تأمل ميلادي
للمتروبوليت باسيليوس منصور
يا سيّد السلام، كيف أحدّثك في عيد ميلادك وكيف أتوجه إليك في مجيئك. هل أستطيع أن أنظر إليك في تواضعك الأقصى إن نفسي في اضطراب عظيم يفوق جيشان البحر.
فهل تسمع من لا يسمع ذاته، هل تميل مسمعك الى الصوت الأقوى إننا نعرف أنك تسكن في القلوب الوديعة والمتخشعة التي اعلنت لنبيّك أنك لا ترذلها.
أتيت لتعطينا سلامك فهل استطعنا أن نفهم سنيه الأولى؟
إن العالم لا يجعلنا نسمع مقولتنا إليك لأنك تسمع للمنصتين إليك في صمت ومهابة بعواطف صادقة ومشاعر نقيّة وأنت آتٍ في سكون وهدوء الهواء العليل عند كلِّ صباح الى مساكنك لتهدء عاصفة إضطراب آلامنا لعلنا في هدوء حضورك نستطيع أن ندرك ما لا يدرك بكل آلات العالم والدنيا.
لقد صرت مثلنا يوم إمتلأت كؤوس يأسنا ومرارتنا وما بخلت علينا بكل نعمتك نحن الجاحدين محبتك والذين قست قلوبنا أمام رأفتك وغلظت رقابنا أمام لطفك ووداعتك.
أتيت لتلقي سلاماً ولكنَّ السلام طار من نفوسنا ومن بيئاتنا وبدلاً من أن نبحث عنه عندك تهنا في توجهاتنا وطالما نحن في درب غير دربك ونطلب أن نجد المفقود في ظلال نورٍ غير نورك باطلاً نتعب ونكدُّ.
يا سيّد السلام علمنا كيف نقتني المقدرة على الإستجابة لصوتك لا تترك لنا الحريَّة أن نختار بينك وبين غيرك.
أنت تعرف أن عقولنا ما تجاوزت مرحلة الطفولة وبعضنا لم تولد عقولهم بعد.
هل تخاطب أنت البصر أم البصيرة، والبصيرة الفاقدة العقل قلب أعمى، عميت قلوبنا عن معرفتك فتعال الى هياكلك التي اخترتها لك في قلوبنا واطرد منها التجار والصيارفة وباعة الحمام الذين تاجروا بما وهبتني إياه ولم يشفقوا عليَّ أنا المسكين اليائس في غيابك.
بعثر مال الصيارفة الذين به استبدوا بي وتمكنوا بفكري. لقد حوّلوا سلامي الى خداع حتى بت بلا جناحين لأطير كالحمام.
وإلى من أطير أو أهرب أو التجيء إلا إليك أنت الآتي لتطلبني كخروف ضلَّ عن باقي القطيع.
وماذا أقول في أيامنا هذه قد ضلَّ القطيع كله لأنّه يظن أنك ساكن في العلو أعلى من سحاب السماء ونجومها ولا يعرفون أنك تسكن في قلوبنا.
ألم تنبهنا الى ذلك إذ قلت ملكوت الله في داخلكم ولكنهم لن يسمعوا لأنك ما أتيت على لعب الأطفال، أحصنة وطائرات ودبابات وسياط قاهرة بل أتيت متنكباً جناح الرحمة والعطف واللين واللطف والمحبة، أتيت لتعطي كلَّ شيء،
يا سيِّدي ألم يقل لك أحد قبل أن تأتي الى العالم أن الذي يأتي الى العالم ويعطي كلَّ شيء يفرح به الناس ولكنهم لا يسمعون له كلهم، ألم يخبرك أحد عن الظلام الذي سرّ به الناس أكثر من نورك لأن نورك يفضح أعمالهم.
بكل تأكيد كنت تعرف أن سلامك اقوى من نارهم وأن سيفك أكثر رأفةً من حنان العالم، وأن نارك التي اشتهيت إضطرامها أبرد واكثر سلاماً من هوائهم العليل.
ماذا أقول لك، سامحني، على أن أقول علمني كيف أسمع ما تقوله لي.
أنت المسامح الناس عن هفوات ألسنتهم. سامحني إن كنت تجرأت وتأملت بمجيئك ووصفت قمم سلامك وتجرأت عليك بالأسئلة يا من جعلتنا نتجرأ عليك لأجل خلاصنا. سامحني إن كلمتك بصيغة الأمر أنا الذي خطيئتي أمامي في كل حين.
قال لنا قديسك أنك أتيت لنتبادل الأدوار. نعم هكذا يفعل المحبون دائماً لا يقتنعون بأن محبوبهم يفعل السوء أو فيه سوء لأن المحبة تلقي بالمحبين على الرجاء.
لقد جربتنا في فردوسك ولكن لعلنا بعدغربتنا ومرارتنا في هذه الدار نعود الى رشدنا لنرى رؤية لا سقوط فيها ولا موت ونطمئن في دار لا غربة بعدها لأنك أنت الوطن الذي نجد فيه مجداً وسلاماً ومسرّة.
Discussion about this post