بشارة مريم العذراء
غلاطية 3/15-22
لوقا 1/26-38
مخطط الله الخلاصي: وعد وتحقيق
بالبشارة لمريم تحقق مخطط الله الخلاصي الذي يشمل جميع البشر. لقد وعدهم الله بالخلاص منذ سقطة آدم وحواء، عندما قال للحية رمز الشيطان أبي الكذب: ” أضع عداوة بينك وبين المرأة، بين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنتِ تتربصين عقبه” (تكوين3/15). هذا النسل هو المسيح، ابن الله المتجسّد، الذي بموته يكفّر عن الخطيئة وبقيامته يبرّر الإنسان التائب. هذا الوعد الخلاصي ” كان لابراهيم ولنسله” الذي هو المسيح (تك12/7؛ غلاطية 3/16). وهو المسيح الكلي ” الرأس والجسد” حسب تعبير القديس اغسطينوس، ” أي الكنيسة التي هي أداة الخلاص الشامل للذين يؤمنون.
من الوعد لآدم وحواء إلى الوعد لابراهيم فإلى تحقيقه بالمسيح، يتبين أن الكتب المقدسة تشكّل كتاباً واحداً هو المسيح، لأنها كلها تتكلم عن المسيح وتجد اكتمالها فيه (Ugo di San Vittore). وقال القديس امبروسيوس: ” في الكتب المقدسة نقرأ المسيح” ( خطاب البابا بندكتوس السادس عشر في مقابلة الاربعاء العامة، 24 ايلول 2008).
***
أولاً يوبيل القديس بولس وشرح نصي الرسالة والإنجيل[1]
في حدث لقاء المسيح القائم من الموت بشاول بولس على طريق دمشق، وقد أدّى إلى ارتداده وجعله رسول يسوع المسيح لإعلان الإنجيل، ظهر سرّ الكنيسة التي علّم بولس سرّها في رسائله.
سأله يسوع: شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟” فأجابه بسؤال: ” من أنت؟” أجاب: “أنا يسوع الذي تضطهده” (أعمال9/4). باضطهاده الكنيسة، شاول يضطهد يسوع نفسه. “أنت تضطهدني”، بهذه الكلمة يتماهى يسوع مع الكنيسة كشخص واحد، ويبدّل حياة شاول، وينكشف سرّ الكنيسة جسد المسيح.
بقيامته، لم يغادر الرب يسوع أرضنا ليكون في السماء، تاركاً جماعة من المؤمنين تساند قضيته. ليست الكنيسة جمعية تريد تعزيز قضية ما. لا يوجد في الكنيسة قضية، بل شخص هو يسوع المسيح“من لحم وعظام”، كما أكّد للرسل بعد قيامته (لو24/39). إنه حاضر شخصياً في الكنيسة، هو رأسها وهي جسده. هذا هو ” المسيح الكلي” الذي كتب عنه بولس الرسول الى اهل كورنتس: ” ألا تعلمون أن أجسادكم هي أعضاء المسيح؟ وأن من يتحّد بالرب يصير وإياه روحاً واحداً؟” (1كور6/15-16).
هنا ينكشف سرّ القربان: فيه الكنيسة تعطي جسد المسيح،وهو يصنع منها جسده، على ما يقول بولس الرسول: ” أليس الخبز الذي نكسره شركة في جسد المسيح. وبما أن الخبز واحد، فنحن الكثيرون جسد واحد، لأننا جميعاً نشترك في الخبز الواحد” (1كور10/16-17).
من خلال كلام بولس وحدث ارتداده وما انكشف من سرّ الكنيسة، يقول لنا المسيح، ونحن في انشقاقاتنا وخلافاتنا المتمادية: “كيف استطعتم أن تمزقوا جسدي؟”. يا رب، اجمعنا واخرجنا من انقساماتنا. أعدنا إلى حقيقتنا الأولى بخبزك الواحد، لكي نؤلف نحن الكثيرين جسدك الواحد”.
