التنشئة المسيحية عيد ختانة يسوع وعيد العائلة المقدسة رأس السنة ويوم السلام العالمي |
عيد ختانة يسوع وعيد العائلة المقدسة
رأس السنة ويوم السلام العالمي
لوقا 2: 12؛ 41-52
أولا المناسبات الليتورجية
1- تحتفل الكنيسة اليوم، وهو الأوّل من السنة الجديدة 2012، بعيد رأس السنة الذي جعله خادم الله البابا بولس السادس سنة 1967 يوماً عالمياً للسلام. واعتاد البابوات إرسال رسالة إلى العالم بموضوع السلام. وقد وجّه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر لهذه السنة الرسالة الخامسة والأربعين بعنوان: تربية الشبيبة على العدالة والسلام.
2- كون هذا الأحد هو اليوم الثامن بعد ميلاد الربّ يسوع، تحتفل الكنيسة بذكرى ختانة الطفل وإعطائه إسم يسوع. وفي المناسبة تقرأ الكنيسة الخبر في إنجيل القديس لوقا 2: 12
“ولما تمّت ثمانية أيّام ليُختن الصبي، سُمّي يسوع، كما سمّاه الملاك قبل ان يُحبل به في بطن أمّه”.
الختانة عمل طقوسي في العهد القديم يدلّ الى اثنين:
– إنتماء الطفل الى جماعة شعب الله، المعروفة بذرّية ابراهيم، وإعطائه الاسم الذي سيحمله. في حالة الطفل الإلهي، ابن الله المتجسّد، فقد أعطي اسم “يسوع” الذي يكشف رسالته: “الله الذي يخلّص شعبه من خطاياهم”، كما أبان الملاك ليوسف في الحلم (متى1: 21).
– الالتزام بختانة القلب، أي بمحبة الله والقريب، حسب الشريعة (تثنية الاشتراع 10: 12-22): “ويختن الربّ الإله قلبك، لتحبّ جميع الأمم، يهوداً ووثنيين”. في العهد الجديد، حلّت المعمودية محل رتبة الختانة، ينتمي بها المعمّد والمعمّدة إلى جماعة شعب الله الجديد الذي هو الكنيسة، جسد المسيح، ويصبح عضواً فيه، ويلبس المسيح، أي الحياة الجديدة الإلهيّة فينا ويحمل لقب “مسيحي”.
3- وبما أنّ هذا اليوم هو الأحد الأوّل بعد الميلاد، فالكنيسة تذكر فيه وجود الصبي يسوع في الهيكل، وتحيي عيد العائلة المقدسة في الناصرة.
تقرأ الكنيسة هذا الحدث في إنجيل القديس لوقا 2: 41-52:
قَالَ لُوقَا البَشِير: كانَ أَبَوَا يَسُوعَ يَذْهَبَانِ كُلَّ سَنَةٍ في عِيدِ الفِصْحِ إِلى أُورَشَليم. ولَمَّا بَلَغَ يَسُوعُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، صَعِدُوا مَعًا كَما هِيَ العَادَةُ في العِيد. وبَعدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ العِيد، عَادَ الأَبَوَان، وبَقِيَ الصَبِيُّ يَسُوعُ في أُورَشَلِيم، وهُمَا لا يَدْرِيَان. وإذْ كَانَا يَظُنَّانِ أَنَّهُ في القَافِلَة، سَارَا مَسِيرَةَ يَوْم، ثُمَّ أَخَذَا يُفَتِّشَانِ عَنْهُ بَيْنَ الأَقارِبِ والْمَعَارِف. ولَمْ يَجِدَاه، فَعَادَا إِلى أُورَشَليمَ يُفَتِّشَانِ عَنْهُ. وَبعْدَ ثَلاثَةِ أَيَّام، وَجَدَاهُ في الهَيكَلِ جَالِسًا بَيْنَ العُلَمَاء، يَسْمَعُهُم ويَسْأَلُهُم. وكَانَ جَمِيعُ الَّذينَ يَسْمَعُونَهُ مُنْذَهِلينَ بِذَكَائِهِ وأَجْوِبَتِهِ. ولَمَّا رَآهُ أَبَوَاهُ بُهِتَا، وقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يا بُنَيّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكذا؟ فهَا أَنَا وأَبُوكَ كُنَّا نَطْلُبُكَ مُتَوَجِّعَيْن!». فَقَالَ لَهُمَا: « لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ أَلا تَعْلَمَانِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ في مَا هُوَ لأبي؟». أَمَّا هُمَا فَلَمْ يَفْهَمَا الكَلامَ الَّذي كَلَّمَهُمَا بِهِ. ثُمَّ نَزَلَ مَعَهُمَا، وعَادَ إِلى النَاصِرَة، وكانَ خَاضِعًا لَهُمَا. وكَانَتْ أُمُّه تَحْفَظُ كُلَّ هذِهِ الأُمُورِ في قَلْبِهَا. وكَانَ يَسُوعُ يَنْمُو في الْحِكْمَةِ والقَامَةِ والنِعْمَةِ عِنْدَ اللهِ والنَاس.
