القديس امبروسيوس
يكون الفرح عظيماً وعدد الجموع كثيراً حينما يُعيّد لميلاد ملك أرضي. الجنود والقواد يرتدون أفخر الحلل ليسرعوا ويقفوا أمام ملكهم.
تعلم الرعية أن سرور الملك يزداد برؤيته الزينة الخاصة، وفرحها الظاهر، فتضاعف اجتهادها أثناء الحفلة. ولكن الملك كإنسان لا يعرف مكنونات القلوب، فيحكم بما يشاهده فقط، على مقدار محبة الرعية له. فمن أحبّ ملكه ارتدى أفخر الثياب.
أضِف إلى ذلك أن الملك يوزّع هبات كثيرة على الأمراء والأخوة الصغار. ولذلك يجتهد المقربون إليه أن يملأوا الخزائن بالثروات الطائلة ليكون لهم نصيب منها.
هكذا، أيها الأخوة، يستقبل أبناء هذا العصر ميلاد ملكهم الأرضي، بالاستعداد اللائق، ابتغاء شرف وقتي. فكيف يجب علينا نحن أن نستقبل يوم ميلاد الملك السماوي الذي لا يعطينا الجائزة المؤقتة فحسب،
بل المجد الأبدي، ويجعلنا مستحقين، لا الشرف من الرئاسة الأرضية التي تنتقل من السلف إلى الخلف، بل الملكوت السماوي الذي لا خلف له. أمّا الوحي الإلهي فيقول عن العطاء المعد لنا :
“مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ” (1كو2: 9) فما هي الحلل التي نرتديها لنزين نفوسنا؟ إنّ ملك الملوك لا يطلب الحلل الفاخرة، بل نفوساً مخلصة.
لا ينظر إلى زينة الجسد، بل إلى القلوب التي تخدمه. لا يدهش للمعان المنطقة الفانية التي يتمنطق بها على الحقوين، بل يبتهج بالعفاف المصون الذي يتغلّب على كل شهوة مخزية. فلنسرع إلى الملك السماوي متمنطقين بالايمان متّشحين بالرحمة.
من أحب الإله، فليزين نفسه بحفظ وصاياه، ليرى إيماننا الحقيقي به، فيسر بنا كثيراً، إذ يرى طهارتنا الروحية. فلنصن قلوبنا بالعفاف قبل كل شيء، ولنقدس أرواحنا، ولنستقبل مجيء السيد القدوس المولود من العذراء الفائقة الطهارة. ولنكن نحن عبيداً أنقياء، لأن من يظهر دنساً في ذلك اليوم فهو لا يحترم ميلاد المسيح بل يحضر إلى حفلة السيد بالجسد،
وأما روحه فتبقى بعيدة عن المخلص، لأن الرجس لا يشترك مع القديسين، ولا البخيل مع الكريم الرحيم، ولا الفاسد مع البتولي. بل إن دخول غير المستحق إلى هذا الاجتماع يستوجب الاهانة لوقاحته.
كذلك الإنسان المذكور في الانجيل الذي تجاسر أن يدخل إلى وليمة العرس، وهو غير لابس حلة العرس، في حين أن أحد المتكئين كان يتلألأ بالعدل، والآخر بالإيمان، والثالث بالعفاف، خلافاً له، لأنه لم يكن نقي الضمير فنبه الحاضرين لينفروا منه؛
وكانت تظهر رجاسته كلما اشتد بهاء الصديقين المتكئين في عشاء العرس لذلك أمسكه خدام الملك بيديه ورجليه وذهبوا به وطرحوه في الظلمة الخارجية، لا لأنه كان خاطئاً بل لأنه خصَّ نفسه بالجائزة المعدة للأبرار (مت 11:22-13).
وعليه لنطهّر ذواتنا من أدران الخطيئة مستقبلين ميلاد سيدنا، لنملأ خزائنه بالهدايا المتنوعة ونخفف في ذلك اليوم همّ الحزانى ونعزي الباكين،
فلا يحسن أن نرى عبيد السيد الواحد، واحداً مسروراً مرتدياً حلة فاخرة، وآخراً بائساً يرتدي ثيابا بالية. الواحد مفعم بألوان الطعام والآخر يتضوّر جوعاً.
وما تأثير صلاتنا حينما نطلب قائلين: ” نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ” (مت 6: 13) (لو 11: 4) ، ونحن لا نريد أن نرحم إخوتنا. فإذا كانت مشيئة الرب تريد أن تعطي نصيباً للفقراء في النعمة السماوية،
فلماذا لا ندعهم يشتركون معنا في الخيرات الأرضية ؟ نعم: لا يجوز للإخوة في الأسرار أن يكونوا غرباء، الواحد عن الآخر بسبب المقتنيات. إننا نكسب شفعاء لنا لدى السيد عندما نطعم على نفقتنا الذين يقدمون الشكر لله.
فإذا مجّد الفقير الله يجلب نفعاً لذلك الذي بإحسانه مجّد الله.
إن الكتاب المقدس يحذر الإنسان الذي يكون واسطة للتجديف على اسم الله، ويعد بالسلام، من يكون سبباً لتمجيد اسم الله. إن المحسن يعطي الحسنات وحده فيتوسل بذلك إلى الله بأفواه عديدة، ويحصل على ما لم يجسر أن يطلبه من الآب السماوي،
وينال ما يريده بشفاعة الذين أحسن إليهم، كما يقول الرسول المغبوط، ممجداً هذه المساعدة: “وَأَنْتُمْ أَيْضاً مُسَاعِدُونَ بِالصَّلاَةِ لأَجْلِنَا، لِكَيْ يُؤَدَّى شُكْرٌ لأَجْلِنَا مِنْ أَشْخَاصٍ كَثِيرِينَ، عَلَى مَا وُهِبَ لَنَا بِوَاسِطَةِ كَثِيرِينَ” (2كو 11:1)
وفي محل آخر: “لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولاً مُقَدَّساً بِالرُّوحِ الْقُدُسِ” ( رو16:15)
Discussion about this post