2- شرح الرسالة إلى أهل غلاطية 3/15-22
أَيُّهَا الإِخْوَة، كَبَشَرٍ أَقُول: إِنَّ الوَصِيَّة، وإِنْ كَانَتْ مِنْ إِنْسَان، إِذَا أُقِرَّتْ، لا أَحَدَ يُبْطِلُهَا أَو يَزِيدُ عَلَيْهَا. فالوُعُودُ قِيْلَتْ لإِبْراهِيمَ وَلِنَسْلِهِ. ومَا قِيْلَتْ: “ولأَنْسَالِهِ”، كأَنَّهُ لِكَثِيرِين، بَلْ “وَلِنَسْلِكَ”، كَأَنَّهُ لِوَاحِد، وهُوَ الـمَسِيح! فأَقُولُ هـذَا: إِنَّ وَصِيَّةً سَبَقَ اللهُ فأَقَرَّهَا، لا تُلْغِيهَا شَرِيعَةٌ جَاءَتْ بَعْدَ أَرْبَعِ مِئَةٍ وثَلاثِينَ سَنَة، فَتُبْطِلُ الوَعْد. وإِذَا كَانَ الـمِيرَاثُ مِنَ الشَّرِيعَة، فَهُوَ لَمْ يَعُدْ مِنَ الوَعْد؛ والـحَالُ أَنَّ اللهَ بِوَعْدٍ أَنْعَمَ بِالـمِيرَاثِ على إِبرَاهِيم. إِذًا فَلِمَاذَا الشَّرِيعَة؟ إِنَّهَا أُضِيفَتْ بَسَبَبِ الْمَعَاصِي، حَتَّى مَجيءِ النَّسْلِ الَّذي جُعِلَ الوَعْدُ لَهُ. وقَدْ أَعْلَنَهَا مَلائِكَةٌ على يَدِ وَسِيطٍ، هُوَ مُوسى. غيرَ أَنَّ الوَاحِدَ لا وَسيطَ لَهُ، واللهُ واحِد! إِذًا فَهَلْ تَكُونُ الشَّرِيعَةُ ضِدَّ وُعُودِ الله؟ حاشَا! فَلَو أُعْطِيَتْ شَرِيعَةٌ قَادِرَةٌ أَنْ تُحْيي، لَكَانَ التَّبْرِيرُ حَقًّا بِالشَّرِيعَة. ولـكِنَّ الكِتَابَ حَبَسَ الكُلَّ تَحْتَ الـخَطِيئَة، لِكَيْمَا بالإِيْمَانِ بيَسُوعَ الـمَسِيحِ يُعْطَى الوَعْدُ للَّذِينَ يُؤْمِنُون.
يؤكد بولس الرسول أن الخلاص يأتي من الإيمان بالمسيح، لا من الشريعة. الأطار الذي يكتب فيه بولس هو أن نشاطه الرسولي بين الوثنيين تعرّض لمقاومة دائمة من لدن مسيحيين الذين يعودون إلى أصل يهودي. هؤلاء كانوا يقولون: إذا لم تختتنوا على شريعة موسى، لا تستطيعون أن تنالوا الخلاص” ( أعمال15/1). وبهذا أرادوا أن يفرضوا على المؤمنين من أصل وثني نير الشريعة الموسوية.
فكتب بولس أن الوعد الذي قطعه الله لابراهيم ونسله، وهو المسيح، لا تبطله شريعة موسى التي جاءت بعد 430 سنة ( غلا16-17). وأضاف: الشريعة أضيفت بسبب المعاصي حتى مجيء النسل الذي جُعل الوعد له. بكلام آخر، أعطيت الشريعة من أجل تحصين الوعد. فلو ” كانت الشريعة قادرة أن تخلّص، لكان التبرير حقاً منها” (غلا3/19-21). لكن الشريعة أعطيت كمربٍّ لتقود الشعب إلى المسيح (غلا3/24). الشريعة مقدسة وروحية وصالحة لكنها غير كاملة، ولا تعطي من ذاتها القوة ونعمة الروح القدس. بل هي المرحلة الأولى في الطريق إلى ملكوت الله، تهيء الشعب المختار وكل مسيحي للإيمان والتوبة ( كتاب التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 1963).