حدث وجود الصبي يسوع في الهيكل بين العلماء، وهو بعمر اثنتي عشرة سنة، كشفه معلّماً الهياً، وهو نفسه الكلمة المتجسد. ويحمل الحدث كلمة جوهرية قالها لأبيه وأمّه: “ألا تعلمان أنّه ينبغي لي أن أكون في ما هو لأبي؟” (لو2: 49). لفظة “ما هو لأبي” تعني، من جهة تكريس ذاته لتصميم الخلاص الذي أعدّه له لجميع الناس، وتكشف من جهة ثانية، تكريس ابيه يوسف وأمه مريم ذاتيهما لمعاونته في تحقيق تصميم الله الخلاصي. وعلى هذا الأساس، “نزل معهما الى الناصرة، وكان خاضعاً لهما، وكان ينمو في القامة والحكمة والنعمة عند الله والناس” (لو2: 52). ولهذا السبب جعلت الكنيسة هذا الحدث عيد العائلة المقدسة في الناصرة، وبالتالي عيد كلّ عائلة.
تظهر في عائلة الناصرة طبيعة العائلة التي هي تاسيس إلهي، بوجوهها الثلاثة:
أ. إنّها مكان حضور الله. يسوع الإله عضو في العائلة البشرية، يقدسها بحضوره فيها، ويعيد لها قدسيتها وكرامتها. العائلة في الأساس تأسيس إلهي، نجده في الصفحة الاولى من سفر التكوين: “خلق الله الإنسان على صورته ومثاله، ذكراً وأنثى خلقهما، وقال: إنميا واكثرا واملآ الأرض” (تك1: 27-28). بفضل هذا الحضور، الزواج والعائلة جماعة حبّ وحياة، على مثال الله الثالوث، تجسّد حبّ الله للبشر، وتعاونه في نقل الحياة البشرية وتربيتها.
ب. إنّها كنيسة بيتيّة، لأنّ المسيح الربّ رفع مؤسسة الزواج الطبيعية الى رتبة سرّ، بحيث يمنح الزوجين المؤمنين نعمةً إلهية تكمّل حبّهما، وتقوّي اتحادهما الذي لا ينفصم، وتساعدهما على تقديس حياتهما الزوجية في قبول الاولاد وتربيتهم، ونقل الإيمان إليهم، وتعليمهم الصلاة والإتكال على عناية الله. هو المسيح، ينبوع هذه النعمة، بحضوره في عائلة الناصرة كان هو هذه النعمة، أما اليوم فبواسطة سرّ الزواج. هذا ما أراد إعلانه بحضوره في عرس قانا الجليل، وبآية تحويل الماء الى خمر فائق الجودة.
ج. إنّها المدرسة الطبيعية الأولى لتربية الإنسان على القيم الروحية والإنسانية والإجتماعية. الوالدون هم المربّون الأول لأولادهم، مهمتهم تربية أولادهم على الحقيقة والمحبة. هذه التربية واجب على الاهل مثلث الصفة:
واجب جوهري وأساسي، بسبب علاقته بنقل الحياة البشرية في الإنجاب، وبالنسبة الى مهمّة الآخرين التربوية، المدرسة والرعية والمجتمع؛
واجب أوّلي، بداعي رباط الحبّ الفريد بين الوالدين وأولادهم؛
واجب لا بديل أو غنى عنه، لأنّه لا يُفوَّض الى غيرهم بشكل مطلق، ولا ينتزعه منهم أحد (راجع الإرشاد الرسولي: في وظائف العائلة المسيحية،36).
