ميلاد السيد المسيح
مقدمة
هناك ميلاد أزلي للمسيح من الآب وميلاد جسدي للمسيح في ملء الزمان. وبنوة المسيح الأزلية هي من الناحية الأقنومية. ولكن له بنوة أخرى من ناحية ناسوته وتجسده “ستحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع، هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى“ وبنوة المسيح الأقنومية قائمة بدون إنفصال. هي أزلية أبدية. أما بنوة المسيح الثانية فهي حادثة في الزمان عندما جاء ملء الزمان وأرسل الله ملاكه إلى مريم العذراء مبشراً بالتجسد.
الولادة الأزلية للمسيح
يقول بعض الناس أن الله لا يمكن أن يتزوج لينجب ونحن نقول معهم حاشا أن يتزوج الله وينجب. فحينما نقول أن الابن مولود من الآب لا نقصد أبداً أي مفهوم جسدي، بل هي بنوة وولادة روحية. يمكن تشبيهها بولادة شعاع النور من الشمس، أو ولادة الماء من نبع أو ولادة الفكر من العقل وهذا ما تقوله اللغة العربية.. فيقال أن هذا “من بنات أفكار فلان” أو أن فلان لم ينطق “ببنت شفة” فهل يتزوج العقل أو الشفة لينجبوا بنات؟! هذا ما يسمى ولادة إنتسابية، وكما نقول أن فلان ابن مصر فهل تزوجت مصر لتنجبه. هنا لا مجال للعلاقات الجسدية. ونلاحظ في هذه الولادة من الآب فروق عن الولادة بالجسد:
1- الابن في البشرية متأخر في الزمان عن أبيه الذي أنجبه. ولكن هذا ليس للمسيح فنور الشمس موجود طالما كانت الشمس موجودة. وهكذا بالنسبة لابن الله.
2- الولادة بالجسد تعني إنفصال الابن المولود عن كلا الأب والام وطالما هناك انفصال فهناك تعدد أما المسيح الابن فهو لا ينفصل أبداً عن أبيه كما أن نور الشمس لا ينفصل عنها. هنا الآب والابن واحد لذلك قال المسيح أنا في الآب والآب فيَّ (يو10:14) وقال “أنا والآب واحد” (يو30:10)
لماذا يستخدم الكتاب لقب الابن للمسيح
1- المسيح هو قوة الله وحكمة الله (1كو24:1) وهذه القوة والحكمة نابعة، خارجة كأنها مولودة من الله باستمرار منذ الأزل وإلى الأبد. ولقب كلمة الله يشير لأنه لا إنفصال بين الآب والابن فهو كلمة خارجة بدون إنفصال، وليس كالبنوة الجسدية إذ حينما يولد الابن الجسدي ينفصل عن أبويه. أما ابن الله فهو كلمة الله، هو في الآب، وخارج من الآب من دون إنفصال، وكيف ينفصل الله عن قوته أو عن حكمته.
2- تعبير الابن هو أقرب التعابير في اللغة لبيان العلاقة الوثيقة بين الله غير المنظور وبين المسيح الذي هو صورة الله غير المنظور (كو15:1). والمسيح يقول من رآني فقد رأى الآب (يو9:14). تعبير الابن هو أقرب تصوير بشري لعلاقة لا يُعَبَّر عنها بالكلام البشري لشرح أن الآب والابن واحد في الجوهر وأن الابن له كل ما للآب. وأن الابن هو حكمة الله الخارجة من الله الآب لتخلق الكون وهو قوة الله الخارجة من الله الآب لتحفظ وتدير الكون.
الإيمان المسيحي بوحدانية الله
كما حددها قانون الإيمان “نؤمن بإله واحد” وحاشا أن نؤمن بثلاثة آلهة فهذا يتعارض مع أبسط قواعد العقل والمنطق. والله لا شريك له في ألوهيته ولكننا نؤمن أن الله له ثلاثة أقانيم. وكلمة أقنوم هي كلمة سريانية لا مثيل لها في العربية وهي تشير لخواص الله الذاتية. كل أقنوم له عمله الخاص وكل منهم متميزاً عن غيره تمييزاً واضحاً ولكن بلا تناقض ولا إنفصال. فكلٍ يعمل ليس بمعزل عن الأقنومين الآخرين بل بإتحاد كلي معاً. فالأقانيم متحدة دون أختلاط أو امتزاج ودون افتراق أو انقسام. وهذا يسمو على فكر البشر. وتعبير الآب والابن يظهر المحبة التي تربط بين الأقانيم. فالآب هو ينبوع المحبة (كلمة آب تعني مصدر وينبوع) فالله محبة. والابن يتلقى هذه المحبة فهو المحبوب (أف6:1) والروح القدس هو روح المحبة. ولقد ظهرت طبيعة هذه المحبة على الصليب. ووجود 3 أقانيم يحل مشكلة ليس لها حل..
