مولد يوحنا 2011 – البطريرك بشارة
مولد يوحنا المعمدان (لو 1: 57-66) (الأحد 4 كانون الأول 2011)
مولد يوحنا المعمدان إبن زكريا وأليصابات يسبق ميلاد يسوع المسيح، الإله المتجسِّد، مثلما الفجر يسبق طلوع الشمس. ولهذا سُمّيَ “يوحنا السابق”. واسم يوحنا يعني“الله رحوم”، وقد خدم يوحنا رحمة الله بمعمودية التوبة التي كانَ يمنحها على ضفاف الأردنّ، فسُمّيَ “المعمدان”. يوحنا هو إعلان رحمة الله للبشر، ودعوةٌ لتحقيق الرحمة، وفقاً لإنجيل التطويبات: “طوبى للرحماء، فإنهم يُرحمون”(متى 5: 7).
أولاً: شرح الإنجيل
إنجيل القديس لوقا 1: 57-66
وتَمَّ زَمَانُ إِليصَابَاتَ لِتَلِد، فَوَلَدَتِ ٱبْنًا. وسَمِعُ جِيرانُهَا وأَقَارِبُها أَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَظَّمَ رَحْمَتَهُ لَهَا، فَفَرِحُوا مَعَهَا. وفي اليَوْمِ الثَّامِنِ جَاؤُوا لِيَخْتِنُوا الصَّبِيّ، وسَمَّوْهُ بِٱسْمِ أَبِيهِ زَكَريَّا. فأَجَابَتْ أُمُّهُ وَقالَتْ: «لا! بَلْ يُسَمَّى يُوحَنَّا!». فقَالُوا لَهَا: «لا أَحَدَ في قَرابَتِكِ يُدْعَى بِهذَا ٱلٱسْم». وأَشَارُوا إِلى أَبِيهِ مَاذَا يُريدُ أَنْ يُسَمِّيَهُ. فطَلَبَ لَوْحًا وكَتَب: «إِسْمُهُ يُوحَنَّا!». فَتَعَجَّبُوا جَمِيعُهُم. وٱنْفَتَحَ فَجْأَةً فَمُ زَكَرِيَّا، وٱنْطَلَقَ لِسَانُهُ، وَجَعَلَ يَتَكَلَّمُ ويُبَارِكُ ٱلله، فَٱسْتَولى الخَوْفُ على جَمِيعِ جِيرانِهِم، وتَحَدَّثَ النَّاسُ بِكُلِّ هذِهِ الأُمُورِ في كُلِّ جَبَلِ اليَهُودِيَّة. وكانَ كُلُّ مَنْ سَمِعَ بِذلِكَ يَحْفَظُهُ في قَلْبِهِ قَائِلاً: «ما عَسَى هذَا الطِّفْلُ أَنْ يَكُون؟». وكانَتْ يَدُ الرَّبِّ حَقًّا مَعَهُ.
1- “إسمه يوحنا”. هو اسمٌ شاءَه الله ليُحدِّدَ في سرِّ تدبيره دور هذا المولود، الذي أراده الله، في تاريخ الخلاص. اللفظة العبرية “يهوحنان” أي “الله رحوم”. كان على يوحنا أن يشهد لرحمة الله ويخدمها.
هو نفسه شهادة للرحمة الالهية، لكونه هبة من الله لزكريا واليصابات، اللذين عاشا حياتهما الزوجية “بارّين عند الله، تابعَين جميع وصاياه وأحكامه، ولا لوم عليهما”(لو 1: 6)، حتى أن الجيران والأقارب فرحوا مع أليصابات عند مولده لأن الرب رحمها رحمة عظيمة(لو 1: 58).
ودعا إلى عيش الرحمة مع الناس، من أجل نيل الرحمة من الله بالتوبة إليه. دعا إلى عيشها في وجوهها الثلاثة عندما سُئلَ من بعض من الاشخاص: “ماذا نعمل؟” فأجاب أنَّ الرحمة مع الناس تُعاش محبة تجاه المعوزين: “مَن عنده ثوبان، فليُعطِ مَن لا ثوب له؛وعدالة شفافة في تعاطي المال: “لا تجبوا أكثر من المطلوب” والقناعة في العيش:“لا تظلموا أحداً، واقنعوا برواتبكم”(لو 3: 10-14).
