25 كانون الأول
الإنسان الأول من الأرض ترابي، الإنسان الثاني الرب من السماء (1كو 15: 47-49)
“اليوم العذراء تلد الفائق الجوهر فتقدم الارض المغارة للذي لا يدنى منه والملائكة يمجدونه مع الرعاة والمجوس يسيرون إليه مع النجم فإنه ولد من أجلنا صبي جديد هو الإله قبل الدهور“
هكذا يصف قنداق العيد الحدث وكأنه يشرح الأيقونة.
لأيقونة الميلاد مهمتان أساسيتان:
الأولى: أنها تبيّن حقيقة تجسد ابن الله، فتضعنا أمام شهادة مرئية للعقائد الأساسية للإيمان المسيحي، إنها تُظهر بتفاصيلها كلا الأمرين الألوهة والطبيعة البشرية للكلمة المتأنس.
الثانية : أنها تظهر لنا تأثير الحدث على حياة العالم الطبيعية، وكما يقول القديس غريغوريوس اللاهوتي: “ميلاد المسيح ليس احتفالاً للخليقة، بل هو احتفال إعادة الخليقة”.
إنه التجديد الذي قدَّس العالم بأسره. فالخليقة اخذت، بتجسد الكلمة، معنىً جديداً. والكل يقدِّم الشكر على طريقته … الملائكة بالترتيل … السماوات بالنجم … المجوس بالهدايا … الأرض بالمغارة … وأما نحن فنقدّم أماً عذراء.
أيقونة الميلاد
2. أقمطة المسيح كالأكفان والمغارة مثل القبر وكذلك المذود اللحد. يمثل الحمار والبقرة بهيمية الأمم التي جاء المسيح ليخلصنا منها. |
1. تجلس العذراء بدون ألم أو انفعال دلالة على الولادة العجيبة، ملتحفة بالأحمر القاتم دلالة علىالعفة. |
إن أول ما يلفت انتباهنا في أيقونة الميلاد هو والدة الإله، إنها تجديد كل ولادةٍ على الأرض، إنها حواء الجديدة التي أصبحت أم الجنس البشري الجديد،
إنها أسمى شكر قدمه البشر لله خالقهم. في جلوسها تُظهر غياب الأوجاع الاعتيادية بسبب طبيعة المولود الإلهية.
تتوسط العذراء الأيقونة مستلقية على فراش في حالة تأمل وقامتها كبيرة جدا.
والأيقونة طبعا لا تهتم بقياسات الجسم ولكنها تبتغي أن تعطي معنى. والمعنى أن البتول تتأمل هذا السر العظيم.
فنراها دائما خادمة للتجسد وغير منفصلة عنه. لذلك نصورها في الأيقونة حاملة له ومن خلاله حاملة إيانا. مريم صورة لنا. وهي وحدها هديتنا له.
في أيقونتنا نرى والدة الإله تنظر إلى يوسف لتعلمنا الصبر على الآلام تجاه إلحاد وشك الجنس البشري، تجاه قبولهم الصعب لتجسد الكلمة “الذي فاق الكلام والعقل “.
المسيح مقمّط في الوسط في الظلمة وحده لأنه هو من سيجلب لنا الخلاص، “إنه المشرق في الظلمة وظلال الموت ..” يقول القديس غريغوريوس النيصصي مقارناً. الأقمطة تذكرنا بموت ودفن السيد لأن الذي أمطر الشعب مناً في القديم هو نفسه يصبح اليوم خبز الحياة الأبدية.
ونلحظ الحركة الدورانية في الايقونة في انحناء الملائكة في الجهة اليمين نحو الراعي المنتصب المتطلع إلى العلاء ممثلا الرعاة الذين بشرهم.
وتتابع الحركة مسيرها فتمر بالشخص اللابس بذلة صوفية والذي يخاطب يوسف المستسلم لتأمل عميق، من الواضح أن يوسف ليس بوالد الطفل إنه بعيد عن المغارة وعلى وجهه طابع مأساوي.
وتنتقل هذه الحركة إلى القابلة سلومي التي تحضر الماء لغسل المولود وذلك إثباتاً لإنسانية المسيح الكاملة ومولده الطبيعي وطبعاً رمزاً مسبقاً لمعموديته.
ثم تصعد هذه الحركة حتى تبلغ المجوس الذين يمثلون مساهمة الشرق وشهادة الأمم الذين لم يتهيأوا بتاريخ نبوي.
هؤلاء مجوس المشرق يثبتون لنا أن الكلمة، ابن الله، لم ينحصر وجوده في شعب موسى بل كان حاضراً في كل الشعوب ويدعو الجميع اليه.
تنتهي الحركة من المجوس فتصب في فوج الملائكة المسبحين المحدقين بالنجمة المثلثة الشعاعات التي تشير إلى وحدة الثالوث.
ونعود إلى هذا الظلام المدلهم حيث بقرة وحمار يقدمان مساهمة العالم الحيواني مع الكون بأسره للمولود.