فإن كان الله واحد بلا أقنومية، والله حين خلق البشر أحبهم، فهل صفة المحبة أدخلت على الله بعد أن خلق البشر.. لو حدث هذا يكون الله متغير.. حاشا فصفة المحبة كانت في الله قبل خلق البشر، داخل الأقانيم، ثم ظهرت تجاه البشر أولاً في خلقه البشر ثم في الفداء على الصليب.
وإذا كان فهم حقيقة الثالوث صعب فلننظر في داخلنا كبشر فنحن مخلوقين على صورة الله. مع الفارق الرهيب. فالله كائن حي عاقل. كائن بذاته. حي بروحه القدوس. عاقل ناطق بحكمته أي اقنومه الثاني (اللوغوس= الكلمة) والإنسان كائن حي عاقل. والفارق بين الإنسان المحدود والله غير المحدود أن الله بروحه حي ويحيي، وبعقله قادر أن يخلق كل شئ. أما الإنسان فهو حي بروحه ولا يستطيع أن يعطي حياة بل أن حياته انفصلت عنه بسبب الخطية وهو بعقله قادر أن يستوعب فقط ما يجعله قادراً على أن يعيش ويعرف الله.
ولذلك قيل “نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا” (تك26:1) فقوله على صورتنا فهذا لأننا ثالوث في واحد (ذات وعقل وروح= كائن عاقل حي، وهذا يقال عن الله.وقوله كشبهنا فهذا لأن الله:
ذات كائن ولكنه هو كائن بنفسه لا يعتمد على آخر، ولم يخلقه آخر، ووجوده لازم لاستمرارية الكون، أما الإنسان فوجوده معتمد على الله، الله أوجده ويحفظه. وهو موجود اليوم وغير موجود غداً. وعدم وجوده لن يؤثر في الكون. والله لذلك أزلي أبدي لكنه أشرك الإنسان في أبديته:
المسيح يعلن أنه ابن الله
راجع لو49:2+ مر11:1 (هذا إعلان الآب عن ابنه)+ يو16:2+ يو43:5+ يو37:10+ يو2:14،3+ مت63:26،64+ يو22:5،23+ يو40:6+ يو35:9-37)
الكلمة اللوغوس
يقصد بالكلمة العقل الإلهي المنفذ لمشيئة الله والمعبر عن مقاصد الله تعبيراً صادقاً كاملاً (عب3:11). ولقد كانت كلمة اللوغوس معروفة عند اليهود واليونانيين وتشير للحكمة العاملة منذ الأزل لدى الله وأنها ترشد النفوس للحق وتحييها. وكما أننا نعرف الإنسان من كلامه، هكذا عرفنا الله عن طريق كلمته اللوغوس. واللوغوس هو نطق الله العاقل أو عقل الله الناطق.
واللوجوس كلمة يونانية متعددة المعاني مشتقة من الفعل LeƔw بمعنى ينطق، والمقصود به النطق العاقل ومنها أخذت الكلمة الإنجليزية LOGIC ومعناها المنطق وليس معناها النطق العادي الذي هو PRONOUNCIATION بمعنى التلفظ أو طريقة التلفظ. لذلك قيل عن الأقنوم الثاني عقل الله أو حكمة الله (1كو24:1) أو نطق الله أو معرفة الله وإذا فهمنا هذا فهل يصح أن يقال أن المسيح مخلوق فكيف خلق الله عقله، وهل يعقل أن الله كان لفترة من الوقت بدون عقل أو بدون حكمة. وبأي حكمة وبأي عقل خلق لنفسه عقلاً وحكمة. لذلك فعقل الله أو كلمته هو أزلي كما أن الله أزلي. والله موجود بذاته وموجود بكلمته وعقله أي بأقنومه الثاني.
وبعقل الله خلقت جميع المخلوقات. وبهذا نفهم أن ولادة الابن هي ولادة أزلية، ولادة طبيعية أي من طبعه كما أن من طبع النار أن يتولد منها حرارة كذلك من طبع الله أن تتولد منه قوة خالقة وحكمة أزلية. هي ولادة من جوهره فكل ما للآب هو للابن فهو مساوٍ للآب في الجوهر أو هو من نفس الجوهر. وإن كان قد نُسِبَ للابن بعض نواحي الضعف البشري كالتعب والألم والجوع والعطش والموت فهذه أمور تدخل في موضوع التجسد ولا علاقة لها بالطبيعة الإلهية إلا من حيث أتحاد اللاهوت بالجسد الذي يتألم. والابن سُمّى لوجوس بمعنى نطق الله، فما يظهر من حكمة الإنسان يظهر فيما ينطق به. والمسيح أظهر لنا كل ما للآب لذلك قال من رآني فقد رأى الآب (يو9:14). وواضح أنه لا إنفصال بين النطق وبين العقل.