الشريعة حرف، والإيمان المترجم بالاعمال روح. يقول بولس في موضع آخر: “الحرف يقتل، أما الروح فيحيي” (2كور3/6) وأيضاً الختان الحقيقي هو ختان القلب العائد إلى الروح، لا إلى حرف الشريعة، ويعني حياة الأمانة لله بتنقية القلب. يقول الرب يسوع: ” من باطن الناس، من قلوبهم ، تنبعث المقاصد السيّئة والفحش والسرقة والقتل والطمع والخبث والمكر والحسد والشتّم والكبرياء” ( مر7/21-22).
3- بالبشارة لمريم يتحقق مخطط الله الخلاصي (لوقا1/26-38)
عندما سقط في الخطيئة آدم وحواء، وعد الله الغني بالرحمة بالخلاص، هو الذي خلق الإنسان بفيض من حبه ليشركه في مجده الالهي، ورسم مخططه الخلاصي في أعقاب الخطيئة الاصلية، تلك الخطيئة التي ألقت بثقلها على التاريخ البشري. فقال للحية، رمز الشيطان، على مسمع الإنسان الأول: ” أضع عداوة بينك وبين المرأة، بين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك، وأنت تترصدين عقبه” (تك3/15). تحقق الوعد بالبشارة لمريم، فأتى” نسل المرأة”، ابن الله المتجسد يسوع المسيح، ليقتلع شرّ الخطيئة من جذوره، ” ساحقاً رأس الحية”. إنه صراع عنيف يتواصل ويرافق تاريخ البشر, بين النعمة والخطيئة، بين الخير والشر، يتكشف لنا في أول صفحة من تاريخ الخلاص بقتل قايين اخاه هابيل (تك 4)، وفي آخر صفحة منه بالصراع القائم بين قوى الشر، المتمثلة بالتنين، والكنيسة، في سفر رؤيا يوحنا (فصل 12) الذي ينشر الصفحات الأخيرة من تاريخ الكنيسة والعالم (ام الفادي،11).
ليست البشارة حدثاً ينتهي في الماضي، بل هي في آن بشرى مستمرة للبشرية بأن الكلمة النهائية ليست لقوى الشر، مهما عظمت، بل لله الذي خلق الكون، وافتداه بدم الابن الوحيد، وتواصل لوساطة مريم، أم الفادي، التي ” تشفع بأخوة ابنها الذين لم تنتهِ بعد مسيرتهم، أو الذين يتخبطون في مخاطر هذا العالم ومحنه حتى يبلغوا إلى الوطن السعيد” بفضل هذه الوساطة، تدعو الكنيسة سيدتنا مريم العذراء: “المحامية والمعينة والمغيثة والشفيعة” (الدستور العقائدي ” في الكنيسة”،62).
إن وسيط الخلاص الأوحد هو يسوع المسيح،، على ما تعلّم الكنيسة مع بولس الرسول، إن ليس لنا الاّ وسيط واحد، ” لأن الله واحد، والوسيط بين الله والناس واحد، الإنسان يسوع المسيح، الذي بذل نفسه فداء عن الجميع” (1 تيمو2/5-6). أما وساطة مريم فهي وساطة في المسيح، اعني اشتراكاً في وساطة المسيح، بحيث أن مريم الأم هي السند الذي يربط المؤمنين بشكل اوثق بابنها الوسيط والمخلص، وتتم اتحادهم به. هذا الدور ينطلق من امومتها الالهية التي أشركتها إشراكاً وسيع المدى بعمل الفداء، وأضحت لنا أماً على صعيد النعمة، ما جعلها حاضرة حضوراً فريداًَ في سرّ الخلاص، سرّ المسيح والكنيسة. إن فاعليتها في مجال خلاص البشر تنبع من استحقاقات المسيح ابنها الذي هو المصدر الأوحد للاستشفاع، ومن استعداد الله الآب لكل عطاء مجاني. ولهذا نقول إن ” وساطتها تابعة”، فهي “الوسيطة لدى الوسيط”، ووساطتها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بأمومتها، وهذا ما يتميز عن وساطة الخلائق الاخرى التابعة لوساطة المسيح ( ام الفادي، 38 في الكنيسة، 60-62).
