أحد زيارة العذراء لأليصابات
“وقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا ودخلت بيت زكريا وسلّمت على أليصابات”
هلمّ أحبائي في هذا اليوم المبارك الذي تذكر فيه الكنيسة المقدسة في طقوسها زيارة العذراء لأليصابات.
هلمّ معي لنرافق العذراء في زيارتها هذه لننصت جيداً إلى الحديث المقدس الذي جرى بين العذراء أمنا وبين أليصابات، بين البتول التي ولدت الإله بالجسد وهي فتاة صغيرة، وبين العاقر الطاعنة بالسن التي ولدت يوحنا السّابق، الكارز المبشّر بالمسيح.
كانت العذراء في مدينة الناصرة وكان الملاك قد بشّرها بالحبل الإلهي، دعاها ممتلئة نعمة وقال لها:
إن الروح القدس يحلّ عليها وينقّيها ويطهّرها وأنها ستحبل وتلد ابناً وتدعوه يسوع، كما دعاه هذا الملاك ثانيةً عندما ظهر ليوسف البار وطمأنه عن براءة مريم وطهرها وحقيقة حبلها الإلهي، وقال عن هذا الابن أنه قدوس وابن العلي يدعى.
أجل ولئن كان إيمان العذراء مريم ثخيناً، متيناً ولكنها أمام هذه الحقيقة الإلهية، أعجوبة الأعاجيب تسأل الملاك: كيف يكون لي هذا وأنا لا أعرف رجلاً؟
ويوضّح لها الملاك الحقيقة عن حلول الروح القدس عليها، وفي الوقت نفسه يقول لها:
هوذا نسيبتكِ أليصابات هي الأخرى حُبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس للمدعوة عاقراً، لأنه ليس عند الله شيء غير ممكن.
هذا المثال الذي أعطاه جبرائيل للعذراء مريم ذكّرها بنسيبتها فأرادت أن ترى الأعجوبة الثانية والتي ولئن كانت أقل عجباً من أعجوبة الحبل بالإله، ولكنها أيضاً عليها أن تبتهج مع نسيبتها، تلك الشيخة العاقر، فيقول لوقا وهو يسرد هذه الحوادث بأسلوب منطقي:
أن العذراء قامت مسرعة وذهبت إلى الجبال، إلى مدينة يهوذا.
إن المسافة ما بين الناصرة التي هي حبرون التي تسمّى اليوم الخليل مائة ميل، كانت تُقطَع مشياً على الأقدام بخمسة أيام، قامت العذراء مسرعة لتعلّمنا أن نسرع دائماً للفرح مع الفرحين، كما يوصينا أيضاً الرسول بولس.
دخلت بيت زكريا سلّمت على أليصابات فامتلأت أليصابات من الروح القدس وقالت:
حين سقط صوت سلامكِ في أذني ارتكض الجنين في بطني بابتهاج،
وصرخت أليصابات بصوت عظيم: من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ؟ إنه حديث مقدس بل كان هناك الروح القدس كما يقول لوقا امتلأت من الروح القدس.
حينما تسلّم العذراء على أحد لا بد أن يمتلئ هذا الإنسان من الروح القدس لأنها قد نالت نعمة من عند الله، وهي الممتلئة نعمة وكانت قد حملت المسيح يسوع في أحشائها وشعر بذلك يوحنا وهو جنين في بطن أمه.
يقول عنه الملاك عندما بشّر أباه بولادته: أنه يمتلئ من الروح القدس وهو في بطن أمه لذلك شعر بوجود ربه وكأني به جثا وسجد أمام الرب، والروح ألهم تلك الشيخة العاقر لتعلن عقيدة سماوية ثانية ولتدعو العذراء مريم أم الرب.
الرسول بولس بعدئذِ يقول: لا يستطيع أحد أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس، فالروح القدس ألهم تلك الشيخة التي لا يمكن أن تدعو أحداً ربّاً وإلهاً إلا الله، الإله الحقيقي لأنها كانت موحّدة وتعلم أن الله واحد، ولكنها بإلهام الروح القدس عرفت أن الذي حُبِل به في العذراء مريم هو الله بالذات.
نحن نعلم أن نار اللاهوت حلّ في أحشاء العذراء مريم وهو الإله المتجسّد، الذي وصفه الرسول بولس قائلاً: الله ظهر بالجسد، لذلك قالت أليصابات: من أين لي هذا أن تأتي أم ربي إليّ،
وكرّرت ما كان الملاك قد قاله للعذراء مريم عندما أعطاها السلام: مباركة أنتِ في النساء، وأضافت على ذلك: ومباركة ثمرة بطنكِ، ونحن دائماً نكرّر هذا القول، هذا السلام نعطيه للعذراء مريم،
ولكننا هل نتذكّر أن السماء أوحت بهذه الكلمات إلى شيخة عاقر كان الله قد أنعم عليها أيضاً لكي تحبل بشيخوختها، الكارز الذي سبق ميلاده ميلاد المسيح بالجسد ليهيّئ الطريق أمام المسيح.
