الــشـاهد الأمين للنور
كثيرون شهد لهم الناس بالعظمة ولم تكن عظمة حقيقية !!
أما يوحنا المعمدان فإن الذي شهد له في العظمة هو الله نفسه الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان (متى 11 / 11)
وكذلك ملاك الرب الذي بشر أباه زكريا الكاهن ويكون عظيما أمام الرب (1 /15)
إن العظمة قد لصقت بيوحنا حتى قبل أن يولد , بشهادة الملاك المرسل من لدن الله وأعمال عظيمة قد قيلت عن هذا النبي العظيم منها أنه :
يرد كثيرين إلى الرب إلههم*
يرد العصاة إلى فكر الأبرار *
يهيئ للرب شعباً مستعداً *
يتقدم قدامه بروح ايليا و قوته (لوقا 1 /16-17) *
و كثيرون يفرحون بولادته (لوقا1 /14) *
وبعد كل هذا نسأل ملاك الله الذي بشر بميلاد يوحنا عن سر عظمته فيجيب بتلك العبارة العميقة الشاملة ألا و هي :
من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس (لوقا 1 /15).
الكتاب المقدس يخبرنا أن الروح القدس قد حل على كثيرين من الأنبياء أمثال : شمشون الجبار و داود النبي و شاول الملك
و لكن لم نسمع مطلقاً عن أحد من بطن أمه امتلأ من الروح القدس و ليس مجرد حلول بل امتلاء وهذا ما اختص به يوحنا المعمدان ولما كان ابن سنتين واتفق مجيء المجوس وقتل هيرودس الأطفال وشي بعضهم عن هذا الطفل فطلبه الجند ليقتلوه لكن زكريا حمله وأتى به إلى الهيكل وقال للجند: ” من هذا المكان تسلمته ” فخطفه الملاك وأتي به إلى بريه الزيفانا. فاغتاظ الجند وقتلوا أباه زكريا. ولهذا السبب قال الرب لليهود ” يأتي عليكم كل دم زكي سفك علي الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن براخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح ” (مت 23: 25).
أما الصبي يوحنا فكان ينمو ويتقوى بالروح وظل منذ أيام طفولته يسكن البرية وعاش فيها أكثر من عشرين سنة عيشة ملائكية حتى يوم ظهوره لإسرائيل فلم يخدم ككاهنٍ في هيكل سليمان، لكنّه خرج إلى البرّيّة ليفضح ما وصلت إليه الطبيعة البشريّة التي تخلّت عن عملها المقدّس كهيكل لله فصارت مملوءة جفافًا صارت برّيّة قاحلة وقفرًا محتاجة إلى المسيّا الملك أن ينزل إليها ليرويها بمياه روحه القدّوس، فيجعلها فردوسًا تحمل ثمار الروح. يقول إشعياء النبي على لسان الطبيعة البشريّة المتعطّشة لعمل المسيّا الملك: “يسكب علينا روح من العلاء، فتصير البرّيّة بستانًا” (إش32: 15)، “تفرح البرّيّة والأرض اليابسة ويبتهج القفر ويزهر كالنرجس، يزهر إزهارًا، ويبتهج ابتهاجًا ويُرَنِّم” (إش 35: 1-2)
هكذا يقدّم القدّيس يوحنا البشريّة كقفرٍ للملك، فيحوّلها فردوسًا أبديًا، بل ويجعلها هيكله المقدّس.
لقد حُرم يوحنا المعمدان من خدمة الهيكل الكهنوتية ليهيّئ الطريق لرئيس الكهنة الأعظم ربّنا يسوع، الذي يجعل من برّيتنا هيكلاً جديدًا سماويًا فقد هيّأ الطريق الملوكي؟ بالمناداة بالتوبة، قائلاً: “توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات”.
كان كأسد يزأر في البرّيّة، فخرجت إليه أورشليم وكل اليهوديّة وجميع الكورة المحيطة بالأردن.
