أيها الأب ، انه يوم الاثنين ثاني أسبوع القيامة ، ظهر له ابليس وقال له : أعلم ايها الأب ، أنه لحسن سيرتك فإن ملائكة كثيرين مرسلون خلفك ليحملوك الي السماء حتى تعاين المجال الذي هناك . وإن الاله المتحنن لم يشأ هلاكه فألهمه أن يطلع الرئيس علي هذا الأمر ، فرأسله بيد الأخ الذي يأتيه بالطعام ، فلما سمع الرئيس بذلك أسرع
بالمضي اليه وقال له : ” يا ولدي لماذا استدعيتني ؟ فأجابه قائلا : ” بماذا أكافئك يا أبي عن جميع ما عملته مع حقارتي ؟ ” فأجابه الرئيس : وماذا عملت معك من الخير ؟ ” ، فقال : ” خيرك علي كثير لك استحققت لبس هذا الزي ، بك سكنت هذه المغارة ، بك بلغت أن أنظر ملائكة ، بك الهمت بعلم الغيب ” .
فلما سمع ذلك قال له : ” أأنت يا شقي تنظر ملائكة الغيب ؟ أما قلت لك : لا تصعد إلى المغارة لئلا تضلك الشياطين ؟ ” .
فقال الراهب :
” لا تقل هكذا يا أبي المكرم ، أني بصلواتك أنظر ملائكة وفي يوم الصعود ها انا عتيد أن أرتفع معهم إلى
السماء بجسدي هذا ، وإذا وصلت الي هناك فأني اسأل ربي يسوع المسيح أن يأمر بأن ترفعك الملائكة أنت أيضاً ، فتكون وتعاين المجد الذي هناك ” .
فلما سمع الرئيس هذا لطم على وجهه وحدثه قائلا : ” لقد جننت يا شقي وضاع رشدك ، ولكن على كل حال ها أنا
مقيم معك حتي أعاين آخر أمرك ، فاذا رأيت ملائكتك الارجاس ، أعلمني ” ، ثم انه أمر برفع السلم ، وأقام معه مصليا الابصالتس وصائما ، فلما كان اليوم المعين لارتفاعه نظر الشياطين قادمة اليه ، فقال : ” لقد جاءوا أيها الأب “
حينئذ احتضنه الرئيس وصرخ بصوت جمهوري : ” أيها الرب يسوع ابن الله . آزر الخ المخدوع ” ، فأرادوا أخذه من يد الرئيس ، فزجرهم باسم الرب ، فما كان منهم إلا أن أخذوا وزرة الأخ وغابوا مقدار ساعة ، وإذا بالوزرة ساقطة نحو
الأرض ، فقال له الرئيس : ” أنظرت يا شقي ماذا فعل الشياطين بوزرتك ؟ هكذا أرادوا أن يعملوا بك ” ، ثم أنه أحضر السلم وأنزل الأخ معه إلى الدير ورسم له أن يخدم في المخبز والمطبخ مدة سنة وبذلك ذلل فكره .
+ قال الأب أوغريس :
” لا تصور بعقلك اللاهوتية أشكالا وأنت تصلي ولا تسمح لعقلك بالجملة أن يتصور الاله بشكل ما ، لأن الله تعالى غير هيولي فأن علمت ذلك ، فانك سوف تجد فهما يليق بالغيرالهيولي أي الاله . احفظ ذاتك من مصائد من مصائد المحابين لأنهم اذا رأوك
تصلي بنقاوة يجعلون أشكالا غريبة تظهر قدامك بغية ليجذبوط إلى كبرياء القلب ، وذلك بأن يصوروا لك الاله والله ليس له شبه ولا قياس ولا صفة .
+ من قول مار اسحق :
كل الذين يزعمون أن المسيح بعد ارتفاعه الي السماء يظهر انسان تراه عين الجسد ، هم رفاق أولئك القائلين :
أن نعم الملكوت أكل وشرب .
+ قال شيخ روحاني :
” في أي وقت تبصر فيه الثاؤريا شبه نار مركبة ، فأعلم أن هذا هو فخ الدغل الذي يريد أ، يعيدك له للهلاك ، وأن كل كا يشبه قرصا يضيء قدامك ، او شبه كوكب أو قوس الذي يري بالسحاب ، أو شبه كراس أو مركبة أ, خيل نار ، فهذه كلها من طغيان الشياطين وباختصار أقول : أن كل شيء تراه حولك بهذه الأشباه ، فهو من طغيان الشياطين ، أن منظر الثاؤريا بسيط وليس بشيء مركب ” .
Discussion about this post