ما أجمل أحاديث القديسين. دخلت العذراء بيت زكريا، ذلك البيت ربّما كان بسيطاً ليس كبيوتنا العامرة الفخمة ذات الأثاث الجميلة ولكن ذلك البيت كانت تفوح منه رائحة الفضيلة، رائحة البر، التقوى، القداسة لذلك كان نادراً.
سلّمت على أليصابات ولو سلّمت على زكريا لنطق زكريا ولكن العناية الربّانية جعلتها أن تسلّم على أليصابات، صرخت بصوت عظيم معلنة عقيدة السماء. كم نحن بحاجة أيها الأحباء أن نقتدي بالعذراء مريم،
أولاً بمحبتها للناس جميعاً، بشعورها بالقيام بواجبها تجاه نسيبتها أليصابات لتفرح معها، من السهل أن نبكي مع الباكين كثيراً والعديد منّا يبكي على مصائبه، ونحن نبكي على مصائبنا عندما نبكي مع الباكين، ولكن ليس من السهل أن نبتهج مع الفرحين لأن أغلب الناس قد امتلأت قلوبهم حسداً من الآخرين،
إذا ما نجح إنسان في الحياة يقولون إنه الحظ، لا يقولون أن الله قد أنعم على هذا الإنسان وهو مستحق هذه النعمة لينجح في حياته، لا يقولون أن هذا الإنسان اجتهد وجدّ واهتم ولم يتكاسل والكسل خطيّة، فنال ما نال.
أما العذراء ففرحت مع أليصابات وابتهجت معها، فنالت أليصابات نعمة عظيمة عندما سلّمت عليها العذراء إذ حلّ عليها الروح القدس، حينئذٍ قالت مريم:
تعظّم نفسي الرب ولم يقل لوقا أن الروح القدس حلّ على مريم كما قال على أليصابات لأن مريم كانت مملئة من نعمة الله، من الروح بالذات،
كان الله في أحشائها، اختار منها وجبل من دمها جسداً ليتجسّد، لذلك قالت مريم: تعظّم نفسي الرب، تبتهج روحي بالله مخلّصي لأنه نظر إلى تواضع أمته، فهوذا منذ الآن تعطيني الطوبى جميع الأجيال لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتّقونه.
في هذا اليوم أحبائي ونحن ننصت إلى هذا الحديث المقدس نتخيّل أمامنا تلك الفتاة الصغيرة التي أنعم الله عليها فامتلأت نعمةً وحملت الإله في أحشائها ونتخيّل تلك الشيخة العاقر التي أنعم الله عليها لتحمل الكارز لمجيء الرب، يوحنا المعمدان.
ونتخيّل ابن البتول وهو الرب كما أعلنت أليصابات وكارزه نراه وهو قد ابتهج بقدوم سيّده ونعلم أن الإنسان يتكوّن في بطن أمه ويحق له أن يحلّ عليه الروح القدس كما اختير إرميا النبي، وكذلك الرسول بولس وجميع القديسين. فهو إذن إنسان كامل.
ونأخذ درساً لا بد أن نذكره دائماً أن على الوالدين أن يحميا الطفل وهو في بطن أمه ذكراً كان أم أنثى، ومن أقدم على الإجهاض يكون قد قتل ولده فهو قاتل، فعلينا أن نعتني بالطفل ونحميه وهو في بطن أمه إن كنّا مسيحيين حقيقيين.
وعلينا أيها الأحباء أن نقتدي بالعذراء وأليصابات في زيارتنا بعضنا لبعض لتكون أحاديثنا مقدسة، مباركة، سماوية لتحل علينا نِعم الرب.
أسأله تعالى أن يؤهّلنا جميعاً أن نمتلئ من الروح القدس، أن نقوم بواجبنا من كل قلبنا وفكرنا تجاه القريب، أن نهتمّ أيها الأحباء لنجعل دورنا مليئة بالأحاديث الروحية ونحن الذين آمنّا بالمسيح ونؤمن أنه صادق بوعده:
أنه إذا اجتمعنا باسمه فهو يكون بيننا. ليكن المسيح معكم وبينكم وفي دوركم العامرة دائماً أبداً ونعمته تشملكم آمين.
Discussion about this post