إنّ العائلة مدعوّة لتؤمّن لكلّ ولد فيها نموّه على مثال المسيح، بالقامة، والحكمة-التربية، والنعمة-تقديس الذات.
4- ولأنّ هذا اليوم هو الأوّل من كانون الثاني 2012، تحتفل فيه الكنيسة باليوم العالمي للسلام. ورسالة البابا بندكتوس السادس عشر تتناول موضوع: تربية الشبيبة على العدالة والسلام.
يحدّد قداسة البابا التربية بأنّها قيادة الإنسان خارج ذاته من أجل إدخاله في واقع يتّجه به نحو نموّ شخصه بملئه. هذا المسعى التربوي يقتضي لقاء حريتين: حرّية المربّي المستعد لهبة ذاته، وحرية الشاب المدعو لينفتح على معرفة الواقع الجديد. تبدأ التربية عند الشاب بالإدراك أنّه على صورة الخالق، وتالياً بالإحترام العميق لكلّ كائن بشري آخر، وبمساعدة الآخرين ليعيشوا حياة مطابقة لهذه الكرامة السامية. تهدف التربية إلى إنماء الإنسان، إنماءً أصيلاً وشاملاً للشخص في كلّ واحدة من أبعاده الثقافية والروحية، الإجتماعية والإقتصادية. فلا يمكن أن يضحّى بالشخص من أجل مكسب خاصّ، إقتصادياً كان ام إجتماعياً، فردياً أم جماعياً.
ومن مهام التربية، مهمة أوّلية هي التربية على الحرية الاصيلة، كأساس للإنسان الذي، فقط من خلال علاقته بالله، يستطيع أن يفهم معنى حريته الشخصية. ولا يمكن بلوغ الحرية الأصيلة بعيداً عن الله. إن إستعمال الحرية أستعمالاً سليماً لمحوريُّ من أجل تعزيز العدالة والسلام. ولذلك الحرية قيمة ثمينة ودقيقة. فيمكن بالتالي أن يُساء فهمها وأن يُساء إستعمالها. وكذلك التربية على الحقيقة، التي هي أعظم ما يشتهيه الإنسان، على ما يقول القديس اغسطينوس. التربية عليها تقتضي معرفة طبيعة الشخص البشري الذي هو كائن يحمل في قلبه عطشاً الى اللامتناهي، إلى الحقيقة القادرة على تفسير معنى حياته، كمخلوق على صورة الله ومثاله.
الحقيقة والحرية تجعلان من الإنسان كائناً ذا علاقات مع الله ومع الآخرين، تتميز بالعناصر التالية: الثقة المتبادلة، القدرة على بناء حوار بنّاء، إمكانية الغفران الذي نرغب في الحصول عليه أكثر من إعطائه، المحبة المتبادلة، التحنن على الأكثر ضعفاً، والجهوزية للتضحية. هذه الميزات تعطي لفظتي العدالة والسلام مضمونهما.
التربية على العدالة التي تحددها هوية الكائن البشري العميقة، لا الشريعة الوضعية ولا الإتفاقيات البشرية. ذلك إن مفهوم العدالة متأصّل في جذور تسمو شؤون الأرض. إنها تنفتح على أفق التضامن والمحبة. إن مدينة الأرض لا تتألف فقط من علاقات حقوق وواجبات، بل وخاصةً وأولاً من علاقات مجّانية ورحمة وشركة. إن المحبة التي تكشف حب الله تعطي قيمة لاهوتية وخلاصية لكل التزام من أجل العدالة في العالم. إن التطويبة :” طوبى للجياع والعطاش إلى العدالة فإنهم يشبعون” (متى 6:5)، تعني أنهم سيشبعون لأنهم جياع وعطاش لعلاقات سليمة مع الله، ومع ذواتهم، ومع الأخوة والأخوات، بل ومع الخليقة بأسرها.