إن يدعوها الملاك جبرائيل في تحيته ” الممتلئة نعمة” يعني أن امتلاءها من النعمة ومن الحياة الفائقة الطبيعة جعلها أول من يختبر ثمار وساطة المسيح الوحيدة بين الله والناس، وأعدّها بشكل خاص للمشاركة مع المسيح في وساطته، هو الوسيط الأوحد لخلاص البشر. هذه المشاركة هي وساطتها التابعة لوساطة المسيح ( ام الفادي،39).
أما أن تسمي مريم نفسها ” أنا أمة الرب”، فقد عبّرت عن استعدادها الكامل لخدمة المسيح ابنها بحيث تقود إليه، بوساطتها، جميع البشر، في التواضع والصبر. بسبب هذه الخدمة، النابعة من كونها ممتلئة نعمة، رفعت، بانتقالها إلى السماء بنفسها وجسدها، إلى مجد الملوكية، فأضحت “ملكة الكون” دون أن يتوقف دورها الخلاصي كام وسيطة ” حتى يتم بشكل نهائي عقد المختارين” ( في الكنيسة،62). هذه التي كانت أمينة لاتحادها بابنها حتى الصليب، تواصل اتحادها به في السماء، وتتوسط لديه ” حتى يتجدد كل شيء في المسيح” ( افسس1/10)، سرّ الانتقال إلى السماء حقق نهائياً في مريم، أمة الرب، ثمار وساطة المسيح، فادي العالم والقائم من الموت والوسيط الوحيد، وجعلها مرتبطة بالمسيح برباط وثيق لا ينفصم، وصاحبة دور وسيطة الرحمة لكي يحيا الجميع، تحقيقاً لكلمة بولس الرسول: ” فكما ان في آدم يموت الجميع، كذلك ايضاً في المسيح سيحيا الجميع” ( 1 كور 15/22). وهكذا جعل المسيح ” أمة الرب”، وهي أمه، أما للكنيسة: ” هذه أمك” (يو19/27) ( ام الفادي،40). إنها الأم بالنعمة للذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها متممين مشيئته (متى11/38 ومر 3/35)، وهي توجههم: ” افعلوا ما يقوله لكم” (يو2/5).
هذا هو مخطط الله الخلاصي الذي تحقق بالبشارة لمريم، “ المباركة في النساء”. إنها البركة التي غمر بها الله الآب في المسيح البشر أجمعين، ومريم بشكل خاص واستثنائي. إن مخطط الله لخلاص الإنسان في المسيح مخطط عام يشمل البشر أجمعين. كما انهم منذ البدء داخلون جميعاً في عمل الخلق، فهم منذ الازل ايضاً موضوع مخطط الخلاص الذي سيعلن بالمسيح: ” تبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذي غمرنا بكل بركة روحية في المسيح. فقد اختارنا فيه عن محبة، من قبل إنشاء العالم، لنكون قديسين وبغير عيب أمامه وحدد بمرضاته أن نكون له أبناء بيسوع المسيح، الذي لنا فيه الفداء بدمه، ومغفرة الزلات، على حسب غنى نعمته” (افسس 1/4-7).
1- العائلة مربيّة على حقيقة الإنسان والزواج
استعداداً للقاء العالمي السادس للعائلات مع قداسة البابا في المكسيك (16-17) كانون الثاني 2009): بعنوان “العائلة مربية على القيم الإنسانية والمسيحية”، نطرح الموضوع الثاني من المواضيع التحضيرية العشرة التي أعدّها المجلس الحبري للعائلة، وهو : العائلة مربية على حقيقة الإنسان والزواج.