وشهد لرحمة الله التي تظهر في شخص المسيح، بكل كمالها، على ما كتب يوحنا الرسول في أنجيله: “جاء إنسان مرسَل من الله، اسمه يوحنا. أتى ليشهد للنور، لكي يؤمن الجميع على يده. لم يكن هو النور، بل جاء ليشهد للنور”(يو 1: 6-8).
إنَّ شهادة يوحنا لنور المسيح لم تكن شهادة خارجية وبالكلام، بل كانت مشاركة واستنارة بنور المسيح، بنوعٍ وكأنه يتماهى معه. لذلك سأله الشعب: “أأنتَ المسيح؟ فأجاب: لست المسيح. أأنتَ إيليا؟ فأجاب: لستُ إيليا”(يو 1: 21).
2- نحن كمسيحيين جُعلنا بقوة الروح القدس شهوداً للمسيح (أعمال 1: 8). ما يعني أن نكون “مسيحيين” أي “مسيحاً آخر” في القول والمثل، في كل لحظة من حياتنا؛ أن نكون شهدواً للحقيقة التي علّمها المسيح، وتواصِل الكنيسة تعليمها. ما اجمل أن نكون مثل يوحنا الذي شبّهه المسيح بسراج يُنير الحقيقة، ويختفي عند ظهورها. هكذا قال يوحنا عن نفسه: “عليَّ أن أنقص وعلى المسيح أن ينمو”(يو 3: 30). هذه حال السراج عندما تشرق الشمس. وهكذا مع مجيء المسيح فقدتْ معمودية يوحنّا مُبرِّر وجودها. كم نحن بحاجة للتخلّي عن الكثير أمام حقيقة المسيح وكنوزه. ألم يشهد يوحنا بجرأة: “الذي يأتي بعدي، ها هو قدّامي، لأنه كان قبلي”(يو 1: 30)، هكذا كان يوحنا في آن “السابق” للمسيح، و “الشاهد” له، لأنه هو قبله منذ الأزل. بلغ التواضع بيوحنا حتى قال في شهادته: “أنا لا أستحق أن أحلّ سَير حذائه”. تجرّد و تواضع هما فضيلتان أساسيتان لكي تكون شهادتنا للمسيح صادقة وفاعلة. إن عمل المسيح يحمل عملنا إلى كماله، كما حمل معمودية يوحنا بالماء إلى كمالها في معمودية الروح القدس والنار(لو 3: 16؛ مر 1: 7-8؛ متى 3: 11). معمودية يوحنا بالماء كانت علامة للتوبة، أما معمودية المسيح فلغفران الخطايا وإعطاء الحياة الجديدة بالروح القدس. المعمودية المسيحية تجعل المعمّد “خليقة جديدة”(2 كور 5: 17)، و“تُلبسه المسيح”(غل 3: 27)، و”ابناً لله بالتبنّي”(غل 4: 5-7).
سرّ المعمودية هو الأعظم بين عطايا الله وعظائمه:
إنه عطية لأنه مُعطى للذين لم يجلبوا شيئاً؛ ونعمة، لأنه يُعطى حتى للمذنبين؛ وموتٌ روحي، لأن الخطيئة تُدفَن تحت الماء؛ ومسحة لأنه مقدَّس وملوكي؛ واستنارة لأنه نورٌ مُشعّ؛ وثوبٌ لأنه يستر عريَنا؛ وغسلٌ لأنه يغسل نفوسنا من الخطايا؛ وختمٌ لأنه يحفظنا ويدلّ على سيادة الله المطلقة.