التربية على السلام الذي هو ثمرة العدالة وأحد مفاعيل المحبة. السلام هو قبل كل شيء عطية من الله. نحن نؤمن أن المسيح سلامنا الحقيقي. فبه وبصليبه صالح الله العالم مع ذاته، وهدم الأسوار التي تفصل فيما بيننا (راجع أفسس 2: 14-18). بالمسيح يوجد عائلته واحدة متصالحة في المحبة.
ليس السلام فقط عطية نقبلها، بل هو أيضاً عملٌ نبنيه. لكي نكون حقاً صانعي سلام، ينبغي أن نتربّى على الحنان والتضامن والتعاون والأخوّة، وعلى أن نكون فاعلين وسط الجماعة، وساهرين على إيقاظ الضمائر حول المسائل الوطنية والدولية، وحول أهمية البحث عن الطرق الملائمة لإعادة توزيع ثروة الارض، ولتعزيز النمو، وللمساهمة في الإنماء، ولحل النزاعات.
يعلن الرب يسوع في إنجيل التطويبات: “طوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون” (متى 9:5).
السلام للجميع يولد من العدالة لكل واحد. ما من أحد يستطيع حجب هذه المهمة الاساسية لتعزيز العدالة، وفقاً لصلاحيته الخاصة ومسؤولياته. الدعوة موجّهة الى الشبيبة التوّاقة الى المُثُل، لتصبر وتصمد في البحث عن العدالة والسلام، في تربية الذوق لكل ما هو عدل وحق، ولو كلّف ذلك تضحيات مع السير عكس التيّار، ولسان حال الشباب صلاة المزمور 121/1: ” إني أرفع عينيّ الى الجبال، من حيث تأتي نصرتي. نصرتي من عند الرب صانع السماوات والأرض”.
ونقول للشباب وللجميع :” ليست الإيدولوجيات هي التي تخلّص العالم، بل فقط رفع النظر الى الله الحي، الذي هو الضامن لكل ما هو بالحقيقة صالح وحق، والمقياس لكل ما هو عدل، والذي هو في الوقت الحب الأزلي.
الحب وحده يخلّصنا، لأنه يفرح بالحقيقة، ولأنه القوة التي تعطي القدرة على الإلتزام من أجل الحقيقة والعدالة والسلام، ولأن الحب يعذر كل شيء ، ويصدّق كل شيء، ويرجو كل شيء، ويحتمل كل شيء (راجع 1 كور 13: 1-13).
فيا أيها الشباب، ادركوا أنكم مثال حيّ للكبار، عندما تجهدون في الانتصار على الظلم والفساد؛ وعندما تتوقون الى مستقبل أفضل وتلتزمون في بنائه؛ وعندما تسلكون طريق البذل والسعي والامانة والثبات والتواضع والتفاني؛ وعندما تتجنّبون الطريق الأسهل والآني لحلّ المعضلات. ثقوا بقدراتكم، ولا تنطووا على ذواتكم. لستم لوحدكم. فالكنيسة الى جانبكم، تثق بكم، تتابعكم، تشجّعكم وترغب في أن تقدّم لكم ما هو الأثمن : أعني إمكانية رفع نظركم الى الله، واللقاء بيسوع المسيح، الذي هو العدالة والسلام.
صلاة
أيها الرب يسوع، عندما نناجيك بإسمك، ندرك أنك أنت الإله الذي، بفيضٍ من حبك، تأنّست لتخلّصنا وتفتدينا بموتك وقيامتك. إفتح عقولنا لكلمتك الهادية، وقلوبنا لمحبّتك، وإرادتنا لنعمتك الشافية. بارك كلّ عائلة من عائلاتنا، لكي توفّر لأولادها النمو بالقامة والحكمة والنعمة مثلك في عائلة الناصرة. أعطنا أن نتتلمذ لك نحن وشبيبتنا، فتتربّى على العدالة والسلام، وعلى الحقيقة والحرية. ويا أيها المسيح سلامنا، هبّ العالم سلامك، وساعد جميع الإرادات الصالحة على توطيد السلام القائم على أساسيّ العدالة والمحبة. فنرفع المجد والتسبيح للآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.
Discussion about this post