في البشارة لمريم انكشفت حقيقة الإنسان والزواج في شخصها وشخص يوسف، وفي شخص ابنها يسوع، ابن الله المتجسّد، كما انكشفت في البشارة حقيقة الإنسان والزواج في شخص كل من زكريا واليصابات وابنهما الموعود يوحنا. ما يعني أن الإنسان وحقيقة الزواج تأتي من الله. فلا يمكن مقاربة حقيقة الإنسان وحقيقة الزواج إلا بمعرفة الله وتصميمه الخلاصي. المشكلة اليوم هي أن هذه الحقيقة ضائعة لسببين: الأول جهل الله بانكار وجوده او بوضعه جانباً في حياة الإنسان التاريخية ما يُسمى ” الإلحاد المادي” أو الإلحاد المعاصر”، وما يُسمى أيضاً اللادارية”؛ الثاني تيّار النسبية الذي يعتبر ان لا وجود لحقيقة موضوعية تختص بالإنسان وبالتالي بالزواج والعائلة. وينفي وجود قواعد خلقية وقيم ثابتة.
للعائلة اليوم مهمة، لا يسعها التخلّي عنها وهي أن تنقل إلى الأولاد حقيقة الإنسان كما يرويها سفر التكوين: يوجد إله شخصي صالح، خلق الرجل والمرأة متساويين في الكرامة ومتمايزين ومتكاملين بالرجولة والأنوثة. باركهما في الزواج وأعطاهما رسالة إنجاب البنين باتحادهما غير قابل الانفضام، وقد جعلهما جسداً واحداً (تكوين 1/27 و28؛ 2/18 و24).
***
ثانياً، البطاركة الموارنة ولبنان
1- البطريرط طوبيا الخازن (1756-1766)
كان انتخابه في 28 شباط 1756 في دير مار يوسف عينطوره الذي كان يومها في عهدة الآباء اليسوعيين. ثبتّه في الانتخاب البابا بندكتوس الرابع عشر في 30 نيسان 1757 ومنحه درع التثبيت[2].
البطريرك طوبيا الخازن كان من المطارنة الذين كانوا في المجمع اللبناني (1736). هذا المجمع نظّم العلاقة بين الكنيسة المارونية والسلطة المدنية ولاسيما “جماعة الحكم المدني الماروني، في إطار الامارة الشهابية (1697-1842) في العهد العثماني (1516-1918). أهم ما جاء في هذه العلاقة: احترام الاكليريكيين وضمان حقوقهم، المحافظة على حرية الكنيسة في المعتقد والممارسة والعبادة، منع المسلمين من دخول الكنائس ومن اعتقال متهمّين في داخلها، ومن محاصرة المراكز الكنسية على اختلاف أنواعها، المعاملة العادلة للموقوفين، التهديد بالحرم الكبير لمن يسنّ شرائع تقمع الحرية الكنسية.
مارس البطريرك طوبيا الخازن مسؤولياته من ضمن قواعد هذه العلاقة. وساس الكنيسة المارونية بكل غيرة ونشاط باذلاً الجهود والتضحيات، ولقى العضد من نفوذ عائلته آل الخازن لما لها من أيادٍ بيضاء على الطائفة المارونية وسائر الطوائف المسيحية.
في عهده بدأ انقسام رهبانية مار انطونيوس المعروفة باللبنانية سنة 1760 الى رهبانيتين: البلدية التي أصبحت اليوم ” اللبنانية المارونية”، والحلبية التي أصبحت “المريمية المارونية”. وقد عمل جاهداً على عدم قسمتها من دون جدوى بسبب اختلاف العقلية والتطوّر العلمي بين اللبنانيين والحلبيين[3]، إلى أن ثبّت الكرسي الرسولي هذه القسمة سنة 1770.
توفي البطريرك طوبيا الخازن في عجلتون في 19 أيار 1766، ودفن في كنيسة السيدة الخاصة بالعائلة الخازنية.
***
ثالثاً، الخطة الراعوية لتطبيق المجمع البطريركي الماروني
تواصل الخطة الراعوية تقبل النص المجمعي الثاني عشر: اليتورجيا، وتحديداً أبعاج الليتورجيا المارونية التي هي الضامنة لهوية الموارنة في لبنان وعالم الانتشار، والتي هي مدرسة ايمان تنير طريق المؤمنين بأنوار الملكوت (الفقرات 17-24).