الأقانيم فيها تمايز
فالآب ليس هو الابن، والابن ليس هو الروح القدس.. وهكذا
كل أقنوم له شخصيته وعمله ولكن دون إنفصال “وفي الإنجليزية يترجم أقنومPERSON ” ولكي نفهم التمايز بين الأقانيم مع الوحدة القائمة بينهم. فأنا أحيا بروحي وأشعر بحواسي وأعيش بجسدي وهذا يتم بلا إنفصال بين الجسد والروح والحواس. ولكن العقل والروح والحواس والجسد كل له عمل مستقل عن الآخر ولكن بدون إنفصال. فحينما توجد مشكلة أمامي كإنسان، أفكر في حلها بعقلي وأحاول بيدي ولكن بدون روح فأنا ميت.
وبنفس المفهوم فهناك تمايز في الأقانيم لكنهم مرتبطين معاً في وحدة. وعلى الرغم من الصفات الإلهية المشتركة والوحدة بين الأقانيم إلا أن هناك أعمالاً معينة تنسب للآب وأعمالاً تنسب للابن وأعمالاً تنسب للروح القدس.
الفرق بين بنوة المسيح لله وبنوتنا لله
كل المؤمنون يعتبرون أولاد لله يو12:1+ غل26:3، 6:4،7+ 1يو29:2) ولكن ولادة المسيح وبنوته للآب هي من طبيعته الإلهية والأقنومية، أما بنوتنا لله فهي بالانتساب، وبالنعمة، وباستحقاقات صليب المسيح والشركة معه نحن العبيد البطالون أعطتنا النعمة مجاناً أن يطلق علينا أولاد الله إذا قبلنا الإيمان بالمسيح وعمل فينا الروح القدس لنصنع البر. نحن نصير أبناء باتحادنا بالمسيح الابن في المعمودية، حين نموت معه ونقوم متحدين به (رو3:6-5)
إعلان الأناجيل عن ولادة المسيح
نظر الإنجيلي يوحنا الحبيب اللاهوتي إلى المسيح في أزليته وقبل تجسده. بينما أن متى ولوقا تحدثا عن ولادته بالجسد، بينما أن مرقس بدأ بيوحنا المعمدان كسابق للمسيح. ويوحنا بدأ بأزلية السيد المسيح لأن هدف إنجيله أن نؤمن بأن المسيح هو ابن الله (يو31:20). بدأ يوحنا إنجيله وهو يرى المسيح ليس في طبيعة البشر بل في طبيعة الله، وليس منفرداً عن الله بل قائماً مع الله في صلة ذاتية كلية وأزلية.
ليس إلهاً ثانياً بل واحداً مع الله الآب. رأى المسيح وهو اللوغوس أي عقل الله الناطق ونطق الله العاقل. فهو الألف والياء، أليس هو كلمة الله أي كل الحروف وكل تشكيلات الأسماء والكلمات والمعاني والأفعال والتعبيرات التي خرجت وتخرج عن الله لتعبر عن الله وعن مشيئته وتعلنه لنا نحن البشر.
هنا يوحنا رأى الابن الكلمة قبل الزمن، وقبل كل خليقة ، فالزمن والخليقة هما من أفعاله، فهو الذي صنع كل شئ، الخليقة المنظورة وغير المنظورة.
والكنيسة تقرأ الآيات (يو1:1-18) كل صباح في إنجيل باكر لتقدس اليوم كله بهذا البدء الأزلي وبنفس المفهوم تصلي الكنيسة هذه الآيات في صلاة مرور أسبوع على ميلاد طفل لتقدس حياته. هي إعلان أن الله هو بدايتي وحياتي فأحذر أن يكون لي حياة أخرى سواه فتكون نهايتي حزينة. وهذه الآيات (يو1:1-18) لخصها بولس الرسول بقوله “الله ظهر في الجسد” (1تي16:3)
فبينما كان متى ولوقا مهتمين بإظهار تجسد المسيح وأنه ابن آدم وإبراهيم بالجسد أراد يوحنا أن يظهر أن المسيح كان موجوداً قبل أن يتجسد من العذراء مريم، وأنه كان كائناً قبل أن يتجسد، كان كائناً مع الآب، مولوداً منه منذ الأزل.
ويوحنا اللاهوتي عبَّر عن طبيعة المسيح الإلهية على قدر ما يمكن للغة الإنسانية أن تُعبِّر عن تلك الطبيعة التي هي فوق إدراك البشر.
وسنبدأ بولادة المسيح الأزلية (يو1:1-18) ثم يلي ذلك ولادة المسيح بالجسد من العذراء مريم (مت1:1-23:2+ لو1:1-38:3).
Discussion about this post