4. أحد الرعاة يعزف ابتهاجاّ. | 3. المجوس يمثلون ثلاثة مراحل عمر الإنسان: الحداثة، الشباب والشيخوخة. |
الذهب إذاً قُدم له كلملك، واللبان كإله والمر كإنسان، في هذه الطريقة اعترف المجوس الثلاثة بالملك الإله والإنسان.
يذكر الإنجيلي متى في الاصحاح الثاني ان المجوس “دخلوا البيت فرأوا الطفل مع أمه مريم. فجثوا له ساجدين، ثم فتحوا حقائبهم وأهدوا إليه ذهباً وبخوراً ومراً”.
يذكر الإنجيل أيضاً أن خاصته لم تعرفه، استهانوا به ورذلوه. أما هؤلاء المجوس فبعد مسيرة طويلة بالرغم من أنهم وثنيون فهموا وعرفوا من سجدوا له لذلك أتوا مستعدّين.
ويقول القديس نيقوديموس الآثوسي: “تقديم الذهب يشير إلى معرفة الله الذي حصل عليه المجوس، واللبان إلى طاعتهم، وأخيراً المر إلى محبتهم”.
5. الملائكة يسبّحون والنجم يشير إلى موضع السيد.
الرعاة يصغون إلى البشارة الجديدة من الملائكة والمجوس على الطرف الآخر يقودهم النجم إلى الطفل الإلهي، إنه الضوء الذي عمي عنه اليهود وظهر جلياً للأمم.
شعاع من النجم يشير إلى المغارة ويربط النجم بغيمة في السماء، إنه الحضور الإلهي.
7. من الجهة اليمنى نرى النسوة يغسلن الصبي. | 6. يوسف يبدو حائراً والشيطان يقلقه بالأفكار. |
غسل الطفل هو تعبير نفهم منه أن الطفل هو مثل كل مولود جديد له متطلباته الطبيعية. يوسف ليس جزءاً من المجموعة الأساسية، إنه ليس بأب الطفل.
والشيطان على شكل راعٍ عجوز وقف يقنعه بأن الولادة من عذراء هو أمر مستحيل ومخالف لقوانين الطبيعة. يوسف في الأيقونة لا يمثل شخصه فقط بل كل الجنس البشري.
ولد كلمة الله مرةً واحدةً بحسب الجسد. ولكنَّه يودُّ، بسبب محبِّته للبشر أن يولَدَ باستمرار بالروح في الذين يحبُّونه. يصبح طفلاً صغيرًا، ويتكوَّن فينا مع الفضائل، ويظهرُ بمقدار ما يتَّضحُ له أن من يقبله جديرٌ به.
وهكذا يظهرُ لنا كلمة الله بالطريقة التي تُلائمنا، ولكنه يظلُّ مستترًا عن الجميع، بسبب عظمة سره. كما يقول القديس مكسيموس فـ”يسوع المسيح هو نفسه أمس واليوم والى الابد” .
نحن، يا ربّ، تهمّنا الأعياد. يهمّنا أن نأكل، ونشرب، ونقضي الليل ساهرين، وأن نرتدي ثيابًا جديدة.
أنت أتيت لنأتي إليك. نحن لا نأتي إليك، لأنّنا إذا أتينا سنكتشف ما لا نرغب فيه. نحن نحيي ذكرى عيدك في المطاعم. نعم نذهب بأعدادٍ هائلة. ونبقى حتّى مطلع الفجر. نشرب، نرقص ونغنّي. أنت تعلم أنّ هذه حال الوثنيّين.
علّمنا يا رب أن ننظر إلى أحوال الفقراء، أحبّائك.
فلا أحد يفكّر فيهم.
أنت أوصيت إلاّ يهملوا، وأنّك فيهم، وأنّهم أنت.
لم نصدّق اعتقدناك تمزح.
فهل من المعقول أن نصدّق إلهًا يوحّد ذاته مع الفقراء؟
نحن كاليهود نطلب ملكاً كاليهود
وحكيماً كاليونانيّين.
يا رب، هناك قلة عزيزة بانتظارك. ستوافيك صباحًا في خدمة العيد، في الكنيسة مكان مولدك الحقيقيّ. لا أعدك بأن يكون جميعهم صاحين. ولكن القلّة ستأتي.
أنا أعلم أنّك تفرح بالقلّة، فافرح. وحاول، إن استطعت، معها أن تجدّد العالم.
انا أعلم إنك لن تقبل نصيحتي ولن تؤجل مجيئك هذه السنة. لن تغيّر عادتك ايها الرب المحبّ البشر.
نعم تجسدك يا الله هو سر عظيم ويبقى سراً… كيف يمكن أن يكون الكلمة جوهريًا في الجسد، هو الذي كله في الآب بفعل كيانه وجوهره الذاتيين؟
كيف أمكن الله، وهو بكامل طبيعة الله، أن يصير إنسانًا بحسب طبيعة البشر، بغير أن يتنكر لهذه او تلك من الطبيعتين، الإلهية التي فيها هو إله، والبشرية التي فيها هو إنسان؟
الإيمان هو في أساس كل ما يفوق الإدراك، يتحدى التعبير، فالإيمان وحده يمكنه أن يفسّر وأن يشرح هذه الأيقونة.
Discussion about this post