3- إنجيل مولد يوحنا المعمدان هو انجيل الرحمة، رحمة الله وحنانه تجاه كل إنسان. الرحمة تعني المشاعر الانسانية والشفقة واحترام الشخص البشري وكرامته والمغفرة وتفهُم الآخر وتُسمّى أيضاً في القوانين إنصافاً. الرحمة – الانصاف هي اساس العدالة وروحها. غالباً ما تكون العدالة من دون الرحمة أو الانصاف ظلماً. نقرأ في المزمور 85/11: “الرحمة والعدل تلاقيا”، ما يعني أنَّ الرحمة هي القبلة المطبوعة على جبين العدالة.
ما أحوج مجتمعنا إلى رحمة من أجل العدالة. توصي الكنيسة رجال القضاء بأن يتحلّوا بالإنصاف كصفة ضرورية للقيام بواجب تطبيق الشريعة وتفسيرها في ممارسة العدالة. فالإنصاف يفترض المحبة، وهذه تُمكّنُ القاضي من أن يجعلها الروح في قراراته، ويتجنّب الحرف الذي يقتل(2 كور 3: 6)، ويأخذ بعين الاعتبار الشخص البشري ومقتضيات وضعه وظروفه. هذا الانصاف يحمله عادة على تطبيق القانون وتوزيع العدالة بأكثر إنسانية وتفهّم.
نحن نُدرك الظلم الكبير والضرر الذي لا يُعوَّض في الحياة الاجتماعية والوطنية، عندما يُسيَّسُ القضاء، أو عندما يمارسه الحكم الديكتاتوري والتوتاليتاري. لكننا في الوقت عينه لا نُشكِّكُ بعمل القضاة والمحاكم، ولا نُضحّي به بسبب بعض الانحرافات. وفي كل حال، يبقى باب أصول المحاكمات مفتوحاً للطعن بالأحكام، على أسس يضمنها القانون. ومعروف أن “السلام ثمرة العدالة”(أش 32: 17). ما يعني أن العدالة، الملطّفة بالانصاف، تشمل كل مساحات الحياة، فتؤمِّن للشخص البشري كل ما يتوجب له، وتضمن كرامته وعيشه مع سواه في إطار من الخير العام، وتحامي عن حقوقه وتقرّها له، مع ما عليه هو شخصياً من واجبات. ولهذا قيل: “العدل أساس المُلك”. وبالتالي لا مجال لبناء مجتمع سليم، وإنماء الأفرد والشعوب إنماء شاملاً، من دون عدالة وإنصاف.
ثانياً : الشبيبة: واقعها ودورها في الكنيسة ورسالتها
هذا كان موضوع دورة مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك في لبنان الخامسة والاربعين التي عقدت في بكركي (21-26 تشرين الثاني 2011). نستعرض تباعاً نتائج الاستطلاع الميداني الذي أجري على 1221 شاب وشابة، تراوحت أعمارهم من 18 الى 30 سنة، من الشمال وجبيل وكسروان والمتن وبيروت والبقاع والجنوب، عبر لقاء شخصي دام حوالي 20 دقيقة. وكلهم من الطوائف الكاثوليكية الست: موارنة، روم كاثوليك، أرمن، سريان، لاتين وكلدان. 45% اناث و55% ذكور.
هدف الاستطلاع تحديد موقع الشبيبة في الكنيسة، وحاجات الشبيبة وانتظاراتها. توضع النتائج في تصرّف الكنائس في لبنان، وهيئات الشبيبة في مختلف الحقول الكنسية، بحيث تتوفّر معطيات كميّة ونوعيّة، من أجل وضع خطط عمل مستقبلية انطلاقاً من معرفة متعمّقة وواقعية لحياة الشباب.
تناولت الدراسة عدة محاور، نقدّم نتائجها تباعاً في برنامج التنشئة المسيحية.
1- الاشخاص الذين شملهم الاستطلاع: المستوى العلمي، الوظيفة، الحالة المدنية، مكان السكن:
– 58% جامعيون، يليهم 17,9% ثانويون و 13,4% تقنيون.
– 35,7 موظفون، 34,2% طلاب، يليهم 9,2% عاطلون عن العمل.
– 76% عازبون، 21,9% متزوجون.