كانت كلماته أصيلة، ينطق بكلمة الرب كما هي بلا تنميق بشري أو مداهنة أو تدليل، تنبع عن قلب أمين وصادق، يحيا بما ينطق به اللسان، فكان للكلمة فاعليّتها. حقًا إن سرّ جاذبيّة رسالة يوحنا هو اختفاؤه في كلمة الله، وإعلان رسالته خلال حياته العمليّة المتقشفة فقد كان لباس يوحنا من وبر الإبل وعلى حقويه منطقة من جلد وكان طعامه الجراد وعسل البر (مت3: 5)
كان فقيراً من أجل الله!
الفقر الروحي الذي يطوّب يسوع كل من يلتزم به، هو عدم الرغبة في التملّك من أجل الله.
هو أن نقول لله: كل شيءٍ لا قيمة له أمام حضورك، لأنك أنت الثمين، أنت الكنز، من أجلك نتخلّى عن كل شيء..
ليس لأنّ الأشياء سيئة بحدّ ذاتها، ولا لأن التملّك شرّ، ولكنَّ الفقير بالروح هو من أراد أن يقول: الله وحده يكفي
الفقر بالروح، الذي عاشه يوحنا في البريّة، هو التحرّر من كل ما يُعيق النموّ في الحياة بالله، شيئاً كان أم شخصاً أم الذات نفسها.
وهو تالياً، لا يخصُّ النساك والمتصوفين وحسب، وإن كانوا هم السبّاقين في السعي إليه، بل إنه موقف داخلي إنجيلي يدعو كلّ مسيحي التحلي به
متشبّهاً بالله نفسه الذي زَهِدَ بجميع ما خلق لصالح الإنسان الله بخلقه الإنسان يفتقر بوجهين: الأول في فعل خلق الإنسان بحدّ ذاته، عندما يخلقه حرّاً على صورته ومثاله، أي يهبه كيانه. والثاني ,عندما يُقدّم له الخليقةَ بأسرها هدّية مجانيّة يضعها تحت تصرفه إنّ يوحنا الذي ندعو أنفسنا إلى التشبّه به، قد تشبّه بالله، فزهد بوجهين: عدم التملّك، وإخلاء الذات
و تفرغه للصلاة و الصوم في البرية و التجرد الكامل
فكان مثال للحياة النسكية إلى أن أمره الله تعالى أن يبشر الشعب بمجيء مخلص العالم (مت 3: 4 مز 1: 6)
عظمة يوحنا، هذا الصديق الوفي للمسيح تأتي من موقعه ازاء المسيح، من حيث أنه ” لم يكن هو النور بل الشاهد للنور”
(يو 1: 6 – 8) .
وإزاء الكنيسة وكل المؤمنين، من حيث أنه جاء ليشهد للنور ليؤمن الكل على يده (يو1: 7) . أما النور الحق فهو يسوع المسيح كلمة الآب وضياء مجده وصورة جوهره (عبرا 1: 3).
على أن أعظم عمل ليوحنا المعمدان أنه عمد المسيح وهنا نرى موقفين عظيمين في الاتضاع
الأول : هو مجيء المسيح ليعتمد عند عبده يوحنا
الثاني : هو أن هذا النبي العظيم يقول للسيد أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إلي !! (لوقا 3 /14)
وكأنه يقول أنا ايضاً خاطئ كالبقية و أحتاج منك الى معمودية التوبة وأنا أمام هؤلاء الناس معلم أما أمامك أنت يارب فأنا دائماً تلميذ كل العظمة التي أحاطت بيوحنا و كل الشعبية الجبارة التي كانت له لم نتسه ضآلة ذاته أمام المسيح لقد فعل كأمه اليصابات التي قالت بكل اتضاع للعذراء :
من أين لي هذا ,أن تأتي أم ربي إلي ؟!!
ومن أعظم ماتميز به يوحنا المعمدان أنه كان يختفي ليظهر المسيح كان يقول:
أنا أعمدكم بماء التوبة ولكن يأتي بعدي من هو أقوى مني الذي لست أهلا أن أحمل حذاءه. هو سيعمدكم بالروح هو أقوى مني (متى 3 /11)
وفي عمق محبته و اتضاعه قال : ينبغي أن ذاك يزيد و أنا أنقص (يوحنا 3 /30)
Discussion about this post