1- البعد الثالوثي في تدبير الخلاص
تدور الليتورجيا حول محور تدبير الخلاص الذي دبّره الله الثالوث: الآب الخالق والمحب للجنس البشري، الابن الذي تجسّد وافتدى البشرية بموته على الصليب وأحياها بقيامته، الروح القدس الذي يؤتي ثمار الفداء في حياة المؤمنين ويقود الكنيسة إلى تحقيق عمل الله الخلاصي.
2- البعد الكريستولوجي
البُعد المسيحاني يشمل الحدثين الأساسيين: التجسّد والدنح والرسالة التبشيرية من جهة، والموت على الصليب تكفيراً عن الخطايا والقيامة من الموت لتبرير المفتدين من جهة ثانية. هذا البعد يطبع حياة المسيحيين في عيش معموديتهم التي تدرجهم في جسد المسيح، وتشركهم في سرّ موته وقيامته.
3- البُعد الاسكاتولوجي
إنه البُعد النهيوي الذي يكشف روحانية سبت النور في الليتورجيا المارونية، وانتظار فجر القيامة، وترقب مجيء الرب يسوع في الحياة اليومية وفي نهاية الأزمنة: “تعال، أيها الرب يسوع” ” ماراناتا”.
4- البُعد الكريمي
الليتورجيا المارونية مريمية بامتياز. فاللاهوت المريمي واضح في كل نصوصها الليتورجية: مريم أم الإله، ومريم الأم والبتول، ومريم الشفيعة القديرة، ومريم أم المخلص وشريكة الفداء.
5- البُعد الكتابي
تتأصل الليتورجيا المارونية في الكتاب المقدس وتجعل منه ينبوعاها ومصدر روحانيتها. تصلي كلمة الله، وتتأصل فيها وتعلنها نثراً وشعراً، وتوزعها زاداً للمؤمنين.
- البُعد الرهباني
تزخر الليتورجيا المارونية بالطابع الرهباني: صلاة الساعات، التوبة، الزهد، السير على خطى المسيح، حمل الصليب، الصوم، الانحناء، والسجود.
- البُعد الانساني
تعكس الليتورجيا الاختبارات المتعددة التي مرّت بها الكنيسة المارونية، من آلام واضطهاد وحروب وتهجير، الى افراح الشركة والتضامن والوحدة والمغفرة والمصالحة، الى امجاد الانتصار بقيادة الرب وتحرير الشعب وتمجيد القديسين. هذا، الى جانب الطابع الشعبي المميز بالبساطة والعمق في آن.
***
صلاة
أيها الرب يسوع، بالبشارة لمريم تحقق الوعد الإلهي بخلاصنا. أعطنا، بشفاعة أمنا العذراء مريم، أن ننفتح لهذا الخلاص، وأن نتشدد بالرجاء وسط المحن، مؤمنين بأن مواعيد الخلاص تتحقق عندما يرى الله ذلك مناسباً. فليساعدنا مثال القديس بولس وتشفعه في هذه السنة اليوبيلية على ألاّ نتقيّد بحرف الشريعة الذي يقتل بل بروحها وبالإيمان الذي يحيي. ولتنكشف لنا، في ضوء البشارة لمريم، حقيقة الإنسان وكرامة الزواج وقدسية العائلة. ألهم رعاة الكنيسة، اساقفة وكهنة، حسن الأداء الليتورجي وإصلاحه وتعزيزه، لكي يغتني المؤمنون من أبعاد ليتورجيتنا وثمارها، ويلجوا الى عمق الاتحاد بالآب والابن والروح القدس، إله واحد له المجد والتسبيح والشكر، الآن وإلى الأبد، آمين.
***
[1] . عظة البابا بندكتوس السادس عشر في افتتاح السنة البولسية، بازليك القديس بولس خارج الاسوار، في 28 حزيران 2008.
[2] . انظر المراسلات بين البطريرك وقداسة البابا في كتاب الاباتي بطرس فهد: ” البطاركة الموارنة واساقفتهم في القرن 18،صفحة 256-265.
[3] . انظر المراسلات بين البطريرك ومجدمع نشر الايمان وقداسة البابا، المرجع نفسه، صفحة 266-271.
Discussion about this post