– مناطق السكن 18,9% المتن، 17,8% كسروان، 16,3% بيروت، 10,4% زحله، يليها 6،2% بعبدا وزغرتا، 5،6% الشوف…
2- انتماؤهم :
20% ينتمون إلى منظمات غير حكومية؛ 27% إلى أحزاب سياسية؛ 26% إلى منظمات رسولية ومجموعات صلاة؛ 11% يفكرون بالانتماء إلى هذه الأخيرة.
3- الممارسة الدينية على أساس الانتماء الى الكنيسة والعلاقة مع السلطة الكنسية
– 37,9% يشاركون في القداس من وقت لآخر؛ 29,3% يشاركون في القداس وممارسة الأسرار بشكل مألوف؛ 18,4% مشاركة موسمية في بعض الاحتفالات الدينية؛
– 8,8% مشاركة في أعراس وجنازات وعمادات؛ 5,1% لا يمارسون.
غير أن 81% يعتبرون أنفسهم منتمين الى الكنيسة. فسُئلوا، من أجل تعزيز هذا الانتماء، حول العوامل التالية :
– 47,8% الممارسة الدينية في العائلة؛ 28,1% التعليم الديني في العائلة؛
– 19,9% التعليم الديني والممارسة؛ 7,3% المنظمات الرسولية؛ 4,6% العمل الراعوي الجامعي؛ 0,1% السهرات الإنجيلية في البيوت، الدروس الليتورجية، الإيمان الشخصي، الرهبان والراهبات.
أما علاقة الشبيبة بالسلطة الكنسية: الأسقف، الكهنة، الرهبان، الراهبات فأتت كالتالي:
– 56,4% لا علاقة مع الأسقف الأبرشي؛ 42,3% مع الكاهن؛ 38,1% مع الرهبان والراهبات.
– علاقة: جيدة جداً مع الكاهن(19,1%) مع الرهبان والراهبات(13%)مع الاسقف(9,5%)
– شبه جيدة مع الرهبان والراهبات(29%) مع الكاهن(27%) مع الاسقف(20,5%) عاطلة مع الراهبات والرهبان (9%) مع الكاهن (5%) مع الأسقف (4%)
وأخيراً، نظرة الشبيبة إلى ممثلي السلطة الكنسية:
– 33% يساعدون الشبيبة ويقودونها في الطريق الصحيح؛ 31% يستفيدون من موقعهم؛
– 17,4% بعيدون عن الشبيبة؛ 17% يقدمون مثلاً صالحاً للشبيبة؛ 15,7% يمثلون سلطة رفض قاطعة.
أمام هذه المعطيات، تقتضي الخطة الراعوية ما يلي:
1- ينبغي تعزيز الانتماء إلى المنظمات الرسولية مع كل مقتضياته، كما وإلى المنظمات غير الحكومية.
2- ينبغي التركيز على تعزيز الممارسة الدينية المألوفة ايام الآحاد والاعياد، كتجسيد للانتماء إلى الكنيسة، لاسيما من خلال تعزيز الممارسة الدينية في العائلة والتعليم الديني فيها وفي الرعية وفي المدرسة، ثم من خلال إنماء العلاقات الحسنة مع مطران الأبرشية وكاهن الرعية والرهبان والراهبات، وبخاصة لجهة المثل الصالح والقرب من الشبيبة وسماعها والاهتمام بشؤونها وتوجيهها.
صلاة :
أيها الرب يسوع، يا رحمة الله المتجسّدة، إملأ قلوبنا مشاعر انسانية، وأعطنا أن نتحلّى بأخلاق المحبة والرحمة والانصاف، لكي نعدل في أحكامنا وتصرفاتنا وتعاطينا. جدّد فينا عطيّة الروح القدس، لكي بقوته نشهد لك وللحقيقة التي تجمع وتحرّر. وليكن لنا يوحنا المعمدان السابق والشاهد، المثال والقدوة، فنؤدي شهادتنا بتواضع وتجرّد. ونرفع المجد والشكران للآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
Discussion about this post